مقتطفات من كتاب "قرى فلسطينية دمرتها اسرائيل عام 1948: قرية الزيب كما عرفتها"
" الزيب قرية في قضاء عكا في فلسطين . دمرتها اسرائيل -- مع اكثر من اربعماية قرية فلسطينية أخرى -- عام 1948 وشردت سـكانها . منذ ذلك الحين لم يعد هناك قرية عامرة بأهلها اسمها الزيب . كما لم يعد لأهل الزيب مجتمع سكاني واحد . بل هم منتشرون في شـتى أنحاء المعورة . ما يعني أنه لا ذاكرة جماعية للزيب سوى تلك التي يحملها اولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة ممن هُُجروا منها عام النكبة . وهؤلاء عددهم قليل ، وهم يتناقصون بالوفاة عاما بعد عام . "
" وهي قرية جميلة . أبنيتها من حجر الإسمنت والجدران المطلية باللون
الأبيض ، أو من الحجر الرملي ، أو من الحجر الأبيض ، أو من الطين . وهذه الأبنية من طبقة واحدة عموما . وعلى بعض أسطحها عرائش من أغصان شجر العنب ، أو من سعف النخيل ، أو من الخيش ذي اللون الحنطي . وبساتينها الناضرة تحيط بها من الشرق , ومن بعض الشمال ، وبعض الجنوب . حقول القمح فيها عند الإيناع صفراء لامعة . كأنها ، إن تحرك النسيم ، بُحيرات من سائل الذهب . "
" بعد النكبة بسنتين ، وكنت حينئذ في بيروت ، رأيت ناجي السعدي من بعيد . كان يبيع علكة التشكليتس على باب إدريس ! شـئ لا يصدق . أتكسر النكبة رؤوس الرجال الى هذا الحد ؟ للقارئ الكريم أن يتصور مدى الخراب الذي أحدثته الهزيمة في صدر هذا الرجل وربما في رأسه أيضا . "
" وكان أهل الزيب أكثر استهلاكا للشاي منهم للبن . "
" كانت الأوزان من النحاس الأصفر . وكانت أحجامها متفاوتة ، وفقا لتفاوت ثقلها . أما أشكالها فكانت متماثلة ؛ جميعها كان على شكل القارورة الصغيرة . "
" وكانت النقود الفضية أربع فئات . هي القرش ، القرشان ، شلن الخمسة قروش ، وشلن العشرة قروش . أما النقود النحاسية فكانت ثلاث فئات . هي المليم ، المليمان ، والتعريفة . وكان المليم عُـشر القرش ، والتعريفة نصفه ."
" وكان من بين كبار رواد ملتقى الزاوية أيضا ، أبو الفهد محمود الشحادة ، الذي كان يقال عنه أنه غني ، وانه يـُخبئ الذهب في تنكة الزيت ، إشارة الى كثرة الذهب لديه . وهو على ما يبدو ، كان يرتاح لهذا القول ، ويرد مبتسما : صيت غِـنى ولا صيت فقر . "
" باستثناء أيامه الصاخبة هذه ، وعددها قليل ، كان الوادي وديعا جميلا . تجري مياهه على حصى القاع رقراقة ، وخريرُها صوت سلام . "
" كانوا في الزيب يقولون لوح دراسة ، ولا يقولون نورج . وهو لوح من الخشب القوي السميك . طرفه الأمامي مثنيٌ الى أعلى لتسهيل دورانه على السنابل . وجهه السفلي مُرصع بحجارة سوداء بركانية ، خشنة وصلبة ، حجم الحجر منها قريب من حجم حبة الجوز . "
" وكان الصبية يتشوقون للوقوف على هذا اللوح ، وهو يدور ويدور ؛ وللنظر الى أعلى ليروا السماء وهي أيضا تدور وتدور . "
" وكان للمنزل جنينة ، خاصة اذا كان على الجانب الشرقي للطريق العام . وكانوا في الزيب يقولون حاكورة ، ولا يقولون جنينة . وكانوا يزرعون فيها الخضار . وكان فيها التين ، التوت ، الصبار ، الرمان . كان في حاكورة أبي أحمد الصبري قصب السكر . "
" ولما استفاقت وجدت أن عرسها قد انقلب الى مأتم . ووفقا للعادات والتقاليد في مثل هذه المناسبات الحزينة ، جيئ لها بالقدور من على المواقد ، بعد إفراغها من الطعام . وأخذت تولول وتندب حظها العاثر ، وتمرغ وجهها وثوبها الأبيض بالشحتار . "
