فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

بلعا: حديقة أبي

مشاركة Rana Abdulla في تاريخ 30 تشرين أول، 2008

صورة لقرية بلعا - فلسطين: : بلعا منظر عام أنقر الصورة للمزيد من المعلومات عن البلدة
Translated Article for Rana Abdulla - Canada

غالية الديار على أهلها. منذ ستين عاماً هجر شعبنا عن مدنهم و قراهم من كل أرجاء فلسطين. و نفي أكثر من مليون فلسطيني إلى البلدان المجاورة إلى غير رجعة و بغير أمل في رؤية منازلهم و حدائقهم من جديد.. و ها هي ذي حديقة أبي تروي ويلات النكبة.


تزاحمت الصور في ذاكرتي كسيل لا ينتهي من انطباعات رافقتني منذ عهد الطفولة. عبير أزهار البرتقال الفواحة في حدائق الخلايل ( أرض جدي في بلعا) , و السحالي التي تزحف على الجدران الكلسية المنخفضة. الرمل الحامي الذي يتداخل بين أصابع أقدام الصبية الحفاة. أولئك الذين لا تمضي عليهم الأيام دون سماع الانفجارات. أين يكمن وجود الإنسان تحت ظلام الحرب؟


كان يقص علي حكاية سرحته إلى حقول الزيتون.. لم تكن تلك مجرد سرحه يمضي بها عبثاً, بل كانت رحلة يتجاوز فيها بالنفس حدود الزمان و المكان , ليذوب بروح الطبيعة التي تسمو بنفسه في عالم لا تحده حدود و لا يحتله غاصب. تلك هي الروح الفلسطينية التي تعانق السماء. و يعرج أبي على أرض دار محمود نزولاً من تلال بلعا و هو يسرد تاريخ فلسطين منتهياً بالحاضر المؤلم الذي آلت إليه حال الوطن.


في عام 1973, سافرنا لأول مره إلى بلعا ، ومضينا في أول سرحه لنا معه ، مشينا و مشينا.. و تعثرنا بأرض عائلتنا. وصلنا إلى "العقد " ، بيت العائلة الأول في الحاره الشماليه الذي هجروه بعد ولادة أختي سهير عام 1963 و الذي يربطني بجذور أجدادي الذين رحلوا تاركين لنا تلك التحفة المعمارية الرائعة.


إن الإرث الذي ورثناه عن أجدادنا في بيوتنا في فلسطين و الذي يشهد على أعمالهم , هو الذاكرة الوحيدة التي بقيت لنا لتفتح لنا الأبواب على تاريخهم و أمجادهم التي تحكي عنها حرفهم وتقاليدهم التي لم تكن مجرد وهم سياسي اخترعه رجال السياسة أو آيديولوجية يسوسون بها الشعوب, بل كانت حقيقة حية لا زالت قائمة إلى الآن. يعود هذا الميراث إلى الحقبة الكنعانية و جاء ذكره في ألواح الكتابة المصرية القديمة. لم يفتر حنين أمي إلى ديارها في أم خالد حيث نتانياNetania لم تكن موجودة حينها. لم تكن المسافات و طول الزمان قادراً على محو الكرامة التي حملتها أمي معها من بلدتها.


كان والداي دائما الحنين إلى الماضي. إلى نقطة اللا عودة التي فرضت على الكثير من أهالي فلسطين. لم تكن البداية في الكويت بتلك السهولة, إلا أنهما تمكنا من تجاوز عتبة البداية. لقد وجدا طريق العودة إلى هناك ببقائهما مع بعضهما البعض. و بعد مضي الأوقات العصيبة, كانت العائلات الفلسطينية التي التم شملها من جديد تخبر أولادها عن فلسطين, عن أرض الوطن التي ولدتهم و ولدت آباءهم و التي يعز عليهم نسيانها.


بينما عاشت معظم العائلات الفلسطينية في الكويت في مساكن فقيرة, حظيت عائلتنا بمسكن جيد من الشركة البتروليةKOC التي كان يعمل بها والدي في الأحمدي. لقد كان منزلنا بمثابة مرجع عن ثقافة الوطن, لقد كان منزلنا في جاده 8 كجنة على الأرض.


