وأخيراً ارتكبت أم الكبائر بتقديس الدم اليهودي وإهدار الدم الفلسطيني وممن؟ من من يدعون أنهم بناة الدولة العتيدة، مدعو الشفافية أصحاب الألقاب الفخمة دولة الرئيس، اي كابوس هذا الذي نعيشه بعد اثنين وستين عاماً من النكبة، تقوم الضحية بتعويض الجلاد.
يا مثبت العقل كيف يستطيع الشعب الفلسطيني أن يفهم دفع ملايين الدولارات في صفقة سرية يقوم بها رئيس الوزراء سلام فياض، تحت مسمى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والمفارقة أن يتم هذا في ذكرى مذبحة الخليل التي راح ضحيتها ثلاثين شهيداً وعشرات الجرحى على يد المجرم باروخ غولدشتاين، وهل عوض هؤلاء وهل يتم تعويض الشهداء في فلسطين بما يستحقون، استثني هنا ما كان يدفعه عراق صدام حسين.
لا أدري أي توصيف سياسي أو قانوني لما تم، وللأسف ربما كانت هذه القضية أمام المحاكم الإسرائيلية لما جرت بهذه الفجاجة والاستهبال والاستسهال، ومن المحزن بل ومن المقرف أن نسمع موسميا في المناسبات ان رؤساء السلطات في فلسطين يمنون بمكرمات على ذوي الشهداء والأسرى ببضعة دولارات على من وهبوا حياتهم وحريتهم للوطن، وأكاد أجزم أن مبلغ التعويض في هذه القضية يفوق ما دفع للأسرى والشهداء طوال سنين طويلة.
ونعود لأصل الموضوع، فالمبالغ التي فرط فيها هي أموال لا تخص السلطة ولا تخص منظمة التحرير، بل هي ملك خالص للمتقاعدين وأرامل وأطفال الموظفين، وبداية خميرة هذه المبالغ هي التي تم استردادها من الجانب الإسرائيلي، حيث ترصد لموظفي قطاع غزة من سنوات الاحتلال ما يعادل162 مليون دولار، وكان هذا المبلغ ناتجا عن تطبيق القانون المصري في القطاع ذي النزعة الاجتماعية لحماية الموظف عند تقاعده، ولم يكن هناك قانون مشابه في الضفة الغربية، لاختلاف الأحوال السياسية والقانونية. ولقد أصرت إسرائيل عند تحويل المبالغ على أن تودع في الولايات المتحدة لدى مؤسسة أمريكية تسمى MORGAN & STANLEY وكان هذا يشكل هاجسا حتى نجح الرئيس عرفات في تحويل المبلغ من أمريكا إلى أماكن بعيدة عن اليد الأمريكية، وكنت آنذاك رئيساً لمجلس الإدارة، ونشر الموضوع في كتاب شهير صدر أخيراً للكاتب BENOTT FAUCON عن أموال المنظمة والسلطة WEST BANKERS وبقي هذا الأمر حتى تولى سلام فياض أمر الصندوق، وبقدرة قادر ولأمر دبر بليل تم تحويل المبلغ 230 مليون دولار من الصندوق، بالإضافة إلى أكثر من مئة مليون دولار من حساب سلطة النقد، وهي مبالغ تقتطع من البنوك العاملة في فلسطين لتأمين عملائها وتودع في حساب لدى سلطة النقد، بمعنى أن كلا المبلغين لا تملكه السلطة ولا يدرج في ميزانيتها.
وكان قرار تحويل هذه المبالغ إلى أمريكا بمثابة إدخال الثعلب إلى قن الدجاج، حيث تم الحجز على هذه الأموال من قبل محكمة أمريكية في رود آيلاند ولاية نيويورك، بطلب من أسرة إسرائيلية تطلب تعويضاً مقداره 116 مليون دولار عن مقتل شخصين غرب مدينة القدس بواسطة خلية فلسطينية، قبل خمسة عشر عاماً كما يدعون. وبعد أن وقعت الفأس في الرأس تم توكيل مكتب محاماة شهير بأتعاب كبيرة (تقديري أكثر من عشرة ملايين دولار) لمتابعة القضية وكان من الممكن أن تكون النتيجة مغايرة لذلك. وهذا كان انطباعي بعد أن قابلت هيئة المحامين أكثر من مرة، حيث كنت مطلوباً كشاهد رئيسي لإثبات أن الأموال لا تخص السلطة أوالمنظمة، إلا أن طلب الفيزا لأمريكا رفض، بعد موافقة مبدئية ولا أعلم سبباً للرفض غير موضوع هذه القضية.
لقد حاولت بعدة اتصالات أن أعرف التفاصيل، إلا أن من تحدثت معهم قالوا هذا أمر سري يخص رئيس الوزراء، وهوالوحيد العالم بتفاصيله، ومما يغيظ لدرجة القهر هوالنفي التعيس والكاذب بأن لا علاقة للسلطة بالتسوية، وحيث أن حبل الكذب قصير وستظهر الحقيقة كما ظهرت في تقرير غولدستون، وحتى ذلك الأجل، يجب المطالبة فوراً بنشر ميزانية الصندوق للعام الماضي بالأرقام، علماً بأن هناك أكثر من مليارين ونصف المليار دولار، دينا على حكومة فياض للصندوق، كما يجب اللجوء للقضاء والمجلس التشريعي مع مقترح بوضع تلك الأموال تحت إدارة لجنة مستقلة بإشراف المجلس التشريعي وهيئة حقوق المواطن، وعلى جمعية البنوك العاملة أن توضح لعملائها كم كان نصيبها من التعويض، وأنا على ثقة بأن الأخ جهاد خليل الوزير محافظ سلطة النقد المشهود له بالاستقامة لن يتوانى عن توضيح الأمور.
وأخيراً مهما كان المبلغ الذي دفع إنما يعني أمراً واحداً، أن جريمة كبرى وطعنة في ظهر النضال الفلسطيني توجب الملاحقة والمحاسبة، ويبقى سؤال هل بعد هذا يحق لسلام فياض أن يشكل حكومة، والقاعدة القانونية والدستورية تقول بأن ارتكاب جريمة من هذا النوع تمنع من تولي الوظائف العامة، فما بالنا برئاسة الوزراء ذات الصلاحيات السيادية.
سؤال بريء موجه إلى فتح ومؤسساتها واسراها وذوي شهداؤها وتاريخها أليس كذلك؟
والله من وراء القصد
' وزير عدل سابق بالسلطة الفلسطينية
شارك بتعليقك