الأسر في رحلة جلها عزة وفخار
جنين / صابرون - 2002-03-31
هو مقاتل من حماس استقر به المقام في هذه الايام في سجن عسقلان ، شاب في السابعة والعشرين من عمره ، يدرس الشريعة في جامعة النجاح الوطنية في نابلس ،حاضنة الاستشهاديين ، نما حب الجهاد في قلبه منذ نشاته الاولى ، هادئ النفس ، قليل الكلام ، كثير العمل ، كتوم وجلد صبور ، وهو الى جانب كونه طالبا جامعيا فهو حلاق ماهر ، الا انه لم يكن يعمل في صالون حلاقة في بلدته 'جلقموس' كما باقي الحلاقين ، بل كان حلاقا قساميا ، وتلك مهمته ، فهو يحلق للاستشهاديين ليكونوا على الهيئة المطلوبة او للمطلوبين ليسهل عليهم مهمة التنكر ، محمد القرم ، من بلدة جلقموس قرب جنين ، هو صاحب هذه الشخصية الجذابة ، لقد ارتبط عمل محمد في كتائب القسام في الانتفاضة الحالية بثلة من قادة كتائب القسام المعروفين الذين عرفهم اما في فترات سجنه المتلاحقة ، اوخلال دراسته الجامعية ، فكانوا اخوة متحابين وقساميين مقاتلين ، تحت امرة رجل واحد هو الشيخ القائد الشهيد يوسف السوركجي ، اضافة الى محمود ابوهنود ، جاسر سمارو ، نسيم ابو الورس ، كريم مفارجة ، ايمن حلاوة ، احمد ابو مرشود ، سليم حجة ، ماهر حبيشي ، تلك هي بعض من الاسماء اللامعة التي مازات حاضرة في ذهن هذا المقاتل ممزوجة بذكريات الالم والامل ، البطولة والتضحية ، في ليلة ماطرة من شتاء هذا العام وفي شهر كانون الثاني من هذا العام ، اقتحمت القوات الخاصة الصهيونية بلدة جلقموس ، وحاصرت منزل محمد ، وطالبت جميع افراد اسرته بالخروج من المنزل والا فانهم سيقومون بنسفه ، يخرج الجميع باستثناء محمد ، وعبر مكبرات الصوت يكرر الجنود تحذيرهم بأنه ان لم يخرج محمد من المنزل فانهم سيقومو بتفجيره ، ويخرج لهم محمد هذه المرة ، ليتعرض بعد ذلك الى تحقيق قاس ، فهو بؤرة من بؤر المجاهدين الصلبة ، ورجل يعمل مع النواة الصلبة في كتائب القسام ، وبعد عدة اشهر من التحقيق ينقل الى سجن عسقلان حيث يمكث الان ينتظر حكما بالعديد من المؤبدات ، فاولى التهم الموجهة اليه ،هي نقل الاستشهادي ماهر حبيشي من نابلس الى حيفا وتجهيزه ، حيث نفذ عمليته البطولية التي ادت الى مقتل 15 صهيونيا وجرح العشرات في خضم عمليات الثار للشهيد ابوهنود ورفاقه ، وثاني تلك التهم هي تاسيس خلايا عسكرية لحماس في منطقة جنين قامت بعمليات زرع عبوات ناسفة لسيارات العدو العسكرية ونفذت العديد من الاشتباكات المسلحة ، واما ثالثها فقد كان ايواء قادة القسام مثل محمود ابوهنود والشيخ يوسف السورجي وابوالروس وسمارو وغيرهم والقائمة طويلة ، رحلة محمد القرم مع الجهاد والاعتقال لم تبدا من هذه المرحلة ، اذ كان اول اعتقال له في العام 1989 ، حيث تعرض حينها الى تحقيق قاس في سجن جنين المركزي ، اطلق سراحه بعدها نتيجة صلابته اثناء التحقيق ، وبعد ذلك بدات رحلته مع العمل العسكري ، فكان يقوم بتصنيع الاسلحة الرشاشة تصنيعا يدويا ، وكان يتقن تصنيع رشاش قريب الى رشاش الكارلو المعروف ، ،الا انه اعتقل على حاجز صهيوني بعد ذلك في العام 1993 وبحوزته رشاش وكمية من الذخيرة اعتقل اثرها لمدة عامين كاملين تنقل خلالها بين العديد من السجون في مجدو ونفحة والنقب ، وقد عمل خلال هذه الفترة في التحقيق مع العملاء داخل السجون ، مما عرضه