كانت العصافير تبني أعشاشها في شباك الحديقة الخارجي، كانت تزقزق طيلة الوقت ، لقد فتنتني تلك المخلوقات الجميلة البريئة. عندما كنت أجلس لتناول الغداء على الطاولة قبالة النافذة, كانت عيناي تلاحقها و هي تحط و تطير و تنقر الحب و تغرد هناك في عشها. كانت تلك العصافير تصفق بأجنحتها طيلة النهار تقريباً ، لقد كانت تلهم مشاعري و قلمي لأكتب قصيدة أو حتى اثنتين في اليوم.


كان أبي يعتني بالياسمينة المتسلقة التي تبعث أريجها الفواح ، بأزهارها البيضاء و أوراقها النضيرة التي نمت في التربة الرملية. كان يطلي سوقها باللونين الأبيض والأخضر. لم تكن تلك الألوان لتروق له فاختار أن يطليها باللونين الأبيض و الفيروزي. لقد كان يسمدها بالمواد المغذية في كل ربيع و يسقيها بكميات مياه كبيرة في بدايات الصيف


كانت لديه شجرة ياسمين عربية من نوع آخر ، "الفل " كانت تلك الشجرة تنمو عمودياً, بأوراقها ذات اللون الأخضر الداكن و أزهارها البيضاء الصغيرة. كانت أوراقها الدائمة الخضرة تصطف ثلاثاً على نسق واحد و أزواج أخرى منها تعاكسها بالاتجاه ، و يبلغ قطر أزهار الفل الشمعية الملمس من 1 إلى 2.5 سم و كانت تنبت كمجموعات مكتظة ملاصقة لبعضها البعض قد تحتوي المجموعة الواحدة على ثلاثة أزهار و قد يصل العدد إلى اثني عشرة زهرة. و تغدو رائحتها زكية جداً كما يبهت لونها و يصبح مائلاً إلى اللون الزهري كلما طال عمرها. تنبت شجرة الفل زهرها في شهر مايو و تستمر في ذلك طالما أن الطقس دافئ و الشمس مستمرة في سطوعها, و هكذا تستمر في الإزهار خلال الصيف بأكمله. كان أريجها العطر يستقبل الزوار الذين يقصدون منزلنا أرقّ استقبال.


لقد حاولت زراعة الفل في حديقتي في أوتاوا "كندا" لكنها للأسف لم تصمد في هذا المناخ.


كانت أمي ترمق والدي بعينين دامعتين و هي تستذكر كيف قام والدها بحفر التربة و دس أغراضه الغالية على قلبه تحت شجرة الياسمين في حديقته في أم خالد. في تلك الحديقة كانت تنمو أشجار تين كبيرة , واحدة منها كانت تعطي تين احماضي ، لم يكن هذا النوع من التين مألوفاً من حيث شكله الذي بدا كالتفاح. عندما يقشر هذا التين من الجوانب يظهر لون أحمر على اللب و تبدو القشور كأجنحة طير. إن مذاق هذا التين لذيذ جداً كما كان حجمه أكبر من الأنواع الأخرى من التين بشكل ملحوظ.


كان أبي مصراً على التخلص من الأعشاب الضارة التي تحتل حديقته في الأحمدي ، وكنت حوله أعبت وقمت باقتلاع عشبه بين الخضروات في الحديقة و رميتها على التربة ناشرة بويغاتها في أرجاء الحديقة. " لا تفعلي هذا." صاح أبي . " هذا سيزيد الطين بلاً. ستنمو البويغات من تلقاء نفسها من جديد في التربة و ستنبت أضعاف ما كانت عليه في السابق و ستعرض جميع المزروعات الأخرى في الحديقة للخطر ".


كان والدي يحب أن يختبر نوعية التربة الجديدة , فيغرس يده فيها ليتحسس دفئها و يقلبها برفق. كان يصرخ علينا عندما نسبب الفوضى في حديقته. كانت حديقة والدي تنبت الزرع باستمرار ، محققة بذلك ما كان والدي يرغب به.


