المهرجون، المصفقون والمغفلون وهراء الحوار الداخلي.
بقلم: حامد أبو مخو
أرقب بفتور بالغ حال الحوار والمصالحة في القاهرة من خلال المكتوب والمسموع والتصريحات المعلنة من قبل الأطراف المشاركة، وأحس بغصة تكاد تخنقني للكم الهائل من التناقضات والتخريصات التي لا يمكن أن توصف إلا بأنها غبية ومستهترة بالإنسان والقضية والوطن والمواطن.
ولأنني اقدر حجم المعضلة التي نعيشها، وأهمية الحوار لتغيير ما نحن فيه فقد حاولت أن افهم هذه التصريحات محاولا تصنيف المعلقين والملاحظين والمتابعين عليها، لأحكم على جدية هذا الحوار ومدى مصداقية المتحاورين، وقد توصلت إلى أن هؤلاء لا يخرجون عن ثلاث فئات ربما دون استثناء.
الفئة الأولى منهم هي فئة لا يمكن أن نسميها إلا بالمهرجين، وتشمل مسؤولي السلطة/ السلطات (القيادتين) في شطري الوطن، وبالخصوص مسئولي الفصيلين الكبيرين العدوين، واللذين يحاولان بكافة الوسائل إقناع الناس بان الحوار في القاهرة يستطيع حل الإشكال الداخلي وبأنهما موافقان على مسودة الورقة المصرية لولا بعض الملاحظات التي يوصون بتعديلها، الغريب هنا بان هذه الملاحظات الصغيرة تشمل فقط الأمور التي تتعلق بالأمن وإصلاح منظمة التحرير والبرنامج السياسي للحكومة العتيدة واليات رفع الحصار، هذه الأمور فقط، أما الأمور التي يرونها صالحة فالله وحده يعلم ما هي، ربما وجود حكومة بحد ذاته، وتشكيل اللجان والاجتماعات الموسعة والمصغرة وما إلى ذلك، ومن هذه الفئة أيضا مجموعة من كبار المسئولين في السلطة الذين يدلون بتصريحات لا يستطيع العقل البشري الربط ما بينها، أو بينها وبين الواقع الذي يعيشون أو على الأقل نعيش فيه...ففتح تراها عالما شاسعا لحد التناقض، وحماس تراها منغلقة على نفسها كأنها تحكم العالم من غزة، وكأنها تملي شروطا على دول مقررة مثل مصر مثلا، وهي قانعة، كما نحن متيقنون بان محيطها يعاديها كما يعادي جبريل الشيطان.
الفئة الثانية هي فئة يمكن أن نسميها بالمصفقين: فئة تشمل الكثير من الفصائل الفلسطينية التي لا يعرف أحد شيئا عنها غير أسمائها وأسماء مسئوليها وشعاراتها، إنها فصائل يلزمك لأن تراها الآن مجهرا مركبا، تراهم وتسمعهم يوافقون ويعارضون وينسقون، وكان أيا منهم يملك تأثيرا خارج نطاق منزله(إن ملكه)، فكيف بتأثيره في مشكلة كهذه؟ لا مكان فيها إلا لصاحب قوة أو إمعة لأحد الطرفين؟ وتشمل هذه الفئة أيضا كذلك، كوادر الحركتين الكبيرتين اللذين ويا للهول، يكاد الزمن يكون قد تجمد بهم عند لحظات معينة، فالفتحاويون منهم يصمون أذانك بالكلام ليلا ونهارا وفي كل مناسبة عن أمجادهم الغابرة، وعن دورهم التاريخي وأسبقيتهم في النضال والمفاوضات، ورعايتهم للفسائل الصغيرة، وكذلك عن ضرورة العودة عن الانقلاب قبل الحوار، والحمساويون من طرفهم تراهم يهدرون ليلا نهارا بأنهم فئة المقاومة وأنهم من يقف اليوم سدا منيعا ضد المساومة والاستسلام، تراهم جميعا يصفقون كالمجانين ولا يربطهم بالواقع شيء أبدا، فلا أمجاد لهؤلاء اليوم... ولا مقاومة لأولئك منذ أمس، ولن تعود الأمور لما قبل الانقلاب/ الحسم أو أيا كان اسمه حتى لو انعقدت على ذلك العزائم، فعلى ماذا تصفقون.. أيها المصفقون؟
الفئة الثالثة وهي الأكبر وتمثل فئة المغفلين، وتشمل جموع الغوغاء والعامة، الناس العاديين والبسطاء وغير المسيسين أو غير ذوي الأطماع من الطرفين، لا يمكن أن نصفهم بأقل من مغفلين لأسباب عدة، فهم يصدقون، أو يريدون أن يصدقوا بان هدف الحوار هو إعادة اللحمة للمنقسمين، والوحدة والاتفاق على رؤية وبرنامج، وما أغباهم في ذلك، إنهم يتحاورون على تقاسم كعكة السلطة وثرواتها(تماما كما هو الحال في السودان وتنزانيا وغيرهما)، أو على الأغلب يخططون ويرتبون للمواجهة القادمة التي ينتظرها الطرفان بفارغ صبر، وكل يريدها في مكان وزمان مختلف، فهي إذن هدنة المحارب التي يبدو بان كلا الفريقين يحتاجها لأسباب تخصه، إنهم يتآمرون: الجميع ضد الجميع، والجميع عليكم، إنهم يقسمون الوطن عنوة، فاليوم سلطة واحدة يختلفون على شرعياتها، وغدا سلطتين وشرعيتين وقيادتين.
