العرب اليوم تنشر الاوراق العسكرية وشهادة اللواء يوسف كعوش من القيادة العربية الموحدة
دافعنا عن القدس وقاتلنا العدو من بيت الى بيت بلا غطاء جوي
بعد قصف المطارات العربية في الجبهة المشتركة
- خضنا معركة طاحنة في الشيخ جراح وتلة الطنطور وكبدنا العدو خسائر فادحة بالاشخاص والدبابات
- في معركة معسكر الرادار اشتبك جنودنا مع العدو بالسلاح الابيض
- ميزان القوى كان لصالح اسرائـيل بسبب تفوقها في عدد الجنود والدبابات والمدافع والسيطرة الجوية المطلقة
- خسائرنا في القدس ورام الله 1000 بين شهيد وجريح وكبدنا العدو 200 قتيل و600 جريح
26/3/2009
اللواء الركن يوسف كعوش كان من كبار الضباط الموهوبين والمميزين في الجيش العربي, وقد شغل مناصب عدة في التدريب والتعبئة وكلية الاركان والتوجيه المعنوي, وهو مؤرخ عسكري شارك في ندوات ومؤتمرات دولية حول التاريخ العسكري في العالم, وله عدة مؤلفات حول حروب الشرق الاوسط ودور الجيش العربي في حرب عام 1948 وحرب عام 1967 .
وقد تسنى للواء كعوش, رحمه الله, ان يطّلع على القرارات العسكرية المهمة في حرب حزيران 1967 ومعرفة اسرارها ومتابعة تفاصيلها من خلال موقعه في القيادة العربية الموحدة كعقيد ركن حيث شغل منصب ركن عمليات الجبهة الوسطى في القيادة وهي الجبهة الاردنية وكان الى جانب رئـيس شعبة العمليات الذي كان برتبة عميد في ذلك الوقت المرحوم عاطف المجالي.
والعرب اليوم تعيد نشر ما ورد في الاوراق العسكرية للواء كعوش وشهادته ومشاهداته ومشاركاته في حرب الخامس من حزيران عام 1967 على الجبهة الاردنية بقيادة الفريق عبدالمنعم رياض, حيث استطاع تسجيل يوميات الجبهة الاردنية في حرب حزيران واسبابها ونتائجها واسرارها وتفاصيلها منذ تشكيل القيادة العربية الموحدة حتى لحظة مغادرة قائدها الفريق عبدالمنعم رياض.
نضع كل الحقائق امام الاجيال من اجل توثيق دور الجيش العربي في هذه الحرب والتضحيات الكبيرة التي قدمها خلال قتاله الباسل بامكانياته المتاحة, ووفاء لدم الشهداء وكي نقول لكل العرب انها كانت حربا حقيقية للدفاع عن الحق ولم تكن فرقعة ولا مدفعا في الهواء..
يقول اللواء كعوش في اوراقه ومذكراته وكتبه التي ننشرها في الحلقة الرابعة
في الساعة (1200) اصدر الفريق رياض امرا الى قائد الجبهة الغربية لاحتلال جبل المكبر, واحتلال منطقة هداسا والجامعة العبرية, وان يقوم لواء مشاة ناقصا كتيبة باشغال مواضع دفاعية في منطقة الخان الاحمر على طريق القدس - اريحا, وعندئذ صار الاشتباك عاما بمختلف الاسلحة على امتداد واجهة الجبهة الغربية تقريبا.
كان من الضروري والاسبقية الاولى للقوات الاردنية في منطقة القدس تأمين احتلال جبل المكبر ومنطقة هداسا والجامعة العبرية, لان احتلال جبل المكبر من قبل اليهود كان سيضعهم في وضع حربي احسن ويعطيهم ميزة تعبوية تهدد مؤخرة القوات الاردنية المدافعة عن القدس, ويقطع طريق الاتصال بين بيت لحم والقدس, اما مسألة احتلال هداسا والجامعة العبرية اللتين كانتا تحت اشراف هيئة الامم المتحدة وتقعان في المنطقة العربية من القدس في مكان مسيطر, وفيهما قوة من البوليس اليهودي - فان اي اختراق للقوات اليهودية عبر الشيخ جراح او قرية شعفاط للاتصال بهما يهدد ايضا القوات الاردنية في القدس بالكامل, اذ تستطيع القوات الاسرائـيلية بعد الوصول الى هاتين المؤسستين, الاندفاع الى جبل الزيتون وقطع الطريق بين اريحا والقدس ومن ثم تطويق المدينة.