كان حجم كفه يساوي ضعفي حجم كفي ، قاسية و خشنة. لا زلت قادرة حتى الآن على استشعار قوته و هو يغرس بعمق يده في الأرض كسكين بسرعة ليقتلع الأعشاب. لم يكن لتلك الأعشاب الضارة حظ للنمو في حديقته. كان يدور يده بحذر حول جذور الأعشاب الضارة كي لا تنقطع ثم يقوم باقتلاعها كلياً.


كانت الياسمينة سيدة الحديقة دون غريم. العديد من الأولاد اعتادوا اللعب في تلك الرقعة, يركضون و يمرحون. و عندما ينال التعب من أجسادهم الصغيرة, كانت الأشجار تدعوهم للاستراحة تحت ظلالها الوارفة و تغمرهم بعبيرها الزكي.


ولدت ابنتي دانه عام 1986- لقد كانت طفلة متسلطة, تبكي طيلة الليل, و لم يكن شيء يرضيها, لقد حرمت عيناني النوم. فقدت ابتسامتي حينها. كنا نتبادل الأدوار في حملها. لقد حاولنا إبداع أساليب مسلية لإرضائها, فكنا نعقد حلقة دبكة من أجلها, ننعطف 180 درجة نحو اليمين و مثلها بالعكس نحو اليسار, و نحن نصدح بمختلف الأغنيات, لقد فعلنا كل شيء لإرضائها. كنت أحملها و أمشي بها من غرفة إلى غرفة و أنا أغني. كنت أخشى أن أستسلم للنوم في مكتبي في الغد ، لقد كنت مرهقة على الدوام. حتى عندما بدأت تحبي في سن عشرة أشهر, كانت ترغب بحملها لتستمع إلى أغنياتي, كانت دائمة الحنين إلى تلك الطقوس ذاتها.


الشيء الوحيد الذي كان يغمر روحها بالسكينة كان اصطحابها إلى حديقة أبي. كانت تهدأ بأعجوبة عندما تشتم رائحة الياسمين. و إلى اليوم لا زالت دانه تمتلك حاسة شم قوية. كان بكائها يفطر القلب. لقد قاومت شعوري بالذنب و أهدرت وقتي في محاولة إقناعها أن منتصف الليل لم يكن الوقت المناسب للخروج إلى الحديقة. كانت تغضب مني و تركل الباب بقدميها الصغيرتين و تبكي بكاءً جنونياً و هي تقول لي بلغتها الطفولية أنها تريد الخروج إلى الحديقة. و هكذا, كنت أمشي في الحديقة كامرأة ثملة , متعبة و مرهقة. لقد أمتعتها العصافير و الياسمينات و كنت مرغمة على التفرج . لو كنت أعلم ما كان يعتمل في أعماق قلبي من حب كبير لحديقة أبي لما حاولت ردع ابنتي عن المطالبة بالاستمتاع بمفاتنها البريئة الخلابة , و لم أكن لأغضب منها حين تصر على مطلبها. إلا أنني شعرت بذلك متأخرة ، فقد غادرنا الكويت إلى كندا بعد فترة قصيرة من ولادة دانه و لم أعد قادرة على التنعم بحديقة أبي من بعد.


اعتادت ابنتي الكبرى رانيه وابن خالتها قيس على إحداث الفوضى في حديقة أبي , كان يتعمدان فتح باب قفص الأرانب التي ما إن ترى لها مخرجاً حتى تعدو خارجة لتبدأ عمليات الحفر في التربة. و يصرخ أبي: " الأرانب عدو الحديقة الأول. عليكم الإمساك بها. حيه أم ميته" هناك تبدأ معركة أبي مع الأرانب ، يطاردها و يعيدها على القفص. كانت تلك الأرانب ذكية جداً إذ كانت تستطيع المرور من تحت السياج عندما يناورها. كنا نعدو معه جميعاً لنساعده في لملمة الفوضى التي أحدثتها ابنتي.

Translated from Rana Abdulla؟s Article, My Father؟s Private Garden



إذا كنت مؤلف هذه  مقال وأردت تحديث المعلومات، انقر على ازر التالي:

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع