احد الشهود على ما حدث وقتها وهو السيد إبراهيمي بغدادي محافظ القاهرة الأسبق، وأحد من تم حصارهم في الفالوجة أثناء حرب فلسطين:
(( أذكر أنني في عام 1948 كنت في الكتيبة الأولي- وهي أول كتيبة دخلت فلسطين في 15 مايو 1948، لم يكن لدينا وسيلة مواصلات للانتقال بها من العريش إلي حدودنا في رفح! فتم تأجير أتوبيسات من متعهد نقل فلسطيني يدعي بميا، فلنا أن نتخيل كيف أنقل جنودًا إلي أرض معركة في أتوبيسات؟ وكأننا نأخذ الجنود في نزهة وليست حرب
العامل النفسي لدي الجندي المقاتل شيء مهم جدًا، هذا بالإضافة إلي أننا لم نكن نملك أي معلومات حول الحرب ولا الأرض التي ستدور عليها المعركة ولا حتي معنا خطة للحرب..!! الأتوبيسات نقلتنا إلي الحدود، ووجدنا بعد رفح مباشرة مستعمرة اسمها علي ما أذكر كفر دهوم، كانت هذه المستعمرة تطلق نيرانها علي أي قوات تعبر واشتبكت بالفعل معنا واستشهد أول ضابط مصري في 15 مايو 1948 وهو المرحوم «اليوزباشي عزالدين الموجي»، وظللنا نسير إلي غزة دون أن نعرف أي شيء عن الخطط الاستراتيجية لدخول أرض المعركة ولا حجم القوات المعادية، ونكن قد حاربنا من قبل ولا حتي في مناورة عسكرية.. الحقيقة المريرة هي أننا دخلنا حربًا لم نكن مستعدين لها لا نفسيا ولا عسكريًا ولا حتي سياسيًا!!
الذي يدير عملية عسكرية لابد أن يكون قائدًا قويًا سريع البديهة يعلم كل شيء عن جيشه ومعركته القادمة وخصمه، كل ذلك لم يكن متوفرًا لدينا وبالتالي خسرنا.. وحتي الآن لا أعلم لماذا قبلنا الهدنة الأولي؟ وللعلم فإنه أثناء الهدنة الأولي تدفقت علي إسرائيل كميات مهولة من الأموال والأسلحة جعلتها أكثر قوة وأكثر شراسة بعد انتهاء الهدنة. الجندي المصري لم يكن يعرف أي شيء عن فلسطين، ومسلح بأسلحة متخلفة من بقايا الحرب العالمية الأولي، ولم نكن نملك أي علاقات مع الكتلة الشرقية حتي نشتري منهم الأسلحة وأمريكا لا يمكن أن تمنحنا أسلحة لتحارب بها حلفاءها في إسرائيل. ولكننا رغم الحصار والحرب كنت أنا ومعي مجموعة من الضباط والجند نقوم بطبع مجلة سميناها «الفالوجة» كان يقرأها الضباط والجنود وبعض أهالي القري الموجودة حول معسكراتنا. اعترضت علي رفض العرب قرار التقسيم فهل أخطأوا بقبول الهدنة الأولي؟-
أولاً لم يكن هناك من يحارب سوي الجيش المصري فقط! لأن العراق والأردن كانتا قد أخذتا قطاع «الضفة الغربية»، وكان معروف أن القائد العراقي إذا أمر جنوده بالتقدم لاحتلال بلد معينة كان يرد الجندي قائلاً «ماكو أوامر» أي لا توجد أوامر، فالموقف كان عبارة عن مسرحية هزلية، ولا ننسي أبدًا أن الإنجليز عانوا كثيرًا من اليهود، فوقت أن كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني كان اليهود يقومون بجلد وقتل الجنود الإنجليز ولذلك فقد انتهزت بريطانيا الفرصة لتخليص ثأرها بزج العرب في حرب مع اليهود ))
في فجر يوم الخامس عشر من مايو1948 وهو اليوم الذي أنهت فيه بريطانيا احتلالها لأرض فلسطين اندفعت الجيوش العربية تتسابق في الدخول إلى فلسطين.
وكانت الخطة أن يطوقوا تل أبيب بعد أيام قليلة ناسين أو متناسين ما تتطلبه تحركات الجيوش من تخطيط وإعداد وحماية وتأمين لطرق المواصلات.
اندفعت القوات المصرية شمالاً على الطريق الساحلي لفلسطين إلى إشدود مقتربة من تل أبيب ثم اتجهت شرقاً واحتلت خط المجدل– الفالوجا-عراق المنشية –بيت جرين-الخليل لتفصل الشمال حيث يتمركز اليهود عن جنوبالنقب حيث توجد المستعمرات اليهودية تحاصرها القوات المصرية.
وبعد الهدنة استغل اليهود نقطة ضعف خطوط المواصلات الجيش المصري وهي التي ظلت دون حماية ولا حراسة فقاموا بتقطيعها فارتبكت القوات الأمامية وانزعجت واضطرت القيادات إلى تقصير خطوطها وأمرت بانسحاب قواتها لتقصير خطوطها وأمرت بانسحاب قواتها بل وانسحبت بعض القوات دون أوامر ودون خطة مرسومة مما أضعف الروح المعنوية للجيش.
وكانت القوات التي ثبتت في مواقعها دون أن تنسحب هي قوات موقع الفالوجا – التي تقع في الخط الفاصل بين شمال وجنوب إسرائيل مما يدل على أهميتها الاستراتيجية البالغة – بقيادة اللواء سيد طه وكانت تقدر بلواء من المشاة بأسلحتها المساعدة أي بحوالي أربعة آلاف جندي أو بما يعادل ثلث الجيش المصري كله الموجود في أرض فلسطين في ذلك الحين.