قامت كتيبة مشاة - وكانت باحتياط لواء المشاة الاردني في القدس - بهجوم كاسح على جبل المكبر واتمت احتلاله بالساعة ,1330 بينما كانت المدفعية الاردنية في قاطع القدس تقوم بتوجيه ضربات عنيفة لمواقع العدو امام جبل المكبر واشعلت النار في خمس مستعمرات, كما قصفت منطقة هداسا والجامعة العبرية ولم يجر اقتحامهما حتى هذه الساعة.
القوات الاسرائـيلية
صدر الامر للجنرال عوزي نركيس قائد المنطقة الوسطى ليقوم بالتعرض في منطقة القدس وشمال غرب منطقة نابلس بهدف احتلال الضفة الغربية, وقد بدأ العدو عملياته في القدس حوالي الساعة ,11.15 وفي هذا الوقت اعيد تخصيص لواء (هارل الالي) المتمركز شمال شرق تل ابيب, وهو من احتياط القيادة العامة, ولواء المظليين, الذي كان متهيئا في قاعدته شمال رحوبوت - اعيد تخصيصهما لقائد المنطقة الوسطى, وانيطت العمليات في منطقة الاقسام الشمالية من الضفة الغربية بالقيادة الشمالية (دافيد اليعازر).
كان للعدو في مدينة القدس لواء (اتزيوني) وهو عبارة عن فرقة تقريبا اذ يتألف من ثماني كتائب مشاة زائدا المدفعية وعناصر الاسناد الاخرى. وعند ظهر يوم 5 حزيران كان لواء (هارل الالي) ولواء المظليين يتحركان باقصى سرعة الى المدينة المقدسة بينما كان لواء مشاة نظامي (العقيد موشي يوتفات) على كتف منطقة اللطرون بمهمة ابقاء الطريق الى القدس مفتوحا.
القوات الاردنية
تألفت القوات الاردنية في مدينة القدس من لواء مشاة مؤلف من ثلاث كتائب مشاة وكتيبة مدفعية ميدان عيار 25 رطلا, وسرية هندسة ميدان. موزعة كما يلي: كتيبة من باب العمود الى تلة شعفاط, وكتيبة داخل المدينة القديمة, وكتيبة موزعة على مستوى سرايا في ابو طور وسريتين في كرم العلمي كاحتياط, ولم يكن هناك دبابات ملحقة بهذا اللواء. ثم كتيبة مشاة من لواء آخر خارج المدينة في القسم الجنوبي الشرقي وكان لواء مشاة يتمركز على تلال القدس الغربية شاملا منطقة اللطرون.
وعلى ذلك كان تفوق العدو على القوات الاردنية في مدينة القدس نفسها في عدد الجنود والدبابات والمدفعية مع سيطرة جوية مطلقة.
كانت الخطط الاسرائـيلية لاحتلال القدس مهيأة وجاهزة للتنفيذ حالة استلام الاشارة بذلك, وقد بدأ العدو الرماية على المواقع الاردنية بين الساعة 11.15-11.30 ولم يكن هناك اطلاق نار من الجانب الاردني. كان لواء (اتزيوني) المؤلف من حوالي ثماني كتائب مشاة وعناصر الاسناد موجودا داخل المدينة, ولواءان آخران يتجهان اليها, واخذت القوات تتكامل بعد الظهر.
كانت خلاصة الخطة الاسرائـيلية كما يلي:
أ- يقوم لواء اتزيوني باستعادة جبل المكبر والهجوم على صور باهر
ب- يقوم اللواء الالي (لواء هارل) بمهاجمة المرتفعات الواقعة الى الشمال من القدس بينها وبين مدينة رام الله للسيطرة على الارض المرتفعة شمال وشرق المدينة لمنع وصول التعزيزات الاردنية سواء من اتجاه اريحا او من اتجاه رام الله.
ج- يقوم لواء المظليين (موردخاي غور) بالجهد الرئـيسي لتطويق المدينة عبر الشيخ جراح - جبل سكوبس - جبل الزيتون.
