ظاهرة التّسلّل إلى الأراضي المحتلة:
انتشرت ظاهرة التّسلّل إلى الداخل الفلسطيني في نهايات فترة الإنتداب البريطاني واستمرت كذلك بعده, ويبدو أنها كانت ظاهرة عامّة في جميع القرى الحدودية.
وبالنّظر لكون دير بلوط أصبحت قدَراً بين عشيّة وضُحاها قرية حدودية بعد نكبة عام 1948, فقد عانت الكثير من المتاعب على إثرها, وعلى رأسها وأبلغها تأثيراً كان هاجس الخوف الذي انتاب البلاد عامّة والقرى الحدوديّة خاصّة بعد مذبحة دير ياسين, فقد كان الناس متأهّبين للفرار بأنفسهم وما تطاله أيديهم من متاع قليل عند أوّل دلالة أو بادرة تحرّك من العصابات الصهيونية باتّجاههم, وكان هنالك من العيون من أهل البلدة من يتطوّعون ويسهرون لمتابعة هذا الأمر بعيد النّكبة, ومنهم على سبيل المثال المرحوم علي المحمود (أبو محمد).
وقد حصل أن فرّ أهل البلدة كافة في تلك الفترة العصيبة إلى منطقة سوسية إثر إطلاقه النار على بعض المتسلّلين اليهود وأرداء أحدهم قتيلا حيث حمله الباقون ورجعوا أدراجهم خائبين. وتكرّرت عملية الفرار هذه أكثر من مرّة عند الإحساس بأي هاجس .
هذا من جانب, ومن جانب آخر, فقد آوت القرية الكثير من لاجئي النكبة برغم تواضع الإمكانيات المتاحة في حينه, إلى درجة أن بعضهم قد سكن كما هو معلوم في خرائب دير المير ومغارة دير قلعة, ثم انتقلوا والكثير غيرهم لاحقاً إلى أماكن أخرى طلبا للرّزق والمعاش, ونظرا لهشاشة الوضع الأمني وقتها, فقد زاد ذلك من مخاوف أهل البلدة على أنفسهم وعلى من آووهم على حدّ سواء.
بالعودة إلى الوراء قليلاً وما قبل النكبة بقليل, وبالنظر لشحّ الموارد في حينه, فقد كان الكثيرون يخاطرون بأنفسهم ويتسلّلون إلى الكامب الإنجليزي في رأس العين وما جاوره بُعيد انسحاب الإنجليز منه ويأخذون ما يجدونه أمامهم حتى قضبان السكك الحديدية التي استعملوها للبناء, وقد استمرّت ظاهرة التسلّل تلك حتى ما بعد النكبة كما أسلفنا. وكان من ضحايا تلك الظاهرة في بلدتنا المرحومان أحمد محمود مصطفى (أبو زهدي) ويوسف عودة مسعود. ولكن ذلك لم يثنِ الآخرين عن الإستمرار في هذا النّشاط إلى درجة أن تهديد البلد وأهلها بات يُسمع علانية من محطة إذاعة العدوّ, وكان لقب المذيع وقتها هو النّاطور.
ويجدر بالذكر هنا أنه كان من ضحايا ذلك الوضع الأمني الهشّ آنئذ هو المرحوم حميدة المصطفى (أبو عودة) والذي بقيت قصّة مقتله لغزا حيّر الكثيرين, حتى تبيّن في وقت لاحق أنه قد قتل بأيدي حرس الحدود اليهودي على مشارف قرية كفر قاسم.
ولضبط الوضع الأمني ذاك, فقد قامت السّلطات الأردنيّة من جانبها وقتئذ باتخاذ الإجراءات التالية:
1. إنشاء وتحديد ما سُمّى بالمنطقة الحرام قبل الحدود وحظر الدّخول إليها لأيّ كان حتّى الرّعاة. وقد كانت كرابيج مخفر الشّرطة بانتظار من يدخلها تحت أيّ مبرّر كان. ومن المؤسف في واقع الأمر أنها كانت حراما على الجانب العربي فقط.
وهنا قصّة طريفة على الهامش: بالَإضافة إلى مخفر الشرطة, كان يتواجد في البلدة سريّة من الجيش الأردني "السرّية جزء من كتيبة", ولما لاحظ قائد الكتيبة وفرة المراعي في المنطقة الحرام تلك, فقد أحضر أغنامه من شرق الأردن وكلّف أحد أنفار السريّة برعيها له فيها دون سواه. وعند هزيمة 1967, ما كان منه إلا أن حمّلها (أي الأغنام) في سيارة تموين السريّة شرقا وترك الأنفار ينسحبون مشياً على الأقدام.
2. منع المهاجرين من مزارعي عرب الجرامنة وأهل المجدل من استعمال ما تبقّى من أراضيهم الزّراعية في تلك المنطقة, وقد تجاوز ذلك إلى حدّ منعهم من استعمال الأراضي المتاخمة لها في الجبل الأزرق وأم الحمّام وأم القباء.
3. ترحيل اللاجئين المتواجدين في المناطق الحدودية على يد سلاح الفرسان وإرسالهم قسرا إلى المخيّمات التي أنشئت لاحقا, وعلى سبيل المثال تمّ ترحيل الكثيرين من عرب الجرامنة وعرب أبو كشك وغيرهم في منطقتنا إلى مخيّم بلاطة.
4. تشكيل ما سمّي بالحرس الوطني وإلزام شباب القرى الحدودية للإنخراط فيه, وكان ذلك براتب قدره 199 قرش شهريا, وكان قد أنيط بهذا الحرس مهمة مراقبة الحدود ليلا ومنع التسلّل إلى الغرب. وكان من ضحايا ذلك التّرتيب الأمني للأسف هو المرحوم محمود العبد الحليم (أبو عزّت).
وللعلم, فقد كان التسلّل بُعيد 1948 في اتجاهين, بمعنى أنه كان هناك متسلّلون من الغرب إلى الشرق بالمثل وخصوصا لسرقة الحلال الذي قلّ إلى حد كبير في الأراضي المحتلة بُعيد الهجرة.
إستمرّ الوضع على هذا المنوال حتى عام 1967, ولكن عمليات التّسلّل خلال تلك الفترة لم تنتهِ بشكل نهائي وبقيت بين مدّ وجزر وإن كانت قد قلّت إلى حدّ ما في وقت معيّن. ولا بدّ أن الكثيرين من المعاصرين على دراية بالكثير من قصص ومغامرات رجالات تلك الظاهرة.
ملاحظة: المجال مفتوح لأيّ مساهمة إيجابية أو إضافة تتعلّق بهذا الموضوع.
شارك بتعليقك