تقع قريةالفالوجا إلى الشمال الشرقي من مدينةغزة على بعد 30 كم منها، وهي رقعة كثيرة التلال في السهل الساحلي لفلسطين وعلى مقربة منه يقعوادي الفالوجا، وتعد القرية مركز شبكة طرق اقيمت في موقع كان يعرف بزريق الخندق، وقد بدل اسمها إلى الفالوجة تكريماشهاب الدين الفالوجي الصوفي العراقي الذي جاء إلى فلسطين من العراق في القرن الرابع عشر. وقد زار الرحالة الصوفي "مصطفى البكري الصديقي" مقام الشيخ الفالوجي بعد مروره ببيت جبرين في اواسط القرن الثامن عشر كان في القرية عشيةالنكبة مسجد يضم ثلاث أروقة تعلوها قبب كان في احدها مقام الشيخ الفالوجي ومدرسة للبنين فتحت أبوابها سنة 1919، وأخرى للبنات فتحت أبوابها سنة 1940 ومجلس بلدي وسوق تجارة أسبوعي وعدة آبار للمياه وقد وقعت فيهامعركة الفالوجة عام 1948، والتي شارك فيها الجيش المصري ضد الغزاة الإسرائيليين.
رفض قائد القوات المصرية في الفالوجا اللواء سيد طه، الذى اشتهر باسم "الضبع الأسود" أي فكرة للتسليم. والحقيقة أن صمود القوات المصرية في هذه المنطقة يرجع إلى هذا القائد البطل الذي كان لروحه العالية وموقفه المشرف صدى كبير في رفع معنويات جنوده وصمودهم لمصاعب الحصار وتحملهم لمتاعبه. فقد استمر الحصار لمدة طويلة واضطرت القوات المحاصرة إلى أن تنقص تعيناتها إلى ربع الكمية المقررة بل واستعاضوا عنها "بالدشيشة والبلبلة" يصنعونها من القمح الذي يجدونه في البلدة المحاصرة
وعندما طال الحصار وساءت الأحوال الصحية للجنود وكثر الجرحى لجأت الحكومة المصرية إلى القيادة العامة للجيوش العربية وكان يتولاها الملكعبد اللهملك الأردن تعاونه هيئة مستشارين من جميع الدول العربي فتدخل الفريقجلوب باشاالضابط الإنجليزي وقائد الفيلق العربي الأردني ووضع خطة تنحصر في أن يقوم الجيش الأردني بإشغال قوات اليهود بمناوشتها عند بيت جبرين وفي هذه الأثناء يقوم قائد الفالوجا بتدمير أسلحته الثقيلة ثم ينسحب هو وجنوده الأربعة آلاف متسللاً على الأقدام من طرق سرية وأن يتم هذا كله تحت إشراف ضباط إنجليز بقيادة ميجور "لوكت" وهو من قادة الجيش الأردني.
ووصل الضباط الإنجليز إلى الفالوجا وعرضوا خطتهم على قائدها سيد طه الذي اكتشف على الفور إنها ليست إلا كميناً نصبه جلوب للقوات المصرية المحاصرة حتى يأسرهم اليهود كلقمة سائغة بعد أن عجزوا عن هزيمتهم. فقام بطرد الضباط الإنجليز من معسكره شر طردة وصمم على موقفه السابق وهو الصمود لآخر طلقة وآخر رجل ولكن الموقف كان شديد الخطورة فقد أوشكت جميع التعينات ( الطعام والشراب ) على النفاذ.
طلب سيد طه قائد الفالوجا الإمدادات بعد أن أصبح الموقف حرجاً لنفادها وحاول الجيش المصري إمداد القوات المحاصرة عن طريق الطيران إلا أنه فشل في ذلك بسبب ضيق حلقات الحصار ثم حاول مرة أخرى إمداده عن طريق غزة فلم يتمكن من ذلك بسبب سيطرة اليهود على الطريق وتحكم قواتهم في منافذه.
فاتصلت قيادة الجيش المصري المحاصر في الفالوجا بالمؤن اللازمة ورأت قيادة القوات الخفيفة أن خير من يقوم بهذا العمل هم قوات المتطوعوين.
ونجح المتطوعون في إدخال مئة صندوق من المؤن إلى القوات المحاصرة على 53 جمل ودعاهم قائد القوات المصرية إلى وليمه ذبح خلالها خمسون جمل من جمالهم وترك لهم 3 فقط وأحس اليهود من الوليمة أن هناك شيئاً يحدث داخل معسكر القوات المحاصرة فشن هجوماً هو الأعنف منذ بدء الحصار ولكن شجاعة الجنود وقائدهم الضبع الأسود ردت اليهود على أعقابهم.
بعد عوده الجيش المصرى من حرب 1948 احتفل الشعب جميعا بعودة قواته وتبارت جميع هيئات وطوائف الشعب فى الاحتفال بهم بل إن الملك الفاروق نفسه أقام لهم حفلا كبيراً وسلم عليهم فرداً فرداً وتوجد صورة للملك فاروق يصافح أبناء جيشه ومنهم عبد الناصر وحرصت أم كلثوم على أن تقيم لهم وليمه ببيتها وأن تحيى حفل لهم بنادى الضباط، وأقامت أم كلثوم حفلا خاصا لمن حوصروا فى الفالوجه فى حديقة فيلتها.
شارك بتعليقك