ثائر ثابت - الجزيرة توك - نابلس
هذه هي المرة الأولى التي ازور فيها بلعين، تلك القرية التي يلفها الجدار الشائك المعدني، مبتلعا
أراضيها وأشجار زيتونها وبيوتها وحرية أهلها. برفقة زملاء لي، عرب وأجانب، هناك توجهت،
فالمعروف عالميا وإعلاميا انه وبعد صلاة كل جمعة يتجمع المتظاهرون وكل واحد منهم يبتدع طريقته
الخاصة في التعبير الاحتجاجي، فهناك لبس للمهرجين وعلم فلسطين وشعارات تندد ببشاعة المحتلين.
في بلعين، وليس في برلين، تصدم حين ترى كل من حولك هم من الأجانب من مختلف دول العالم، حتى
انك تشاهد "دعاة السلام الإسرائيليين"، لكن" للأسف" القلة تكون من الفلسطينيين، وبعد أن تصل
للسياج الشائك يبدأ الجيش مغامراته القمعية بإطلاق إنذاراته بمنع دخول المنطقة باعتبارها عسكرية ومغلقة.
بيد أن الكارثي هناك حين قنابل الغازل المسيل للدموع بالانهمار من كل حدب وصوب، كالأمطار
الغزيرة، لتتبعها الدموع وحالات الإغماء والتشنج وغيرها، ولا تنسى الرصاص المعدني المغطى
بالمطاط الأسود، بعد الغاز الكل يركض ويلعن الاحتلال والجدار.
في زيارتي لبلعين تحدثت مع متضامنين أسبان" كوني من العاشقين لأسبانيا شعبا وبلدا" وكانوا
معظمهم يلبسون ثياب تهريج زهرية اللون، على شفاههم ترتسم ابتسامة جميلة وفي عيونهم تدور
تساؤلات مفادها الحيرة والغضب والتعب.
حين تنتهي المسيرة الاحتجاجية ترى الهدوء يعاود بسط جناحيه على القرية، لكن لا يمكن لك أن
تتجاهل ذاك الجدار الفاصل، العازل، السرطاني، ينهش جسد الأرض ويتلذذ بجذور أشجار الزيتون
واللوز هناك، كله ليثبت شرعيته على هذه، بيد أن طعم التراب مجبول بالدم والألم والأمل لا يطيب
مذاقه، لأنه له أصحابه، الشرعيون الذين يسـتأهلون العيش بأمن واستقرار.
في طريقي للعودة تنظر لعيون الصغار حائرة، والزميلة الأجنبية تقول لنا :"سألتقط صورة لهذه
البنات"البلعينيات" ؛لان عيونهن رائعات، هي تأخذ الصورة وأنا انظر للون العيون وينعكس فيها معنى
آخر للصفاء وأتساءل بنفسي إلى متى سنعيش بحرية وبوطن أكثر كرامة، وأقرر"لحظتها"و بداخلي
أنني سأكتب حين أعود، انطباعاتي الشخصية ،عما رأيت وليس الإبداع في الوصف واللغة وإنما في
السرد العادي الطفولي .
أحببت بلعين قدرت ما استنشقت من الغاز المسيل للدموع وأكثر، وسأرجع مرة وأخرى وسأصور
للذكرى واغني للوطن... فطوبى لكل المتضامنين، ولعنة لكل الغاصبين، يسرقون حياتنا بجدارهم
وبهمجيتهم.
شارك بتعليقك