قبل الساعة 15.00 بقليل قام لواء اتزيوني بهجوم مضاد لاستعادة جبل المكبر ودار الحكومة ومن ثم احتلال صور باهر, وقام اللواء بالهجوم بحوالي اربع كتائب ضد موقع كتيبة اردنية واحدة وقادت الهجوم كتيبة دبابات شكلت رأس الحربة للواء. تقدمت 12 دبابة مستهدفة جبل المكبر ودار الحكومة و12 دبابة اخرى باتجاه صور باهر. قاتلت كتيبة المشاة الاردنية ببسالة على جبل المكبر ودار الحكومة ودمرت للعدو ثماني دبابات وفشل في تحقيق هدفه وتراجع الى الخلف. اما الدبابات التي تقدمت باتجاه صور باهر فقد تصدت لها سرية مشاة اردنية متمركزة هناك وبعد مقاومة قصيرة انسحبت السرية الى مركز جديد باتجاه مدينة بيت لحم عندما حاول العدو تطويقها.
جدد العدو محاولته على دار الحكومة وبعد نصف ساعة من القتال تمكن من تدمير ثلاثة مدافع اردنية مضادة للدبابات, واخذت الدبابات المعادية التي تقدمت الى صور باهر تهدد القسم الشرقي من دار الحكومة, وجدد العدو هجومه بالدبابات المتبقية في الغرب, وقاتل جنود المشاة الاردنيون بضراوة على جبل المكبر, ولكن ضغط قوات العدو اخذ يزداد من اتجاهين مما هدد القوة الاردنية بالتطويق, فتراجعوا الى داخل دار الحكومة, وعندما ادرك قائد الكتيبة الاردنية ان العدو على وشك احكام الطوق على موقعه بالمشاة والدبابات قرر اخلاء المواقع, وتم ذلك بالساعة 1630 حيث تراجع الى مواقع خلفية باتجاه الشمال الشرقي واخلوا معهم جرحاهم.
وحوالي الساعة 17.00 بدأ لواء هارل الالي يتحرك من مواضعه في (ابو غوش) باتجاه بدّو, والنبي صموئيل, وبدأ الهجوم على موقع الشيخ عبدالعزيز وتلة الرادار وبيت اكسا, تحت قصف شديد من المدفعية والطيران, هاجم العدو موقع الشيخ عبدالعزيز بحوالي كتيبة من الدبابات والمشاة الالية, ودار قتال لمدة نصف ساعة, تمكن بعدها العدو من اجتياح الموقع وانسحبت قوة موقع الشيخ عبدالعزيز الى تلة اللوزة - كان موقع الشيخ عبدالعزيز يشغل بفصيلة اردنية في اغلب الاحوال - واصل العدو هجومه واحاط تلة اللوزة واشتبك مع قواتنا التي انبرت تقاتل بالحراب, واخيرا سقطت تلة اللوزة حوالي الساعة العاشرة ليلا.
حوالي الساعة (1800) بدأت قوة من هذا اللواء بمهاجمة معسكر الرادار بالمشاة المحمولين والدبابات وكانت تشغله سرية مشاة اردنية تحملت وطأة القصف المدفعي والجوي الشديدين ولكنها فرضت على العدو قتالا شديدا بالحراب ضد قوات متفوقة لمدة لا تقل عن ساعتين, واخيرا تمكن العدو من احتلال معسكر الرادار وتراجعت بقايا السرية الى قرية بدّو.
بعد احتلال موقع الشيخ عبدالعزيز ومعسكر الرادار اخذ العدو يتقدم بقوات كبيرة باتجاه بدّو والنبي صموئيل, ويشاغل باقي مواضع اللواء الاردني من الشيخ عبدالعزيز حتى منطقة بدرس. واتضحت نية العدو بالاندفاع على هذا المحور باتجاه طريق القدس اريحا وطريق القدس - رام الله لتطويق القدس من الشمال, وبناء على هذا الموقف صدر قرار من مركز القيادة المتقدم لتحريك لواء المشاة الموجود في الخان الاحمر ناقصا كتيبة مشاة, زائدا كتيبة دبابات من لواء الدروع ناقصة سرية. تتحرك هذه القوة الى منطقة شمال القدس, وتتحرك سرية دبابات الى العيزرية - ابو ديس, والكتيبة الالية زائدا سرية دبابات في منطقة الخان الاحمر, ويبقى باقي لواء الدروع في مكانه.
