قناديل لا تنطفئ على درب العودة
العودة في حياة مثلث الرحمة المطران يوسف ريا
1916 - 2005
نبذة عن مثلث الرحمة سيادة المطران يوسف ريّا
ولد المطران يوسف ريّا في مدينة زحلة في 15 آب 1916 وأتمّ دراسته العادية في مدرسة الفرير ماريست في باريس. دخل إكليريكية القديسة حنة في القدس حيث أتم دراسته الكهنوتية وتابعها في باريس.
تعيّن مديرًا للمدرسة الأسقفية في زحلة وأستاذًا للعلوم الطبيعية. عند إنهائه دراسته رُسم كاهناً في القدس في 20 تموز 1941 وكان الاهتمام بالبرص والصم والخرس أول عمل رسولي قام به وخدم هناك حتى سنة 1946. ثم أرسل إلى المدرسة البطريركية في مصر ليديرها ويعلّم فيها إضافة إلى العلوم والأدب الفرنسي. بعدها أرسل إلى المدرسة الشرقية لتعليم التاريخ والفلسفة, ثم انتقل عام 1948 إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث تابع تحصيل العلوم العالية في جامعة فوردهام في نيويورك مع متابعة بعض الخدمات الرعائية هناك.
بين السنوات 1952 حتى 1967 خدم رعيّة "بيرمنغهام" في ألباما في الولايات المتحدة. إلتقى بمارتن لوثر وساهم في نضاله من أجل المساواة بين السود والبيض. آمن بالطرق السلمية ونبذ العنف.
خلال الفترة 1955 حتى 1965 شغل منصب الناطق الرسمي لبطريركية الإسكندرية واأنطاكية والقدس, حيث مثلها في مؤتمرات دولية وقد شغل وظائف عديدة في البحث اللاهوتي في الفاتيكان.
من منطلق إيمانه أن الله خلق الإنسان على صورته وبشكل واضح إلتزم في جمعيات تعنى بشؤون حقوق الإنسان وجمعيات لحماية المهاجرين للولايات المتحدة.
في سنة 1960 حاز على جائزة أفضل مصمم معماري على كتدرائية الأبرشية الجديدة التي صممها وبناها هناك.
كان صديقاً شخصياً لمارتن لوثر الأب والإبن وكان مؤازرا متحمساً لقضايا حقوق العبيد والأقليات في الولايات المتحدة. تعرض أكثر من مرة للضرب من متطرفين عنصريين في الولايات المتحدة نتيجة لمواقفه الجريئة.
انتُخب أسقفًا في 13 أيلول 1968على أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل وتسلّم منصبه في حيفا في 18تشرين الثاني1968. وقدّم استقالته عام 1975متجهاً إلى دير مادونا هاوس. كان له العديد من المواقف المتميزة تجاه المجتمع العربي. نهض بقضية مهجري إقرت وكفربرعم وأثارها محلياً ودولياً على نطاق رسمي وشعبي بتوجهات سلمية في غاية الجرأة وبأنماط غير مألوفة في ذلك الزمان محلياً مستنفذاً المسارب الديموقراطية .
قضى آخر أيامه في بيت مادونا هاوس مكرساً جل إهتمامه على التأليف والوعظ والإرشاد والتعليم في الجامعات والمؤتمرات وقد طرح اسمه مؤخّرًا ليكون مرشّحًا لجائزة نوبل للسلام، وقد انتقل إلى رحمته تعالى فجر السبت الحادي عشر من حزيران 2005 في مستشفى القديس فرنسيس التذكاري في ماري في خليج أونتاريو في كندا بعد صراعه مع المرض خلال سنواته الأخيرة.
سيادة المطران يوسف ريّا وأهالي إقرت
"قائد المسيرة"
من يتابع خطوات سيادة المطران يوسف ريّا يكتشف ان هذا القائد لم يلتزم بنضاله تجاه فئة او شعب محدد وإنما كان أممياً, شعر بقضايا الفقراء والمحتاجين, دعم وناضل من أجل المهجرين والمظلومين, لم يقتنع بحقيقة الواقع الذي تعيشه الاقليات وإنما آمن أن الواقع الذي تصنعه الشعوب يقهر واقع الظلم .
