الخط الاحمر
منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 اتفقت الفصائل المسلحة المختلفة على حسم خلافاتها فيما بينها بالحوار وحرمت اللجوء الى القوة ورفع السلاح في وجه بعض
لفرض وجهة نظر معينة على الاخرين بالقوة وفق ما عرف بطهارة السلاح وحرمة الدم الفلسطيني والاقتتال الداخلي باعتباره خطا احمر لا يمكن تجاوزه مهما اشتدت الخلافات وتباعدت المواقف وجرى الالنزام الى حد بعيد بهذه الثوابت الفلسطينية .
لكن المشاهد الاخيرة في شوارع مدن قطاع غزة والضفة الغربية ومخيماتها اصابت الفلسطينيين في كل مكان بالصدمة واثارت لديهم المخاوف من نذر الفتنة الداخلية والحرب الاهلية مما يستدعي التدخل السريع والحسم نحو وأد الفتنة من جذورها ومحاصرتها وعلاج اسبابها ومنع امتدادها بتدخل كل العقلاء في صفوف الشعب الفلسطيني للحفاظ على وحدته الوطنية التي تعتبر هي سر قوته وصموده في وجه الاحتلال الصهيوني .
لقد اثار ما وقع مؤخرا استياء عاما من كل القوى الفلسطينية ومن الشعب الفلسطيني عامة فكيف يتم استخدام السلاح بين ابناء الشعب الواحد لتزهق ارواح اكثر من 13 فلسطينيا بالاضافة لعشرات الجرحى وليمتد العنف ليشمل تدمير وحرق المؤسسات الوطنية التي بذل الشعب الفلسطيني الكثير من دمه وجهده لاقامتها؟ وهل ما حدث كان عفويا ام انه مخطط له ؟ لقد جرت العديد من المظاهرات للمطالبة بدفع الرواتب المتاخرة منذ عدة شهور ولكنها لم تصل الى حد الاشتباكات المسلحة فما الذي دفع الى تصعيد الاحداث وتفاقم الامور ؟
شهدت المرحلة التي تلت تشكيل حكومة حماس برئاسة اسماعيل هنية بعد فوز الحركة بالانتخابات التشريعية في مطلع العام الحالي تشديدا للحصار الاقتصادي وسياسة التجويع والتي كانت مفروضة قبل ذلك من اسرائيل واميركا واطراف عربية واوروبية اخرى ودخلت عملية التسوية في حالة من الجمود واصيبت حياة الشعب الفلسطيني بالشلل نظرا للشروط التي طالبت فيها اللجنة الرباعية وخاصة الولايات المتحدة حكومة حماس
بالاعتراف باسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة بينها وبين السلطة الفلسطينية ونبذ العنف وهي نفس الشروط التي عادت واكدت عليها وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس خلال لقائها برئيس السلطة الفلسطينية محمودعباس في رام الله نهاية الاسبوع الماضي .
وللخروج من هذه الحالة بدا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة اسماعيل هنية مباحثات لتشكيل حكومة وحدة وطنية وتم التوصل الى الخطوط العريضة لهذه الحكومة على اساس وثيقة الاسرى والالتزام بالثوابت الفلسطينية لكن الامور عادت مؤخرا الى نقطة الصفروتعثرت المفاوضات نظرا لوجود تيار داخل فتح ومن قيادة حماس في الخارج يعارض تشكيل مثل هذه الحكومة كل لدوافع خاصة به.
الخلافات السياسية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية وقد وصلت حدتها بعد توقيع اتفاقية اوسلو التي كانت وبالا على الشعب الفلسطيني وادت الى انقسام الصف الفلسطيني بين مؤيد ومعارض لها كما كانت من قبل اتفاقية كامب ديفيد وبالا على الامة العربية . وبعد الانسحاب الاسرائيلي الاحادي من قطاع غزة راهنت اسرائيل على اشعال حرب اهلية بين الفلسطينين بسبب النزاع على السلطة عقب ذلك , لكن شيئا كذلك لم يحدث . واتفق الجميع على تسيير الامور وان اختلفت وجهة نظر حركتي حماس وفتح في اسباب الانسحاب الاسرائيلي واهداف المرحلة المقبلة .
نحن ندرك ان الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز هذه المحنة ولكن بالارتقاء الى مستوى المعاناة التي يمر بها الشعب الفلسطيني فيكفيه ما يتعرض له من اغتيالات وتصفيات واعتقالات اسرائيلية ومصادرة للاراضي وتغول لسياسة الاستيطان والتهويد والالتزام بالشعار الفلسطيني القديم بتوجيه كل البنادق الى العدو لا الى صدور ابناء الشعب الفلسطيني واعتبار الحرب الاهلية او الفتنة الداخلية فعلا خطا احمر لا يمكن تجاوزه مهما حدث من خلاف والتوقف عن التهديد بالاغتيالات والاتهامات المتبادلة وعدم الانجرار وراء الحملات المشبوهة وتطويق ذيول الفتنة.خصوصا وان هناك تقارير اسرائيلية نشرتها صحيفة يديعوت احرنوت حذرت من تعاظم قوة حركة حماس العسكرية وانشاء وحدات للصواريخ القصيرة المدى واخرى للبعيدة المدى وثالثة مضادة للدبابات ووحدات خاصة اخرى بما يصل الى 7500 جندي نظامي فيما اشارت تقارير اخرى الى خطة اميركية تستند الى تعزيز تسليح وتدريب الحرس الرئاسي التابع للسلطة الفلسطينية ورفع عدده من 3500 الى 6000 رجل خاصة بعد الاحداث الاخيرة وان وحدات خاصة اميركية بدات فعلا بتدريب هذه القوات في اريحا.
والخيارات كثيرة ومفتوحة للخروج من الازمة الحالية كما اعلن قادة فتح وحماس مثل اقالة الحكومة الحالية والدعوة لانتخابات مبكرة او تشكيل حكومة طوارىء او الاستمرار في مفاوضات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لكن الخيار العملي الافضل هو في الاتفاق على تشكيل حكومة مستقلة من التكنوقراط من خارج الفصائل الفلسطينية وتحظى بالقبول من الشعب الفلسطيني .
موسى ابو عيد
[email protected]
شارك بتعليقك