يا خيل برير .........
تميزت قرية برير بثروتها الحيوانية الكبيرة والمتعددة، فمن الاغنام الى الابقار والحمير والدواجن...الخ. وكانت الخيول احد الركائز الهامة لهذه الثروة. وقد تميزت هذه الخيول بانها لم تكن متاحة لجميع اهل القرية، بل كان يملكها من يستطيع ان يوفر لها غذائها ومكانها المناسب ، ولذلك فقد اقتصرت على العائلات الميسورة، وبعص هذه العائلات كان يملك فرسا واحدا وبعضها يزيد عن اربعة او خمس رؤوس منها، ويزداد عدد الخيول في القرية تبعا للمواسم، فاذا كان الموسم ميسوراً ازداد العدد واذا كان الموسم قحطا قل عددها، الا ان العدد ربما بلغ ما يقارب خمسين رأسا.
كانت الخيول تمثل رمزا للوجاهة والعز والغنى، وهي من سلالات معروفة لدى اهل القرية، مثل الكبيشة، المخلدية، العبية ، الجلفة ، الكحيلة ، ويطلق اهل القرية على هذه السلالات اسم "البيوت او الارسان"، فيقال هذه الفرس من بيت او رسن المخلدية مثلا. ومن هذه الاسماء تنتشر في الاردن والعراق والخليج، وهي سلالات عربية اصيلة.
كانت الخيل ايضا تسمى بالوانها، فيقال الفرس الزرقاء والفرس الحمراء والفرس الخضراء، والفرس المحجلة، مع ان الاسم لا ينطبق دائما على اللون، وفي كثير من الاغاني العربية نجد هذه الاسماء مثل ياراكب العبية....او ياخيال الزرقا...خيول حمر مضمرات...
كان اهل برير شديدي الاعتزاز بخيولهم ومتعصبين لها ذلك ان القرى المحيطة بها، لم يكن بها خيول كخيول اهل برير من حيث العدد والنوع. وذلك فان خيل برير كانت تتردد في الاغاني في قرى الجنوب الفلسطيني وفي اغوار الاردن, ولعل اشهر هذه الاهازيج اهزوجة
يا خيل برير هدين سكارى ما يردين
وين راح الزين حردان بالله يا اخوان ردوه
يا خيل برير هدين سكارى ما يردين
كانت الخيل في برير والجنوب الفلسطيني، لا تعمل في الحقل او الحراثة او الدراسة وغيرها من الاعمال التي تقوم بها باقي الدواب بل تقتصر للتنقل بين القرى او المشاركة في الافراح او اغاثة المستغيث او غيرها من الاعمال العامة للقرية على الرغم من انها ملكية خاصة، وقد يتجمع في زفة عريس اكثر من 20 فرسا للاحتفال بالعريس، ومن حارات مختلفة .
وكان لاهل برير اقوال مأثورة في خيولهم "في ظهورها عز وفي بطونها كنز" وثلاثة لا تعار "المرأة والفرس والسلاح".
كانت تلك الخيول معروفة الاصول (فهي من خيل فلان ابنة فلانة وابوها فلان من خيل فلان...وهكذا). وكانت لا تباع بيعا ناجزا "قلاط" بل يكون لصاحبها الاصلي شراكة فيها بعد بيعها، فله اول مهرتين من نتاجها "فايضة".اذا كان اول انتاجها اناثا اما اذا كان ذكرا فلصاحبها الجديد، وفي بعض السلالات يشترط ان يكون لصاحبها الاصلي ثلاث فوايض واذكر في الستينات من القرن الماضي، ان زارنا في الكويت شخص صديق من الاردن، وعندما عرفني سألني ماذا عن فوايضكم في الاردن الموجودة عند فلان او عشيرة فلان. ومن الشروط التي يضعها البائع ايضا ان لا تنزل الفرس في العمل وان لا تتعدى المياه شرقا او غربا اي لا تتعدى نهر الاردن شرقا او قناة السويس غربا.
ويعرف اهل برير حكايات كثيرة عن خيولهم ومشاكلها، فقد كانت الخيول تشارك في زفة العريس، بل ان العريس يمتطي احد الخيول الاصيلة المزينة، ويشارك العديد من الفرسان او راكبي الخيل في الزفة.في سباقات تسمى "خيالة العرب" اي لا غالب او مغلوب فيها وفي بعضها يلعبون سباق "برجاس" حيث يصطف المتسابقون في صفين متقابلين بعيدين ويغير احد الفرسان ناحية الصف الاخر وقبل ان يصل يولي عائدا متبوعا بفارس من الصف الاخر والذي يعاود الكرة فارس اخر من الصف الاول "وذلك حتى لا تحدث مشاكل اثناء الزفة بين المتسابقين". ولعل من الفرسان الذين اشتهروا بركوب الخيل كان المرحوم الحاج محمود مصطفى علي حسين، اذ كان يقوم ببعض الالعاب البهلوانية على فرسه، كان ينزل اسفل بطنها ويحل حزام سرجه ويرميه من تحته الى اخر ذلك.
وقد سبب تعصب اهالي برير الى خيولهم بعض المشاكل مع من كان يشاركهم في السباقات من خارج اهالي القرية.
ففي احدى المناسبات حيث ذهب اهالي برير لاحضار عروس لهم من هوج "ام زهدي" وكان لال ابو العيش من هوج فرس اصيل وكان في ضيافتهم الشيخ سلمان الهزيل، وتقول الرواية ان الشيخ سلمان قال لال ابو العيش، اعطوني فرسكم وانا اجيب لكم طواقي اهل برير، اذ كان من عادة الفارس اذا لحق بالفارس الذي امامه وهزمه ان ياخذ طاقيته او عقاله، فلما سمع اهل برير بذلك، ذهبوا الى المرحوم محمود مصطفى وقالوا له اذا لم تهزم الشيخ سلمان ستضرب، وويل لك.
وبدأ السباق وكانت لمحمود مصطفى فرس اصيل، استطاع ان يسبق الشيخ سلمان واصر اهالي برير ان يمر الشيخ من تحت البنديرة، تحت صيحاتهم واستهزائهم مما اثار حفيظة اهالي هوج، ولكن سعة صدر ورحابة الشيخ سلمان الذي انهى المشكلة بحلمه حيث قال لمضيفيه (هؤلاء اهل برير خوالي وانا ادرى بيهم) كذلك حدثت مثل هذه المشاكل مع بعض الشيوخ من القبائل المجاورة .
وفي عام 1948م عندما احتل اليهود برير استولوا على خيولها وكانت احد هذه الخيول من نصيب احد الجنود الذي كان يركبها قبالة بيت حانون، ومع سماعه لصوت طائرة مصرية نزل عنها فهربت الى بيت حانون ودخلت الى البيت الذي كان يربطها فيه الوالد اثناء نزوله من برير الى غزة وقد اعادها اهل ذلك البيت لنا اثناء وجودنا في نعليا .
شارك بتعليقك
وشكرا لكم
حياك الله ياعم ابو اسامة والله انك ابدعت مشاء الله عليك وصح لسان من قال الجميز مابجيب زيتون الله يرحمك ياسيدي حسين احمد وكل موتي المسلمين
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت رب المنزل.
مع تحيات
زياد ابو الفحم ( العبيات))