المسجد العُمري في جباليا
يوجد في مدينة جباليا جامع قديم بمنارة ظاهرة، فعندما أصبحت فلسطين جزءاً من الدولة الإسلامية، وتعرب سكانها، وتعربت لغتها بامتزاج أبنائها في ظل الحضارة الإسلامية، ودخل الإسلام في هذه البلدة في سنة ستمائة وستة وثلاثين ميلادية، دخل الناس في دين الإسلام، وشيد المسلمون الأوائل بعد عام 27هـ جامعاً لهم في جباليا تجمعت مباني القرية حوله وأصبح جامعها الكبير، وعرف باسم جامع جباليا، ولقب بالعُمري نسبة للخليفة عمرو بن العاص لأن فكرة إنشائه تعود للعهدة العمرية كما ذكر أحد كبار السن في البلدة، وكانت تقام فيه صلاة الجمعة ومعظم المناسبات الدينية، وهو جامعٌ أثري قديم بُني على الطراز الهندسي الإسلامي القديم بمنارة ظاهرة وله أوقاف وافرة، وقد ظهرت لصالحه أوقاف عديدة وردت في الوثائق الرسمية عن مأمورية أوقاف غزة سنة ألف وتسعة مائة وستة وعشرين ميلادية، مما يؤكد على تاريخ وحضارة المسلمين في جباليا، وربما كان المسجد بدون مئذنة حتى الفترة العثمانية، وكان هو المدرسة وفيه ألواحٌ من الصفيح يكتبون عليها، وكانوا يستقبلون فيه ضيوفهم الوافدين إليهم من أهل العلم وغيرهم، وكان فيه أهلٌ للعلم والعلماء، فلا بد من ذكر بعضهم كالشيخ محمود أبو النعيم حمودة إمام وخطيب الجامع العُمري القديم، والمأذون الشرعي الشيخ حسن معروف وغيرهِ ممن ورثوا العلم ودرسوه في الجامع القديم، فكان الناس ينظرون إليهم نظرة احترام وإجلال ؛ فلا ينادوهم إلا بسيدي الشيخ، فضلاً على ذلك فقد كان المسجدُ مركزاً للتعليم وحفظ القرءان الكريم.
والجدير ذكره أن الوثائق الرسمية الصادرة عن مأمورية أوقاف غزة سنة 1926م، مكتوبُ فيها أن مأمور إمارة أوقاف غزة " محيي الدين شهاب "، قد ذكر جامع جباليا في الوثيقة رقم (33) الصادرة عن مأمورية أوقاف غزة في السادس من تموز سنة 1926م، " إن أهالي قرية جباليا منذ حضوري إلى غزة وهم يطلبون بإلحاح تعمير جامعهم، وفي كل سنة إدارة الأوقاف توعدهم بتعمير الجامع فلم يتيسر، لذلك اضطررت للذهاب على القرية وكشفت على الجامع بمعرفة معماريين وأرباب خبرة، فوجدت الجامع أثري قديم خرب يحتاج ترميم وتبليط وإصلاح بيت الطهارة، ووجدت في الأهالي غيرة دينية زائدة واشتياق عظيم واهتمام بتعمير الجامع، فقدرت المصروفات اللازمة للتعمير، فبلغت تسعون جنيهاً تقريباً، وتعهدت الأهالي بدفع إعانة للجامع مقدار ثلاثون جنيهاً وتقديم الرمل والماء اللازم والمساعدة اللازمة، حيث أن واردات الجامع عبارة عن مائة جنيهاً ولم يصرف سنوياً عليه إلا مقدار خمسون جنيهاً ولم يصرفن سنين عديدة، لذلك ارجوا إصدار الأمر بإعطاء تحويله مالية بستين جنيهاً والكشف المعطى من هيئة الكشف مع سند التعهد المأخوذ من الأهالي والثلاثون جنيهاً متمات نقداً ". وعند الرجوع إلى الوثائق ومقابلة بعض العارفين بتاريخ القرية من كبار السن فإنهم يؤكدون على أن الجامع أثري قديم، والاعتقاد الجازم أن الجامع عُمري في الأصل، بدليل أن الجامع مبني على الطراز الهندسي الذي بني عليه الجامع العُمري بمدينة غزة، وهما من نفس الحجارة والطين، والاعتقاد الجازم أنهما قد أنشئا في العهد العُمري بعد عام 27 هـ، والمقصود هنا المبنى المسجد العُمري الذي أدمج إلى المعبد القديم بعد الفتح العُمري لفلسطين، وهو من عمارة المسلمين الأوائل الذين نزلوا غزة في العصور العربية الإسلامية الأولى، بدليل أنه يوجد معابد وحجارة قديمة ما زالت منذ زمن / عيسى عليه الصلاة والسلام.
