نقاش ثقافي ومرتاح يجري في الآونة الاخيرة في اسرائيل: تجويع سكان غزة ـ مع أو ضد. حظر ارسال الادوية الي المستشفيات ـ ايجابي أو سلبي. وقف الكهرباء والمياه عن ملايين بني البشر ـ اضواء وظلال.
في الجدال الثقافي هذا يشارك رجالات عامة ورجال أعمال، سياسيون وعلماء، محاورون وجنرالات. هناك من يعتقد علي هذا النحو، وآخرون يعتقدون خلاف ذلك، وكما هو دارج في اسرائيل فان هناك من يعتقد هذا وذاك ايضا.
الاسم الحقيقي للنقاش الثقافي هذا يجب أن يكون بالطبع جرائم الحرب ـ مع أو ضد . إذ هذا هو بالضبط ما يدور الحديث حوله. كل تفاصيل الأفعال المعروضة من المشاركين في النقاش هي جرائم حرب واضحة. ولكن احدا غير مستعد لان يسمي الولد بإسمه. ولماذا نحبط الفرحة؟ أوليس الطرف الاخر فقط هو القادر علي تنفيذ جرائم الحرب. اما نحن؟ فأبدا لا.
لو كان كل هؤلاء المتداولين المرتاحين يعلنون بفم كامل بأن نزعة الثأر البسيطة تنطلق من حناجرهم ـ لقبلنا. كان يمكن علي الاقل ان نحترم صدقهم. لو قالوا بصراحة (مثلما يقول ذلك مثلا سكان سديروت) إن الغضب والاحباط وانعدام الوسيلة هي التي تدفعهم الي مطالبة المدنيين في الطرف الاخر ان يعانوا معاناة شديدة باضعاف ما يعانيه سكان سديروت ومحيطها ـ لقبلنا. كان يمكن علي الاقل أن نفهم، وان كان بصعوبة ما، عصف المشاعر العنيفة هذه.
ولكن المستشارين والمتجادلين يخفون نواياهم. يبتلعون غضبهم المتميز. يتحدثون فقط بإسم المنطق البارد. التفكير الثابت والتحليل العقلي للظروف. وفقط بعد أن درسوا كل الامكانيات وبحثوا في كل واحدة منها عميقا، توصلوا الي الاستنتاج المثقف والمتفكر في أنه ينبغي الدخول في أعماقهم. تجويعهم. تجميدهم. خنقهم في المستشفيات. ليجلس اطفالهم في الظلام الي أن يصابوا بالجنون. فليأكلوا بعر الغنم. الي ان يتعلموا، الي ان يجبروا حكومتهم النتنة علي أن توقف الصواريخ وان تجلس بصمت.
وكل ذلك بثبات عقل، بتعقل. وتمعن. ولكن انطلاقا من تفكير اكاديمي وتحليل ثقافي.
هذا بالمناسبة بالضبط المسار الذي اجتازه النقاش الجماهيري في مسألة الاعدام بدون محاكمة (ذاك الذي يسمي بلغة الغسيل احباطات والذي ليس في احيان قريبة سوي عمليات عقاب أو ثأر). ما كان في الماضي البعيد موضوعا سريا، غريبا، اجراميا، منفيا ونادرا، يهمس فيه فقط في أقبية المجد المظلمة، اصبح في غضون بضع سنوات موضوعا جديرا باحاديث صالون مريحة، مادة في برامج الاستضافة التلفزيونية وعنصرا عاديا في المداولات المسلية للسياسيين والصحافيين. سؤال من نقتل هذا الاسبوع هو سؤال تافه وعادي في مطارحنا.
والان يحظي أيضا مجرمو الحرب بعملية تطهير وتسويغ سريعة. وكذا سؤال أي جريمة حرب سننفذ هذا الاسبوع لم يعد اختراعا شريرا لساخر عديم الجماح، بل مجرد موضوع شرعي لنقاش، لمقال، لتساؤل ثقافي ومجادلة مثقفة لطيفة.
خطوة صغيرة للانسان، خطوة كبيرة الي الحيونة.
وانطلاقا من الاعتراف بحقيقة أن معاذير اخلاقية ضاعت منذ زمن بعيد وكذا معاذير الضرر المستقبلي او قوانين الحرب لن تقنع احدا، فانه لم يتبقَ سوي القول ان المنطق القابع في اساس معاذير كل مؤيدي جرائم الحرب ـ من المتطرفين بينهم حتي المعتدلين متشابهة مائة في المائة مع المنطق القابع في أساس كل ارهاب، وبالطبع أيضا في أساس منطق مطلقي الصواريخ علي سديروت: نضرب السكان المدنيين حتي يفرضون علي حكومتهم تغيير السياسة.
إن الاحتمال في أن يؤدي التنكيل بسكان غزة الي تغيير في سياسة حكومة حماس الشريرة والرافضة، يشبه بالضبط احتمال أن يؤدي التنكيل بسكان سديروت الي تغيير سياسة حكومة اسرائيل الشريرة والرافضة.
مدروس ومجرب.
ہ كاتب يساري
يديعوت 23 1 2008
شارك بتعليقك