كان لواء المظليين (العقيد مردخاي غور) يتحرك خلال ساعات بعد ظهر يوم 5 حزيران من قاعدته في رحوبوت الى مدينة القدس. وتقرر ان يقوم هذا اللواء بالجهد الرئـيسي في مدينة القدس ويهاجم حوالي منتصف الليل, ثم تغيرت ساعة الصفر لتصبح الساعة (0200) صباح يوم الثلاثاء 6 حزيران. وقد جرى التمهيد للهجوم بقصف عنيف من المدفعية والهاونات, تركز على مركز بوليس الشيخ جراح وتلة الطنطور, ثم تحركت قوات هذا اللواء مع حلول ساعة الصفر عبر منطقة الحرام بين بوابة مندلبوم ومركز بوليس الشيخ جراح, وقد خصص مركز بوليس الشيخ جراح وتلة الطنطور للكتيبة اليسرى. اما هدف الكتيبة اليمنى فكان باتجاه الكولونية الامريكية والمتحف, وقد جرى استعمال الانوار الكاشفة من القدس اليهودية وجبل سكوبس على الاهداف واحدا بعد الاخر, وانزل العدو حوالي 40 جنديا محمولين بالهيلوكبتر خلف وادي الجوز على منحدر على اربع دفعات لتطويق المراكز الاردنية, وذلك بتركيز الانوار الكاشفة على مناطق خالية لارشاد طائرات الهليكوبتر وعلى الفور تحركت فصيلة من الكتيبة الاردنية في الشيخ جراح اطبقت على المظليين اليهود وأصلتهم نارا حامية وثبتتهم.
ومنذ الساعات الاولى من صباح يوم الثلاثاء 6 حزيران شدد العدو قصف تلة شعفاط وتلة الطنطور بالمدفعية, مع تركيز قصف جوي شديد مستعملا المشاعل الجوية على وحدات لواء المشاة الذي كان يتحرك صاعدا باتجاه شعفاط من مواضعه في منطقة الخان الاحمر, مما اعاق وحدات هذا اللواء ومنعها من الوصول الى المواضع الجديدة المقررة للقيام بالواجب الذي اسند اليها مساء يوم 5 حزيران.
وجرى كذلك تركيز القصف على الشيخ جراح ومثلث بيت حنينا, واصبح الوضع في القدس خطيرا عندما بدأ العدو هجوما مركزا بالمشاة والدبابات على الشيخ جراح والطنطور, ودار قتال رهيب على هذين الموقعين في الخنادق والبيوت حيث صمدت الكتيبة الاردنية في مواقعها وانبرت تقاتل العدو ببسالة بالسلاح الابيض, استمر القتال حتى طلوع النهار وبقي رجال الكتيبة الاردنية يقاتلون بعناد وثبات بما في ايديهم من سلاح, في وجه دبابات العدو وآلياته وقصفه الجوي, حتى مرت دبابات العدو على اجساد المقاتلين الذين صمدوا حتى النهاية محبذين الاستشهاد في خنادقهم, وفي الساعة 0430 من يوم 6 حزيران سقط الشيخ جراح والطنطور بيد العدو, بينما فقد الاتصال مع لواء المشاة القادم من منطقة الخان الاحمر الذي ركز عليه العدو قصفه الجوي والمدفعي عندما اقترب الى شرقي القدس, وركز العدو كذلك قصفا شديدا على سرية الدبابات في (ابو ديس) واخذت قواته تتجه ناحية الطور وشرق القدس, واستمرت وحدات اللواء الاردني في القدس تقاتل بعناد في باقي المواضع على امتداد الواجهة داخل المدينة المقدسة.
وما بين الساعة 7-8 صباح يوم 6 وصلت قوات العدو الى ساحة المتحف واتصلت من الشمال بجبل سكوبس. وقد ذكر العقيد مردخاي غور قائد لواء المظليين (صار فيما بعد رئيسا للاركان) عن معركة الشيخ جراح وتلة الطنطور ما يلي:
اعتقد ان هذه المعركة من اروع قصص القتال في الخنادق المحصنة, وعلي ان اقول انه رغم انني اشتركت في عدة معارك في حياتي العسكرية, الا ان ما شاهدته في هذه المنطقة, وما سمعته من القادة خلال تجوالي عليهم من موقع الى موقع كان امرا لا يصدق. وكما قال احد القادة: عندما سرت باتجاه مفترق الطرق كان معي اربعة جنود فقط ممن بقوا احياء من سريتي, وهناك سرية اخرى كانت قد احتلت هضبة الطنطور, من الناحية الجنوبية ولم يبق منها بعد انتهاء العملية سوى سبعة جنود. وقد فرضت كتيبة المشاة الاردنية على العدو خسائر جسيمة في الاشخاص والدبابات.
