2007-10-27 00:02:33 UAE
انتفاضة الأسرى وأوهام التسوية
بقلم :موسى ابو عيد
من شاهد الصور التي بثتها القنوات الفضائية على شاشاتها لمخلفات الأعمال الوحشية والقمع الذي مارسه جنود الاحتلال الصهيوني بحق الأسرى الفلسطينيين في سجن النقب الصحراوي جنوب فلسطين يخيل له انه يشاهد آثارا لبقايا حرب عالمية بين معسكرين معاديين مسلحين بكل أنواع الأسلحة الفتاكة وليس بين أسرى عزل مقيدي الأيدي والأرجل وبين قوات صهيونية مدججة بكل أنواع أسلحة البطش والتنكيل والقتل والحق الأعمى.
الأسير الشهيد محمد الأشقر 62 عاما هل كان يملك مدفعاً رشاشاً لتطير جبهته في الهواء جراء اختراق رصاص دمدم الصهيوني «المحرم دوليا» لأعلى مقدمة رأسه ليخرج من الجهة الخلفية قبل 50 يوما فقط من انتهاء مدة محكوميته الظالمة؟
وبدل أن يستقبله أبناؤه وزوجته بالقبل والترحاب دفنوه تحت التراب إلى جانب غيره من شهداء قرية صيدا شمال مدينة طولكرم في الضفة الغربية وفي ظلال أشجار الزيتون التي زرعها الأجداد.
لا نستغرب على عدونا أية فعلة فعلها فهذا ديدن اليهود منذ الوجود ولن يغير بني قريظة جلدهم بين عشية وضحاها ولن تخدعنا ابتسامات «ليفني تسيبني» الصفراء التي توزعها أمام عدسات كاميرات المصورين في المؤتمرات الصحافية فيما كل جنود الاحتلال لا يتورعون عن حرق الشجر قبل البشر دون تمييز بين أسير أو طليق ولا بين طفل رضيع أو شيخ مسن فالكل سواء ولا تستثني آلة الحقد الصهيوني أحدا من قريب أو بعيد.
تعودنا على السياسة الممنهجة للكيان الصهيوني حتى قبل نشأته القائمة على الاغتيالات وبقر بطون الحوامل وقتل الأطفال والشيوخ ولا ننسى ضمن السلسلة الطويلة من المجازر بدءا من دير ياسين إلى يومنا ما جرى في مثل هذه الأيام من عام 1956 مجزرة كفر قاسم.
حيث قتل جنود الاحتلال الصهيوني في التاسع والعشرين من أكتوبر 49 فلسطينيا ممن يعيشون داخل فلسطين المحتلة عام 1948 عشية العدوان الثلاثي على مصر العروبة وقطاع غزة ، والمهزلة ـ السخرية أن الضابط الصهيوني «شيدمي» الذي نفذ المجزرة بدم بارد بحق العمال والفلاحين العائدين إلى بيوتهم كانت عقوبته «القاسية» والحكم الذي صدر بحقه من المحكمة الصهيونية هو تغريمه بدفع فلس واحد ولسان حال القضاة الصهاينة يقول ان دم 49 عربيا فلسطينيا لا يساوي أكثر من فلس واحد.
ولا نستهجن من يدافع عن الكيان الصهيوني وعن «طهارة سلاح» جنوده وإنهم لا يرتكبون أي مجازر وإنما هي مجرد «أخطاء فردية». وقد لا نلوم وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور الذي صدر باسمه وباسم حكومة صاحبة الجلالة البريطانية في الثاني من نوفمبر 1917 ما عرف باسم «وعد بلفور» الذي منح أرضاً لا يملكها لشعب لا يستحقها وكأن فلسطين ارض خالية من شعبها الذي عاش بين جنباتها لأكثر من أربعة آلاف عام؟!
ولكن ما لا نستسيغه ولا يكاد عقل يتقبله إننا ما زلنا نلهث وراء سراب التسوية الموهوم في أروقة المؤتمرات الدولية التي لم تستطع إعادة لاجئ فلسطيني واحد إلى أرضه أو حماية روح طفلة أو جنين في بطن أمه من القتل أو إعادة منزل أو حتى جدار واحد في مدينة أو قرية استولى عليها يهود قادمون من الخارج.
ما ذا بعد؟ هل بقي من الضفة الغربية أو قطاع غزة شيء نفاوض عليه؟ لقد زرعت كل الأرض الفلسطينية بالمستوطنات وقطعت أوصال المدن وحتى القرى الصغيرة وجرى تهويد معظم البلاد وضاعت القدس والمسجد الأقصى تخلخلت أركانه وقد تسقط جدرانه بفعل الحفريات الصهيونية بحثا عن الهيكل المزعوم.
لا وعود بلير ولا بوش أو مؤتمر الخريف ستعيد الحق لأصحابه فالعالم لا يرحم الضعفاء ولا يبكي عليهم وإنما تسترد الأوطان وكرامة الشعوب بوحدتها الوطنية أولاً ونبذ خلافاتها الجانبية الضيقة الأفق وعدم النظر بين الأرجل وإنما بالتطلع نحو الأفق والاعتماد على الساعد وإطلاق الزناد نحو من اغتصب الأرض وشرد الأبرياء الضعفاء.
وقد علمتنا تجارب الشعوب في نضالها ضد الاستعمار وقوى الطغيان أنها لا تزول بالدعاء ولا بندب الحظوظ والتسكع بين جنبات المؤتمرات وفي أروقة الفنادق وإنما بفعل المتمترسين في الخنادق وفوق رؤوس الجبال.
[email protected]
جميع الحقوق محفوظة - مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر © 2007
شارك بتعليقك