كتاب مخيم برج البراجنة للكاتب أحمد الحاج علي
صدر كتاب مخيم برج البراجنة ظل الموت والحياة للكاتب أحمد الحاج علي ويروي تاريخ المخيم من عام 1949 حتى عام 2006 وهذه هي المقدمة:
تمهيد
بدأت فكرة تأليف كتاب عن مخيم برج البراجنة في خريف عام 1992، ففي ذلك الوقت انتقلت للدراسة في مدرسة ثانوية لبنانية، حيث إن وكالة ((الأنروا)) لم تكن قد افتتحت مدارس ثانوية في بيروت. ولما علم زملائي اللبنانيون بأنني أعيش في مخيم بدأت الأسئلة تنهال عليّ: كيف هي حياة الخيم، ولماذا لا تعودون إلى فلسطين، وما هو مأكل السكان وغير ذلك من الأسئلة التي تنمّ عن عدم معرفة المخيم ولا بكيفية اللجوء القصري لأبنائه، فضلاً عن جهل بالأوضاع الإنسانية المزرية لسكانه.
منذ ذلك التاريخ بدأت أشعر بضرورة وضع مؤلّف عن المخيم يفصّل كل التفاصيل اللابشرية التي يحياها بشرٌ في تلك البقعة المنسية في القاموس السياسي اللبناني الرسمي إلاّ حين تُستحضر عفاريت (التوطين) و (الجزر الأمنية). وبقيت الفكرة تسبح في فضاء الأمنيات حتى طرحت المنظمة الفلسطينية لحق العودة ((ثابت)) مشروعها لوضع مؤلّفات تتناول تاريخ المخيمات، وكان لنا شرف تكليفنا بوضع كتاب عن مخيم برج البراجنة.
وواجهتنا عدة صعوبات أثناء وضع الكتاب وإجراء المقابلات منها:
- إن الذين شهدوا تأسيس المخيم هم بمعظمهم توفّاهم الله، ومن تبقّى إما هو خارج الأراضي اللبنانية، أو قد بلغ به العمر مبلغاً لا يسمح له بالحديث المطوّل بسبب اعتلال الصحة. ولم يبق في المخيم من مؤسسيه إلا واحد هو حسن الخليلي وقد بلغ من العمر 95 عاماً ؟أطال الله في عمره-، وعندما ذهبنا إليه للقائه كان قد توقفت لديه ؟تماماً- القدرة على الكلام. أما من يسكن خارج المخيم، من المؤسسين، وما زال على الأراضي اللبنانية، فلم نجد سوى اثنين هما: سامي كمال فاعور، البالغ من العمر 92 عاماً، وقد استطاع التحدّث بما سمحت له صحّته. أما الثاني فهو محمود كمال فاعور، ورغم حداثة سنّه عند التأسيس فقد أفادنا كثيراً في هذا المجال.
- قلّة المصادر التي تتحدّث عن مخيم برج البراجنة، ووقوع بعض هذه المصادر، على قّلتها، بأخطاء، أوجب علينا أن لا نعتمد عليها بتاتاً إلا بعد إجراء أكثر من مقابلة لتوثيقها.
- لم أكتفِ بمعلومة سردها شخص قابلته، بل سعيت إلى توثيقها من خلال شخص آخر أو أكثر عايشوا المرحلة، لأن الذاكرة قد تخون صاحبها، أو يلعب الهوى دوراً في سبيل تحريف واقعة، لنفي شائبة عن شخص أو رفع مقام آخر. كما أن تدوين المذكرات كان غائباً عن كل من عايش المرحلة، من هنا كان لزاماً علينا مقابلة عدة أشخاص من أجل تثبيت معلومة أو نفي أخرى.
وتجدر الإشارة إلى عدة ملاحظات منهجية حاولنا اتباعها في هذا الكتاب:
- لم نسعَ إلى الإطالة والإطناب إلاّ في حالات قليلة جداً وبما يخدم سياق الأحداث، وذلك نظراً إلى تعدّد عناوين الكتاب، مما اضطرّنا إلى الاختصار في معظم الأحيان، لكن دون إخلال ببنية الكتاب. فمثلاً حرب المخيمات لوحدها لو انسقنا وراء التفاصيل لأمكن وضع كتاب خاص بهذه الحرب، لكنّ المقصد كان أبعد من ذلك وأعمّ، ولعلّه أنفع إن شاء الله.