عربياً وفلسطينياً نتذكر له مواقفه المشرفة والجريئة خلال السنوات السبع التي قضاها في البلاد يقود قضايا المظلومين. وفي سبيل العرض لا التخصيص, أذكر قيادة سيادته لنضال مهجري إقرث وكفربرعم والذي دعم القضية ونشرها عالمياً ومحلياً, نتذكر همة الشباب والحيوية في نمط عمله, متبعاً نهجاً جديداً ومتجدداً لما كان في جعبته من إلتقائه بمارتن لوثر بأميركا, نتذكر جرأته التي طالما إفتقدناها من قيادات محلية في ذلك الزمان على الخصوص, نتذكر إصراره وعزيمته اللذيّن لم يهونا. لم يعرف الكلل أو التعب, آمن بحق قضية المهجرين وعمل من أجلها بأمانة لا توصف وقد كان مثال الراعي الصالح ومثال التفاني والتضحية.
في بداية سنة 1969 توجه سيادته لرئيسة الحكومة آنذاك - غولدا مئير- طالباً السماح لأهالي إقرت وكفربرعم بالرجوع لقريتيهم, لقي سداً منيعاً ورفضاً قاطعاً نسب إلى أسباب عديدة منها الأمنية, لكنه لم يقتنع ولم يتراجع. إنتهج نهجاً جديداً ومتجدداً مستعملاً ما كان في جعبته من طرق وأساليب ديموقراطية خاصة وله تاريخٌ مشهودٌ خلال لقائه بمارتين لوثر في أميركا.
إستطاع توحيد القوى التي آمنت بعدالة قضية مهجري إقرث وكفربرعم وعلى إتساع الخارطة السياسية لنصرة نضال المهجرين من أجل العودة لموطنهم. عرف كيف يضع خصمه في مواقف في غاية الإحراج وقد لاقى تأييداً شعبياً منقطع النظير.
في 5\7\1972 نشر سيادة المطران يوسف ريّا رسالة مفتوحة إلى شعب إسرائيل لاقت تأييدا واسعاً حتى في الوسط اليهودي.
في 5\8\1972 وصل إلى أقرث وبرعم حوالي 1000 شخص في رحلة تضامنية مع الأقارتة والتي جمعت طلاب الجامعات ومحاضريها, أدباء وفنانين وممثلي كيبوتسات ومؤيدين من الجمهور دعماً لنضال المهجرين المعتصمين في القريتين. وقد إستقبل أهالي إقرت سلسلة طويلة من الحافلات والسيارات التي كانت تقل مؤيدي الحل العادل لهذه القضية. جاءت رحلة المتضامنين لتعبر عن سخط الجمهور على قرارات الحكومة آنذاك برفض إرجاع الأهالي للقريتين. حمل المهجرون سيادته على الأكتاف وصرخات تعلو الجو: "على إقرت لازم نعود, ما دامو ريا موجود". في كنيسة إقرت ألقى سيادته كلمة - باللغة الإنجليزية ؟ حيى فيها المتضامنين مؤكداً أن تضامنهم يثبت إمكانية التعايش سوياً وانطلق مطالباً الحكومة تغيير قرارها.
إقفال الكنائس رمزاً لإفتقاد العدالة
خطوة لا سابق لها ,ما من قوة تدحض إرادة الشعوب.
وفي يوم الأحد 13\8\1972 وبحسب تعليمات سيادته إقفلت الكنائس أبوابها ولم تقم الصلاة بها رمزاً للحداد على إفتقاد العدالة في إسرائيل وذلك بعد أن تم الإعتداء على كنيسة كفربرعم وتم تدنيس محتوياتها وإجتمع الألوف من مؤيدي قضية المهجرين في إقرت. قامت الشرطة وقوات حرس الحدود والجيش بتطويق إقرت منعاً لدخول الأهالي, لكن إصرار سيادته دخول إقرت أدى بالنهاية إلى دخول الجموع منطقة القرية. دُقت أجراس الحزن في كل الكنائس دلالة على إفتقاد العدالة في إسرائيل.مع ذلك منعت الشرطة المجتمعين من الوصول للكنيسة, عندها أقام سيادته زيّاح العذراء على "ظهر البلاط" الواقع على التلة المقابلة للكنيسة وقد إستغل بعض الأهالي الصلاة لإجراء عماد لأطفالهم على أرض إقرث - وبالحصر على الشارع -. شارك بهذه الصلاة عدد كبير من الكهنة وعدد كبير من مؤيدي هذه القضية مع أهالي القريتين. في كلمة سيادته التي لم تخلُ من التهكمية متوجهاً للضابط المسؤول بواسطة مكبر الصوت قائلاً: "ما كان على شرطة وجيش إسرائيل تعزيز كل هذه القوات هائلة العدد لمنع شعب أعزل من الوصول لبلدته ولكنيسته لأداء الصلاة. كان من الأجدى لأفراد هذه القوات قضاء يوم راحة مع عائلاتهم من التواجد هنا".