وفي إحدى المقابلات ذكر الحاج / موسى محمود ياسين المطوق- وهو من مواليد جباليا سنة 1922م ي، أنه وجد حوض عرفه المسلمون الأوائل باسم (السقاء) مبني من الحجارة القديمة على عمق ثلاثة أمتار أثناء أعمال الحفريات التي قام بها في الجامع سنة 1947م، وكان معه الحاج / داود عسلية ي، وأن المئذنة هي من أعمال المماليك، ووجدت صخرة منقوشٌ عليها تاريخ تأسيسها باللغة التركية، وقد أتلفت بسبب الإهمال أثناء أعمال الترميم والإصلاح بالمسجد سنة 1987م، وإن نوعية الحجارة تختلف عن حجارة الجامع العُمري من حيث الحجارة والطراز الهندسي، وهي مفصولة عن المبنى القديم، ويذكر الحاج / عبد الرحمن محمد عبد العزيز شهاب، وهو من مواليد بلدة جباليا سنة 1925م، أن الجامع كان مبلط بالحجارة والصخور وله أعمدة يبلغ عددها تسع أعمدة على ارتفاع ثلاثة أمتار ومصممه على شكل أقواس وقاعدة كل منها 2mX2m، وكان للجامع مدخلان: المدخل الأول من الشرقِ ينزلون منه بأربع درجات، والمدخل الثاني من الجنوب ويوجد بجواره حوض مياه يسمى (السقاء)، وله طُرقة تصل إلى الباب الغربي ينزلون منه بأربع درجات أخرى، وكان قائماً منذ زمن طويل، وقد عمل فيه مؤذناً من بعد والده الشيخ / محمد عبد العزيز شهاب، وكان إمامه الشيخ / محمود أبو النعيم حمودة آنذاك، ومؤذنه وخادمه الشيخ / محمد مسعود، وكان له سقاء وهو الشيخ / أحمد خليل حمودة، ثم تولى الجامع من بعده الشيخ / محمد محمود أبو النعيم (حمودة)، وعمل فيه مدرساً وإماماً وأنشأ أول جمعية تطوعية لتحفيظ القرءان الكريم في جباليا، ثم كان دور الشيخ / ربيع محمد حمودة إماماً وخطيباً للجامع، والذي عمل في ميدان التربية والتعليم مفتشاً للتربية الإسلامية وحصل على وسام الشرف آنذاك، وعمل معه الشيخ / عبد الرحمن حمودة مؤذناً ومحفظاً للقرآن الكريم، ثم تعيين أبنه الشيخ / عبد الكريم حمودة مؤذناً من بعده، ثمّ كان الشيخ / محمود جميل دردونة إماماً وخطيباً للجامع وعمل الاستاذ الشيخ / منصور أحمد منصور أبو الحسنى نائبا متطوعا في الامامة لابي جميل، وكان الشيخ/ خليل سعيد حمودة مؤذناً ومحفظاً للقرآن الكريم، ثم تم تعيين ابن عمومته الشيخ / عبد الحليم حمودة محفظاً للقرآن الكريم وبعد ذالك أصبح مفتشآ في اوقاف الشمال وحل مكانة في التحفيظ الشيخ عطاالله منصور أحمدأبو الحسنى، ونظراً لتزايد المصلين في الجامع، فقد تم بناء الجزء الجنوبي من الجامع سنة (1967م)، وفي عام (1425هـ / 2004م)، تم تشكيل لجنة إعمار للجامع العُمري، وقد أخذت هذه اللجنة على عاتقها جمع الأموال من أهل الخير لتوسيع وتطوير الجامع ابتدأ من صبيحة يوم الأحد الموافق/1/8/ 2004م، لتصبح مساحته نحو(1920متراً مربعاً)، ويتكون من طابقين علويين ومئذنة، ليكون رمزاً دينياً وصرحاً شامخاً في مدينة جباليا.
شارك بتعليقك
فالحجارة والطين كانت تستخدم في بلادنا (فلسطين) قبل الإسلام.