الى المثقف العرص .... رائعة ... وما اكثرهم ..... يوضح جابر الافلاس الفكري بطريقة رائعة .....
وكما هو متوقع ومعتاد من مثقفينا العرصات، ولإنهم أقسموا قديما أمام اللوح المحفوظ ألّا يكونوا إلّا معادين لمجتمعاتهم، ولثقافته، ودينه، وانحيازاته، لهذا القسم القديم قدم العالم، استغل مثقفونا الأشاوس الموقف الشعبي "العربي" من أردوغان، وعادوا إلى خطابهم الممل لفرط تكراره، مرددين الكليشيهات إيّاها: "عاد العرب إلى عبادة أصنامهم من جديد"، "شو رأيكم نحوّل القبلة باتجاه اسطنبول؟"، واستعملوا كل ما في جعبة أشاوس الاستشراق من هراء من أجل إدانة هذا المجتمع ووصفه بالجهل والعبودية والتخلف وعشق بسطار الحاكم. واستعادوا ذات الاسطوانة المشروخة التي تتحدث عن عبادة الشعوب العربية لصدام حسين ولجمال عبد الناصر وغيرهما من القادة والزعماء.
أمّا مشاكل هذا الخطاب بنظري، فهي كثيرة جدًا، من بينها كونه خطابًا تعميميًا، معاديًا للمجتمع والامة ولأحلامهما، وكذلك لأننا شاهدنا هذا الخطاب صادرًا عن مثقفي الغزو الأمريكي للعراق، والاسوأ ربما، أنه خطابٌ مستسهلٌَ.
إذ عوضًا عن بحث هذا المثقف عن الأسباب التي تدفع المواطن العربي العادي، مواطن الشارع للهيام بهذا النوع من النماذج، وعوضًا عن سؤاله لذاته ولثقافته عن الفوارق بين هذا النوع من الحكام وبين حكام آخرين لا يحظون بربع الشعبية التي يمتلكها أردوغان، يجترّ مثقفنا العرص (مجددًا) ذات المصطلحات التي يمكن لك ان تقرأها في صحيفة صادرة عن حزب نازي أوروبي.
لست أعلم بالضبط ما الذي يجعل من أردوغان إلها بالنسبة للمواطن العربي، ربما هي الدعاية للنموذج التركي التي تقوم بها، عن إيمان، الجماعات الإسلامية المختلفة. أو ربما لأنني كمواطن أشعر بأن في تركيا كل ما أرغب في رؤيته في بلدي؛ تقدمًا علميا وتقنيًا وعسكريًا، واقتصادًا قويًا، وحاكمًا يوحي بأنه يعرف ما الذي يفعله، حاكمًا يخاطب الناس، حتى أولئك الذين لا يفهمون التركية، بالكلمات التي يحبون سماعها، ويرون في تركيا بلدًا لا يعرفون لم انفصلنا عنه ذات يوم أغبر.
هل يعرف المثقف العرص أن هذه أسباب حب المواطن العربي لأردوغان؟ على الأغلب أنه يفعل، لكن هذه الأسباب لا تخدمه، ولا ترضي الإعلام الذي يعمل فيه، ولا الأيدولوجيا التي ينتمي إليها، وبالتأكيد لا ترضي المانحين. ولذا، وحفاظًا على فرصه في تلقي الدعوات للسفر والتنقل في بلدان العالم، ولضمان راتب من أربع خانات في نهاية الشهر، يستقوي مثقفنا على مجتمعه، ويكون عونًا لأولاد الوسخة علينا، مساعدًا لهم على تفكيك بنانا، ودافعًا بنا نحو درك آسفل في الجحيم الذي نعيشه.
وفي الوقت ذاته، يواصل هذا المثقف الأشم (أو المشمّ) هدنته طويلة الأمد مع السلطة الحاكمة في بلده، ربما ينقدها لبناء مسجد، أو لمنع بيع الكحول في رمضان، وبذا يكون متصورًا أنه المثقف الذي يقوم بمهمته التاريخية، والتي هي إزعاج السلطة، لكنه في قرارة نفسه، يعلم أكثر منّا جميعًا، أنه، وبهذا النقد إنما يهادن السلطة، ويلعب في المساحات التي اتفق معها على أن يلعب بها، أو ربما حتى، وحفاظًا منه على الود مع السلطة، فإنه لا يجرؤ حتى على اللعب في تلك المساحات، وجل ما يطلبه من السلطة هو أن تحافظ له على قوقعته، من دون ملتحين تدينًا أو محجّبات، ومن دون فقراء يسميهم غوغاء أو حفرتلية يغزون مساحاته ومقاهيه وباراته.
https://www.facebook.com/abusous2000/posts/10153686080757143
شارك بتعليقك