مسيرة تظاهرية في القدس
وفي 23\8\1972 قاد سيادة المطران أعظم مظاهرة عرفت إلى ذلك الحين لمناصرة قضية إقرت وكفربرعم في شوارع القدس إبتداءً من بوابة يافا وانتهاءً مقابل مكتب رئيسة الوزراء. وقدتباينت وسائل الإعلام حول عدد المشتركين في هذه المسيرة التي توحدت الشعوب والأديان بها . حمل المتظاهرون شعارات تدعو لإرجاع الأهالي لقريتهم ومقابل مقر رئيسة الحكومة ألقى سيادة المطران كلمته.
بتاريخ 24\8\1972 ترأس سيادته مؤتمراً عُقِد في الرامة بدعوة من اللجنة التحضيرية في قضاء عكا للتضامن مع نضال إقرت وكفربرعم, حضرته وفود من قرى ومدن المنطقة بينهم رؤساء مجالس ورجال دين من كل الطوائف. في نهاية المؤتمر تاسست اللجنة الشعبية لمناصرة قضيتنا.
الذكرى الواحدة والعشرون لهدم إقرت
في 23\12\1972 وفي الذكرى الواحدة والعشرين لهدم إقرت, عقد إجتماع تضامني في أرض إقرت,حضره أكثر من 3,000 شخص, من كل أنحاء البلاد. وعندها توجه سيادة المطران ريّأ بندائه لحكومة إسرائيل حاثاً إياها رفع الظلم عن المهجرين.
إضراب عن الطعام أمام الكنيست
وفي تموز1973 وبعد إقتناع سيادة المطران يوسف ريّا بعدم تغيّر توجهات الحكومة أعلن سيادته عن إستئناف نشاط النضال. في صبيحة الإثنين 15 تموز 1973 أعلن مهجرو إقرت وكفربرعم, يرأسهم سيادة المطران يوسف ريّا ويؤازرهم العديد من المؤيدين, بداية إضراب عن الطعام أمام الكنيست. وافق رئيس الكنيست آنذاك يسرائيل يشعياهو على الإضراب ليوم واحد. عندها قدم سيادة المطران طلباً ليوم آخر. وتعهد بأن يقدم طلباً جديداً كل يوم. ضابط الأمن المسؤول في الكنيست منع نصب عريشة ليجلس المعتصمون في ظلها, هذا لم يحبط عزيمة سيادته, إفترش الأرض ومن حوله الأهل والمؤيدون.
وعرف كيف يبث البهجة والأمل في أهالي إقرث فقد إشترك في أفراحهم وأعراسهم المقامة في أرض إقرث كما اعتاد زيارة المعتصمين في إقرث والسهر معهم الليالي الطوال.
وكان سلساَ حساساً لمشاعر الآخرين
مغادرة سيادة المطران يوسف ريّا البلاد
عندما قرر سيادة المطران يوسف ريّا ترك البلاد وقدم إستقالته للسينودس, حاول أهالي إقرت وكفربرعم بالإضافة لجهات شعبية أخرى جاهدين إقناع سيادته بالعدول عن موقفه, لكنه كان مصراً. وعندما إجتمع عدد من أهالي إقرت به كمحاولة أخيرة, قال أن هنالك أموراً لا يستطيع الإفصاح عنها تضطره لمثل هذا الموقف وبقيت هذه الظروف التي أدت الى مغادرة سيادة المطران يوسف ريّا البلاد ونقل كرسيه إلى كندا غامضة تدعو إلى الشك.
باءت كل جهود أهالي إقرت بالفشل. وكان ذلك بمثابة إضافة يوم مشؤوم آخر لأهالي إقرت, يضيف إلى مآسيها مأساة أخرى لما كان لسيادته من دور فاعل في تصعيد القضية لأعلى المستويات المحلية والعالمية.
من أقوال مثلث الرحمة سيادة المطران يوسف ريا
" الحرية والكرامة هي القاسم المشترك بين الله والإنسان "
" قضية إقرت وكفربرعم إنما هي معركة واحدة من معارك إسترجاع كرامتنا "
" إعطاء القليل يكلف الكثير, إعطاء الكثير يكلف القليل, إعطاء كل شيء لا يكلف شيئاً.
دائماَ على دربك نسير
شارك بتعليقك