كان مبنى العين في الزيب عند المدخل الشمالي للقرية . وكان على سطحه بغل يدور ويدور . ومع كل دورة ، ترتفع الحاويات الصغيرة على الحزام المثبتة عليه ، وتفرغ حمولتها من الماء في مصب منحدر يصل بالماء الى بركة داخل الحائط الغربي للمبنى . والصنابير عند أسفل البركة من الخارج ، تصب الماء في الجرار ، فوق حوض على امتداد هذا الحائط . كانوا في الزيب يسمون هذا الحوض "الرّان" .
وكان مبنى العين ، معلما بارزا من معالم الزيب ؛ متى رآه القادم اليها من لبنان أو قرية البصة أو مستعمرة حانوتا ، علم أنه قد وصل .
وكانت مياه معظم منازل القرية من هذه العين . تخيل معي أيها القارئ الكريم ، صبايا الزيب ، يأتين الى العين ، دائما في مجموعة من اثنتين وأكثر ، والجرار على رؤوس بعضهن ، وعلى خواصر البعض الآخر .
إنهن يمشين على تراب بلادهن ! أميراتٍ ، أميرات ! يمْتلكن الدنيا وما فيها .
وما إن يصلن الى العين ، إلا ويأخذن في غسل جرارهن . ثم "يُسبِّعنها" ، أي يسكبن الماء عليها سبع مرات كي تطهر . وبعد أن يملأنها بالماء ، تلقّ الواحدة منهن وجهها به مرة أو مرتين .
إنها وجوه تتلألأ بالعافية .
منهن ربما من كانت أمي ، أو جدتي ؛ أو أمك أو جدتك .
يا سعْدهن : كانت أيامهن جميلة .
نحن ، أنت وأنا ، لن ننسى تلك الأيام . من جهتي ، سوف أصفهاإنشاءالله لأحفادي بعد أن وصفتها لأولادي . وأنا أعلم أنك سوف تفعل الشئ عينه . فأنت مثلي ، تدرك أن فلسطين ، طالما هي حية في ذاكرتنا ، فهي لنا .
شارك بتعليقك