- ولعلّ من أسباب ابتعادنا عن التفاصيل، هو اتجاهنا أن لا يكون الكتاب لقرّائه في مخيم برج البراجنة فقط، بل أردناه كتاباً يحكي حكاية كل مخيم في لبنان بنجاحاته وإخفاقاته.
- حاولنا قدر الإمكان تلافي ذكر الألقاب و(الأبوّات) بشكل خاص، ولم نورد إلاّ بعضاً منها، إذا وجدنا أن الشخص غير معروف بتاتاً باسمه الأول.
- في الأحداث السياسية الحسّاسة أوردنا الاسم الأول للشخص مع الحرف الأول لاسم عائلته، وذلك لأن معظم الذين قابلناهم طلبوا عدم ذكر الأسماء كاملة خشية على صاحب الاسم، أو بسبب وجوده في دولة يخشى فيها الملاحقة إذا علمت بماضيه الثوري! وفي بعض الحالات ذكرنا الاسم كاملاً إما بسبب وفاة الشخص، أو موافقته على ذلك.
- في باب الشخصيات، لم نقصد من ذكر بعضهم إحصاءاً، بل تدليل على قوة حضور المتعلّمين في المخيم، وخصوصاً أصحاب الشهادات العليا، وألئك الذين وصلوا إلى مراكز اجتماعية مهمة. وذكرنا فقط الذين ولدوا أو عاشوا في المخيم ردحاً من الزمن، ولم نذكر أولئك الذين وُلدوا خارج المخيم، ولو كان آباؤهم من ساكنيه قبل أن يغادروه.
- المدة الزمنية التي يتناولها الكتاب هي ما بين التأسيس في العام 1949 و العام 2006، وتمّ الإشارة سريعاً إلى بعض الأحداث في العام 2007 دون التوقف عندها.
الكتاب يؤرّخ لمخيم برج البراجنة كعنوان سياسي لقضية لا تُطوى إلاّ بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم التي هُجّروا منها. يحكي الهجرة القصرية، استقبال اللاجئين، كيف وُهبوا الأرض لبناء خيمهم، وبأية طريقة ناضلوا من أجل التعليم.
وكذلك يروي الكتاب إصرار الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة على العودة، وكيف انتموا إلى الأحزاب مبكراً، وعاشوا الصراعات الفكرية، التي تمحورت بمعظمها حول الطريق الأقصر للعودة إلى فلسطين. وحيث كانت الحوارات الحزبية دائمة حول سُبل تحقيق العدالة ونيل الحقوق. وكلّ هذه الحوارات لم يدخلها، في العقدين الأولين على الأقل، المحرّمُ من أساليب تصفية الحسابات، فقد كانت النخبة المتعلّمة، صاحبة الأفكار الوحدوية، هي قائدة المجتمع ورائدته.
يروي الكتاب الملاحقات الأمنية للناشطين السياسيين، وفرار بعضهم إلى خارج البلاد، واغتيال البعض الآخر، إضافة إلى قائمة الممنوعات بحق اللاجئين الفلسطينيين في المخيم. ولا يفوته الحديث عن الهجرة والصحة وكل التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية.
يُحاول الكتاب، رغم مرارة الشتات وعلقم حكاياته، أن يكون ممتعاً من خلال إيراده لبعض القصص المشوّقة، والطرف المستدعية للبسمة، والتي تفيد السياق السرديّ للكتاب، وتمنع الملل.
يرنو الكاتب إلى جعل كتاب مخيم برج البراجنة تأريخاً لكل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وذلك ما أراده من خلال مقابلاته لشخصيات فلسطينية عايشت المرحلة، وفاق عددها الخمس وستين شخصية.
أخيراً، لا ندّعي الكمال في هذا الكتاب بل قد نكون وقعنا بأخطاء، ومن يهمّه التصويب أملاً في التصحيح في طبعات أخرى إن شاء الله، يُرجى الاتصال على رقم الجوّال التالي: 00961-3-083196
أو المراسلة على عنوان البريد الإلكتروني: [email protected]
شارك بتعليقك