الىملاحقة المخابرات الصهيونية حتى وهو داخل المعتقل ، حيث تمت اعادته الى التحقيق من جديد فتم تمديد محكوميته لتصل اثر ذلك الى خمس سنوات قضاها جميعا في سجون الاحتلال ، ليفرج عنه بتاريخ 1/8/1998 ، لم يلتفت محمد بعد ان خرج من سجنه الى متاع الدنيا الغرور ، ولم تحدثه نفسه الا بالجهاد ، فقد نذر نفسه لمقاومة المحتل حتى آخر يوم في حياته ، وعليه فلم يتأخر طويلا التحاقه بكتائب القسام من جديد ، فالتحق مباشرة بجامعة النجاح ، وبدا عمله يتجذر في الكتائب مع انطلاقة انتفاضة الأقصى ، وعمل في البداية تحت الإمرة المباشرة لرفيقي دربه الشهيد المهندس ايمن حلاوة الذي اغتيل بتفجير سيارته قبل نحو تسعة اشهر ، وكذا المعتقل سليم حجة احد اركان كتائب القسام في انتفاضة الأقصى والذي يقبع الان في سجون السلطة الفلسطينية التي اعتقلته منذ عدة اشهر ، وبعد ان قامت السلطة الفلسطينية بإطلاق سراح المعتقلين السياسين لديها بفعل المطالبة الشعبية القوية بذلك ، خرج من سجون السلطة ثلة من القساميين الاوائل والذين تربط محمد بهم علاقات وثيقة ، فمن محمود ابو هنود ،الى السوركجي ،الى جاسر وابو الروس ومفارجه، ولقد حول محمد من بلدته جلقموس ومن قرية الزبابدة المجاورة لها الى قلعة للقساميين ، أصبحت المأوى الذي يأوون إليه ، واصبح بيت محمد القرم عرينا قساميا ،فتارة ينام فيه ابوهنود ، وتارة يطرق الليل طارق ، فاذا به الشيخ يوسف السوركجي ، ومعه مرافقيه الدائمين جاسر سمارو ونسيم ابو الورس وكريم مفارجة ، وفي ليلة اخرى تجد المعتقل سليم حجة وقد حضر ومعه فلان وفلان وفلان ، لقد شكلت قرية جلقموس ومحيطها مكانا هادئا لقيادة كتائب القسام ، فهو مكان بعيد عن أعين الصهاينة ، اذ لا يخطر في بال أحد ان تكون قيادة القسام قد التجأت الى هذه القرية الصغيرة وخرجت من أعماق نابلس ، حيث قام محمد باستئجار شقة لهم في قرية الزبابدة القريبة من الجامعة العربية الأمريكية في جنين ، وقد اوهم صاحب الشقة بان الذين سيسكنون في هذه الشقة هم طلبة طب أسنان في الجامعة ،وقد مكث فيها القساميون اشهرا طويلة ، وجعلوا منها معملا لمتفجرات القسام ، ومن شدة السرية فان صاحب هذه الشقة لا يعلم الى الان من هم الذين كانوا يسكنون في شقته رغم ان الأمر قد انكشف في ملفات التحقيق في سجون العدو ، حتى ان بعض الطلبة حينما ذهبوا اليه ليستأجروا شقته منه مؤخرا ، اخبرهم بان عددا من طلبة طب الأسنان قد سكنوا في هذه الشقة وهو لا يعلم الى أين قد ذهبوا ، والحقيقة انه لا يعلم انهم جميعا قد التحقوا بالرفيق الاعلى شهداء ،فمحمود أبو هنود التحق ورفيقيه ايمن ومأمون حشايكة اثر عملية اغتيال بشعة ، والقادة الأربعة السوركجي ومفارجة وسمارو وأبو الروس قضوا خلال اقتحام الكوماندوز الصهيوني لشقتهم في نابلس ، في جريمة من ابشع جرائم الاحتلال في انتفاضة الاقصى ، اما سليم ،فقد تم اعتقاله من قبل الأمن الوقائي في نابلس ونقل بسيارة ،المبعوث الاوروبي خافيير سولانا الى سجن بيتونيا في رام الله ، في حين يمكث محمد القرم الان في سجن عسقلان ينتظر محاكمته الجائرة ، لقد روى محمد خلال التحقيق معه العديد من القصص البطولية واخرى مؤثرة خلال هذه الفترة الطويلة من الجهاد ، فكان اول من تعرف على جثة الشهيد ايمن حلاوة بعيد اغتياله ،اذ كان حينها في جامعة النجاح ، وقد انفجرت السيارة في محيط الجامعة ،وعندما هب المواطنون الى موقع الانفجار واخرجوا جثمانه والذي لحقت به تشوهات كبيرة جدا أتت على معالم جثته ، كان محمد اول الواصلين ، وقد عرف الشهيد رغم اختفاء معالم وجهه ،الا انه كتم أنفاسه ولم يتكلم بكلمة ،اذ تربطه بالشهيد علاقات قوية جدا إضافة الى انه كان مسئوله حينها في عمله في اطار الكتائب ،الا انه لم يبد معرفته لئلا يشعر احدا بانه يعرفه ، محمد كتمها في نفسه الا انه يعتبر ان هذا الموقف من اشد المواقف التي اثرت به خلال حياته ،اذ كان شديد التعلق بالمهندس ايمن وقد اوصى ان نال الشهادة ان يكون ةفيقه في البوستر قائده ايمن حلاوة ، اما السوركجي القائد فقد كان محمد حلاقه الخاص ، فقد صمم له باروكته الشهيرة ،التي كان يتنكر فيها والتي نشرت له صور وهو يلبسها بعد استشهاده ، في حين كانت صور القساميين الشهداء التي نشرت قد تم تصريرها داخل منزل القرم في جلقموس ، اما قصته مع الاستشهادي ماهر حبيشي ، فكانت حين حضر ماهر برفقة سليم حجة الى بيت القرم في جلقموس ، وكان حينها جاسر ونسيم يحضرون حزامه الناسف الذي سينفذ به عمليته ، وعندها تعهد محمد بايصال ماهر الى حيفا بسيارة عمال تخرج مع الفجر ، وخلال تلك الليلة كان ماهر يلح عليهم ان يزيدوا كمية المتفجرات التي سيحملها معه الى اقصى قدر ممكن ، وجاسر ونسيم يصممونه بهدوء ، وفي اليوم التالي تمت العملية، ووقع 15 قتيلا صهيونيا ، محمد سجد لله سجدة شكر عند سماعه اول نتائج تلك العملية ، وبدء بإخفاء الآثار المتبقية للمواد المتفجرة من دوائر كهربائية وكيماوية اضافة الى قيامه بشطف المنزل ، الا ان الحظ لم يسعفه هذه المرة ، فاثناء نقله لبعض المواد المتفجرة انفجرت به احداها ،مما ادى الى بتر سبابته وحرق في يده ، ورغم شدة الالم تكتم محمد على مصابه ولم يشعر به احدا وبقي يومين كاملين وهو يغطي يده بسترته دون ان يلحظ احد المه الشديد ، الا ان اكثر ما كان يؤلمه لم يكن ذلك الالم الجسدي ، بل كان ما يجول في خاطره اذ ذاك هو انه لن يتمكن من الان فصاعدا من استخدام السلاح واطلاق الرصاص فقد حدثت الاصابة في اصبع السبابة وكان كل دعائه ان لا يفقده بتر سبابته استعمال السلاح ، هذا الانفجار وان اخفى محمد اصابته منه الا ان صوته كان الخيط الاول الذي قاد الى محمد الذي اصبح بعد ذلك ينام في القرى المجاورة ويعود الى قريته في النهار ،الا انه وخلال وجوده في منزل اخيه المجاور لمنزله اقتحمت القوات الخاصة المنزل ، لقد كان برفقة الصهاينة احد العملاء الذي كان ملثما ، وما ان خرج محمد من المنزل ليسلم نفسه اندفع الى هذا العميل ونزع القناع عن وجهه في غفلة من الصهاينة ، وتعرف عليه وقال له بصوت مرتفع سوف اقوم بتصفيتك ولو اخر يوم في حياتي ، محمد لم يكن المعتقل الوحيد بين اخوته في هذه المرة ،اذ شاطره اياها اخاه يوسف ،والذي توجه له تهمة قيامه بنقل الاستشهادي ماهر حبيشي الى حيفا ،وتقديم المساعدة للقساميين ، اضافة الى ان جميع اخوته قد تعرضوا خلال الانتفاضة الاولى وما تلاها من مرحلة اوسلو الى الاعتقال ، فبورك هذا البيت المجاهد ،وفك الله اسر هذا القسامي العنيد وشقيقه ، ولا بد لليل ان ينجلي ............ ولا بد للقيد ان ينكسر
شارك بتعليقك