والى اقصى الشمال وعلى تلال القدس الغربية بعد ان احتل العدو موقع الشيخ عبدالعزيز ومعسكر الرادار اصطدم بمقاومة عنيفة من القطعات الاردنية عند قرية بدو, وحاول العدو التقدم طوال الليل. وفي الدقائق الاولى من صباح يوم 6 حزيران تقدم بدباباته باتجاه التليلة, بينما كانت له تجمعات من الدبابات في وادي لفتا جنوب التليلة وقد قصفتها مدفعيتنا, وحوالي الساعة (0200) تقدمت قوات العدو الى بيت حنينا التي سقطت بيد العدو حوالي الساعة الرابعة صباحا, وكان رتل من دبابات العدو يتجه نحو موقع النبي صموئيل, واستمرت القوات الاردنية تقاتل هناك حتى الساعة (0745) واخيرا سقطت التليلة, وسيطر العدو على النبي صموئيل.
اما على محور الرادار- بدو فقد دفع العدو بالساعة (0230) حوالي خمسين آلية باتجاه قرية بدو, مستعملا الاضوية العادية, وتصدت لهذا الرتل كتيبة مشاة اردنية واشتبكت معه, وبعد ساعة ركز العدو قصفه الجوي والمدفعي على مواضع الكتيبة, وتقدم بدروعه الى بدو, وقاتلت الكتيبة الاردنية بضراوة وهي تتراجع الى مراكز خلفية شمال بدو حيث تمركزت هناك الساعة (0425) وتابع العدو محاولاته للتقدم باتجاه مثلث بتونيا- الجيب, بيت عور الفوقا, وخاضت وحدات لواء المشاة الاردني على هذا المثلث قتالا شديدا تحت قصف جوي متواصل وخسرت عددا كبيرا من اسلحة مقاومة الدبابات والاليات.
كانت عمليات العدو الآنفة الذكر في منطقة شمال القدس تستهدف اتمام تطويق القدس من الشمال, وقطع طريق رام الله- القدس- بوساطة الرتل المتقدم من بيت حنينا الى شعفاط وتل الفول, ومن ثم تهديد مدينة رام الله واحتلالها بوساطة الرتل المتقدم من بدو وبيت عور, لذلك قرر قائد المركز المتقدم تحريك فوج من اللواء الثامن العراقي الى طريق اريحا الطيبة لتعزيز لواء المشاة في منطقة رام الله والبيرة وكان اللواء الالي الثامن ينتشر في المنطقة بين الشونة الجنوبية وجسر داميا (جسر الامير محمد).
وحتى الساعة السابعة من صباح يوم 6 حزيران كان القتال على اشده في شوارع القدس التي تمكن العدو من تطويقها من الشمال والجنوب, وسيطر على الطرق المؤدية اليها. استمر القتال داخل المدينة من شارع الى شارع حتى الساعة (0945) حيث سقطت الاحياء خارج سور القدس القديمة بيد العدو, بينما استمر قتال شديد في العيزرية وابوديس, حيث كان موقف قواتنا جيدا, رغم قصف العدو الجوي والمدفعي, تقدمت دروع العدو من بيت حنينا صاعدة باتجاه طريق القدس- رام الله ومرتفع تل الفول الى الشمال من شعفاط حيث تصدت لها قوة مدرعة اردنية, ووقعت معركة مدرعة عنيفة تحت قصف جوي ومدفعي معاد استمرت حوالي ساعة ونصف الساعة, وفقد اللواء اليهودي عددا من دباباته, وفقدت القوة الاردنية ست دبابات ثم تراجعت الدبابات الاردنية تحت وطأة القصف الجوي, وكانت طلائع من لواء المشاة القادم من الخان الاحمر قد وصلت هناك وطلب الى هذا اللواء ان يواصل تجمعه خلف تل الفول وطلب من المدفعية معاونته, واخيرا فقد اللواء السيطرة على وحداته نتيجة تركيز القصف الجوي المتواصل.
وحتى الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 6 حزيران اصبحت جميع القطعات الاردنية في القدس محاصرة, واستمرت القطعات داخل القدس القديمة بالقتال طيلة ساعات النهار, وكانت القوات اليهودية التي وصلت طريق رام الله القدس من بيت حنينا قد استدارت جنوبا باتجاه شعفاط, وهناك قابلتها مقاومة عنيدة من سرية اردنية تتمركز في تلة شعفاط واحتل العدو عدة شوارع في القدس العربية واصبح في باب الزاهرة, واستمرت المقاومة عنيفة وخاصة في تلة شعفاط ومراكز كتيبة المشاة الاردنية اليمنى المعزولة, وتراجعت قيادة اللواء الى داخل سور القدس القديمة, وبقيت المقاومة الاردنية ايضا في كل من جبل الزيتون ومستشفى المطلع, ابو طور, وراس العمود.