إنهم يخادعون: يخادعون بعضهم ويخادعونكم، ألا تصدقون ذلك؟ إذن فلتتذكروا أيمانهم ودعواتهم في ظلال البيت العتيق قبل سنتين، ولتتذكروا المباحثات في القاهرة واليمن والسنغال، أو عليكم ربما أن تفكروا في طبيعة الحكومة التي يتحاورون على تشكيلها، لا يريدونها حكومة وحدة وطنية: يقترح البعض حكومة تكنوقراط ويفضل الآخرون حكومة توافق وطني، ولكل منهم وجهة نظر في هوية أعضائها وانتماءاتهم السياسية، وايا كان اسم هذه الحكومة وطبيعتها، فهم يريدون لها أن ترتب للانتخابات وترفع الحصار، ترى كيف سترفع الحصار؟ إذا سلمنا بان الحصار هو من طرف إسرائيل، وإذا كانت حماس غير معنية بالاعتراف بمقررات الشرعية الدولية؟
يريدون إنجاز الانتخابات؟ احمد عبد الرحمن وهو قيادي كبير في فتح ومتحدث باسم الرئاسة ومسؤول الإعلام في السلطة يقول: لا علاقة لحماس بالانتخابات لا من قريب ولا من بعيد ولا علاقة لها بتحديد مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية؟ إذن من الذي سيحدد لكم مواعيدها أيها المتحاورون؟ وكيف ستتوافقون عليها؟
هل الوضع في الضفة والقطاع اليوم بحاجة لكل هذه الفذلكات والمناورات والوساطات؟ هل إنهاء الوضع جذريا بحاجة إلى كل هذا الهراء؟ منطق الأشياء وببساطة شديدة يقول بان الحل النهائي لأوضاعنا الحالية (وليس لقضيتنا) يتطلب القليل من الإجراءات والكثير من الإرادة والحزم والثقة والمصارحة، العبد الفقير كاتب هذه السطور وكفلسطيني عايش الانكسارات التي مرت خلال سنين عمره يرى بأن الخروج من هذا الوضع يتمثل في آلاتي:
؟ تمثيل كل القوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية في منظمة التحرير تمثيلا حقيقيا يناسب حجمها، والابتعاد عن المجاملات القاتلة، فلا شخصا لان أبو عمار يحبه، ولا تنظيما لأنه انشق ولا مجموعة من الشخصيات لأنها تاريخية أو اعتبارية( الجهاد أولى من الجبهات الفلسطينية والعربية، وحماس أولى من ياسر عبد ربه، والمبادرة أولى من سمير غوشه).
؟ تنقية الأحزاب والأجهزة الأمنية من غير الوطنيين والشرفاء، وتنقيتها أيضا من المتعصبين وان اقتضى الأمر أن نلفظهم بعيدا إلى جهنم، ولا مجاملة أيضا في ذلك: في هذا الوقت لا نريد أشخاصا ولاؤهم لغير الوطن.
؟ وقف "المفاوضات والمقاومات" حالا في هذه المرحلة تماما، ليس لنذهب منتحرين في عمليات استشهادية أو تحت قصف إسرائيلي أو في عمليات مقاومة غير مجدية، ولن تحقق لنا شيئا في ظل هذا الضعف المهين الذي نعيشه، فلن نقضي حياتنا في مفاوضات لا نخرج منها إلا بمزيد من التنازلات والوعود، فلنقرر شيئا واحدا: لن نفاوض إلا متحدين ومتفقين ومعا، ولن نقاوم إلا معا، ولنخرج مرة والى الأبد من متاهة التصنيف الأرعن.
؟ لنبدأ ببناء مجتمعنا برؤية واضحة، لنتفرغ للتعليم والصحة وبناء المؤسسات بعيدا عن التوظيف والأمن السياسي، لنتفق على عدم التفكير بالحل النهائي قبل عشرة سنوات على الأقل، ولحينها يبدل الله حالا بحال، وان فاوضنا أو قاومنا، سيكون حالنا أفضل بكثير مما نحن عليه اليوم.
ترى هل هذا الكلام خيالي؟ ربما هو كذلك عند المتحاورين فقط، فسيدعون بأنهم يفكرون بواقعية وعن خبرة، وللحقيقة نقول لكم: أثبتم بأنكم خلاقون في التصريحات الصحفية، والتعليقات السياسية، ومبدعون في اختلاق الفتن وأسباب التشرذم، ولكنكم عاجزون عن اتخاذ قرار حقيقي واحد لا يراعي مصالح أسيادكم.
أيها السادة المتحاورون: انتم لستم جزءا من المشكلة، ولستم كذلك جزءا من الحل، أنتم بنهجكم السابق ونهجكم في الحوار تمثلون المشكلة بحذافيرها،
فلترحمونا أيها المتحاورون في القاهرة، والفضائيات والشوارع.
فلترحمونا: مهرجون ومصفقون ومغفلون.
رام الله
25/10/2008
شارك بتعليقك