أرطاس.. ( ألجنة ألمقفلة)... نشيدالاناشيد
كلما يأتي شهر ربيع..... كلما أحس برقة فصل الربيع، اسمع نداء الشرق ألف مرة في اليوم تسحبني الاحساسات الحلوة من حياتي الدنيوية...... ترجعني إلى أيام طفولتي ومشاهداتها..... تخطر ببالي بوضوح من بين الذكريات العديدة، وتشق طريقها بين مختلف المشاعر.......
أن منظر آو رائحة الزهرة على أحدى المنحدرات فوق بيتي، وشكل التلة، والطبيعة الجيولوجية للتربة، والامتداد الأزرق للبحر المتوسط إثناء استراحتي في رحلاتي إلى جبال الألب البحرية، وطعم الفاكهة وأحيانا نسما ت الهواء، وهي جميعا إغراءات تفيض بالذكريات، وتثير حبي للشرق، كيف تعود أفكاري إلى الوراء؟ وكيف أميل للبكاء؟
وفي لحظة ، وعندما يبدو إن العلاقة مع الأرض قد انقطعت اشعر وكأنني مرة أخرى على جبل هرمون أتتبع منابع الأردن ، وأقدم البيعة والاحترام لقمة الثلج العظيمة لجبل الشيخ، وكأنني أتجول على شواطئ البحر الميت ، كان البدو يغزونه، أو اسبح مع أخي نحو الجزيرة التي اختفت تحت الماء، الجبال والأودية، والأنهار والبحار ،الأطلال والأضرحة ، كل ألاماكن المألوفة على الأرض التي ولدت فيها ، تمر في خاطري كصورة متحركة ، خلال أحلام الربيع ، طيف واحد يسيطر علي عندما يبدأ فصل الربيع ، انه ذكرى ارطاس ...ذكرى قرية صغيرة تقع على بعد مسافة قليلة من بيت لحم، تبدو وكأنها جافة قاحلة، لكنه في الحقيقة مكان أرضه الكلسية تجعله ملائما جدا لإنتاج الفواكه اللذيذة، وفي واديها الصغير المحاط يمينا ويسارا بمنحدرات وعرة، ويسقى بجدول دائم الجريان، هناك المشمش اللذيذ والخوخ والأجاص والتين وغيرها تنمو، حيث عشت وأنا صغير مع أخوتي في بيت منبسط السطح و كالقلعة على هضبة فوق مزارعنا في ارطاس.....
أشجار الفاكهة في أرطاس تملا العين بهجة ، بأزهارها التي لاحصر لها ، وتثقل ثمارها الأغصان بما يتناسب وموائد الملوك والأمراء ، سماؤها الزرقاء ، أراها وأنا استلقي حالما ، تحت الأغصان ، غناء الطيور وخرير الجداول والعطر الفاغم الذي يفوح من النباتات التي يجد فيها نحلنا مرتعا لجني محصوله ،إن زعتر ارطاس يمكنك إن تقارنه بذلك الذي يجنى منه نحل اليونان في جبل "هيمتيوس"... وعندما اقرأ نشيد الإنشاد أجد صوره لحدائق "ارطاس"... انهضي جميلتي، فالشتاء قد ولى والأزهار تظهر على وجه الأرض جاء وقت نشيد الطيور، وشجر التين يبرز أوراقه، وثمار العنب تعطي روائحها....
يبدو لي إن نشيد الإنشاد كان إلهاما من هذا المحيط الجميل "ارطاس" وان داود النبي كتب إصحاحه الثالث والعشرين، بوحي من جنه ارطاس وان عين رمون(عين ارطاس) تحمل اسمها من الزمان الكنعاني، وان هيرود الادومي وجد متعة في موقع ارطاس وأنشأ له فيها حدائق وقصور.....
PhilipJ.Baldenspereger, The Immovable East, London1913-P101-102-103
شارك بتعليقك