وفي الساعة (1200) شدد العدو الضغط على تلة شعفاط وتمكنت السرية الاردنية هناك من افشال محاولة العدو وردته على اعقابه, ولكن العدو واصل محاولاته واعاد الكرة بعد الظهر فتمكن من احتلال تلة شعفاط, وبنفس الوقت كان الهجوم المعادي من الجنوب على ابو طور, جنوب اسوار القدس, وجرى هناك قتال عنيف تقدم بعده العدو الى وادي سلوان ثم جرى ايقافه, واعاد العدو محاولاته بعد الغروب وطوال الليل, وكان قد بقي لدى لواء المشاة الاردني كتيبتان تدافعان داخل السور وبقيت طريق القدس- راس العمود- اريحا مفتوحة.
بعد غروب يوم 6 حزيران واصل لواء المظليين هجومه داخل القدس من منطقة المتحف باتجاه مستشفى المطلع تقوده الدبابات وبواجهة كتيبتي مظليين, وقد تصدت القوات الاردنية المدافعة في المطلع وجبل الزيتون بمقاومة عنيدة ودمرت للعدو اول دبابتين وعدة سيارات جيب حاملة مدافع مقاومة, كما اوقعوا اصابات اخرى في الاليات واصابات كثيرة في الافراد, ووقع ارتباك شديد في صفوف المهاجمين وفقدوا الاتجاه وعجزوا عن التقدم, وبذلك تمكنت القوة الاردنية في المطلع وجبل الزيتون من دحر هجوم لواء المظليين وتكبيده خسائر فادحة, وقبل منتصف الليل سحب غور لواءه الى الخلف لاعادة التنظيم والتحضير لهجوم جديد.
كانت وحدات لواء المشاة القادم من الخان الاحمر تندفع مسرعة باتجاه القدس مع طريق اريحا, وقد ركز العدو هجماته الجوية المتواصلة عليها مما اخر وصولها, ولكن الجنود الاردنيين اندفعوا سيرا على الاقدام باتجاه جبل الزيتون لدخول القدس من الشرق, وتعرضوا لنيران مدفعية وقصف جوي اسرائيلي عنيف اضطرهم الى التوقف, وبعد ذلك جرت عدة محاولات من القوات الاردنية لدخول المدينة المقدسة, وكان ذلك يتعطل بسبب كثافة القصف الجوي والمدفعي المعادي, وبقي القتال داخل القدس القديمة حتى صباح يوم 7 حزيران.
واخيرا قابل قائد اللواء محافظ القدس السيد انور الخطيب واخبره عن نيته للانسحاب من المدينة حيث اصبحت مطوقة ولا يمكن ادامة القتال اكثر من 24 ساعة اخرى.
الاقتحام الاسرائيلي النهائي
صباح يوم 7 حزيران ركز العدو قصفا جويا عنيفا وقصفا مدفعيا شديدا على تلال القدس الشرقية في المطلع وجبل الزيتون وبعد الساعة السابعة صباحا تقدم لواء المظليين بكتيبة من شمال المطلع, وكتيبة من يمين جبل الزيتون يطلقون النار في الاتجاهات كافة ووجدوا ان المراكز الاردنية في المطلع وجبل الزيتون كانت خالية بينما تقدمت كتيبة ثالثة من المظليين من ساحة المتحف باتجاه راس العمود وسلوان, ثم تقدمت سرية الى باب الاسباط, واستمرت مقاومة الجنود الاردنيين والمدنيين داخل القدس القديمة, وحوالي الساعة (0950) دخل اليهود بعناصر من قواتهم الى داخل اسوار القدس القديمة, وبينما كان لواء المظليين يهاجم التلال الشرقية والقدس القديمة كان لواء (اتزيوني) يتقدم في القسم الجنوبي من القدس خارج الاسوار من اتجاه جبل صهيون الى سلوان.
وبعد توقف القتال في القدس جمعت وحدات من لواء اتزيوني في (رامات راحيل), وحوالي الساعة (1400) يوم 7 حزيران بدأت بالتقدم جنوبا الى مارالياس وبيت لحم.
(.. يتبع)
شارك بتعليقك