" ما إن يُفتح الرغيف وهو ما زال ساخنا ، إلا ويعلو من لبابه بخارٌ يحمل رائحة القمح . يا ســعْـدُه من أكل من خبز الزيب ! "
" الشاطئ الجنوبي للزيب طويل وعريض . وهو رملي . ورمله نظيف ، تنهال القبضة منه عن راحة اليد دون أن يترك الرمل عليها أثرا ، أو أن ينبعث منه غبار . "
" كانت مآكل أهل الزيب متنوعة . وذلك يعود لما كانت تتمتعُ به بنت الزيب من ذوق ومهارة وحُسْن تدبير . كما يعود لكثرة المواشي والدواجن والأسماك ؛ ولخصوبة الأرض وتنوع الغلال . "
" المأرينة في الزيب هي المعكرونة أو السباغيتّي أو النودلز. وكانت تباع في رُزم صغيرة ، داخل غلاف لونه أزرق نيلي . "
" المْبَلبَلة. هي البرغل المنقوع في لبن خفيف رقيق ، اسمه المخيض . "
" كانوا في الزيب يزرعون الخضار في حواكيرهم وبساتينهم ؛ والقطاني كالعدس والحمص ، والحبوب كالقمح والشعير ، في حقولهم . وكان عندهم لهذه الحقول أسماء ، منها الشاحوط ، ضهر البيّاض ، الزواريب ، المناوات . "
" كانت المرأة في الزيب تعتبر أن توفير المؤن الموسمية لبيتها ، هو من أهم واجباتها . وكانت ترى أن البيت بدون مؤونة ، بيتٌ خَرًبٌ . "
" نوع التين المفضل للمربى عند أهل الزيب كان اسمه الـبْياضي . لونه متى نضج عاجي . ومتى نضج أكثر ، فاض قلب الكوز بالعسل ، ودمعت عينه . اشارة ربما الى أن وقت رحيله عن أمه قد حان ."
" ... منطقة ذات جمال ساذج ، لا تنميق ولا تزويق . مروج وروابي ، سفوح وثنيّات ووهاد ... أشجار البلوط والزعرور والخروب والجميز والتين والصبار والعليق والزيتون ؛ ونباتات الزعتر والفطر والحميض والمرمية ؛ وأزهار الـمِضْعَـف والنرجس والسوسن والأقحوان . زروع برية ، وأعشاب . كل ينبت وينمو على سجيته . "
" وحين ترتفع شمس الضحى في سماء تلك المرابيع ، تفوح في الهواء رائحة التراب الطهور . "
" اسم البرغل عند أهل الزيب هو السميدة - السين ساكنة ومشددة ، الميم مكسورة وكذلك الدال . "
" وكانت هذه الريفية الواثقة من نفسها ، تسمع أن النساء الوافدات مع أزواجهن من المدينة ، يجعلن بالإضافة الى الفلفل ، البامية والتين أيضا في قلائد .. كانت ترفض أن تأخذ هذا عنهن . بل وتستنكره عليهن . وترد على ما تسمع بشيء من الدعابة ، وتقول ؟نحن قلائدنا من الذهب ، وهن من البامية .؟ "
" كان العرس في الزيب مناسبة يفرح بها أهل العروسين ، وأهل القرية عموما . ويتجدد فيها الأمل عند الصبايا العوازب بأن يأتي ابن الحلال ، ولا يتأخر كثيرا . وكان العرس يستمر لأيام ، وفقا لبرنامج وتفاصيل معينة . "
" وعند عصر ذلك اليوم، تجمهر الناس في الساحة . شيوخ وشباب على أرضها . نساء وصبايا فوق السطوح من حولها . ووسط الهتاف ، وقف المتبارون في صدر الساحة ، كل أمام حجره . "
" ... ثم ينتقل من القرآن الى المدائح النبوية . فـيُنـشد بعض ما حفظ منها، والآخرون يشاركون ... وكانت هذه الأصوات الفـتـيّة الـنّديّة ، تصدح في سماء القرية ، وتملأ الأثير بعبقٍ رَوْحاني ، تخشع له قلوب السامعين . فيخرج بعض هؤلاء من المنازل ، ويباركون للصبي ويدعون له ، ويوزعون الشراب أو الملـبّـس . "
" كان من بين الرجال في الزيب ، كما في أي مجتمع آخر ، رجال ؟ متكلمون ؟ ، يشار اليهم بالبنان . صوتهم جهوري . كلامهم واضح لا تعقيد فيه ، يصل الى غايته بـيُسر وصفاء . وكان لهؤلاء الرجال حضور واعتبار . أحبهم الناس وأحبوا أحاديثهم ، لما كان فيها من مـُلح وقصص وأقوال مأثورة . "
شارك بتعليقك