فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

كفر مالك: البطمة .. حارسة النبعة

مشاركة أبو غيث  في تاريخ 16 أيار، 2010

صورة لقرية كفر مالك - فلسطين: : إطلالة من كفرمالك -- واجد النوباني أنقر الصورة للمزيد من المعلومات عن البلدة
البُطمة.. حارسـة النبعة
بقلم : فرج عبد الحسيب
لكل شجرة في كفرمالك اسم تُعرف به، فهناك خروبة المعصرة وخروبة اعْزيز ، وهناك سدرة السهل وسدرة العوينة، وهناك توتة الجامع وتوتة العين ، إلا البطمة ، فلا حاجة لإضافتها لمكان أو إنسان ، فهي شجرة البطمة المعروفة التي لا تحتاج لتعريف أو توصيف ، فهي الشجرة المحبوبة الأثيرة التي تقف بجوار النبع على بعد ثلاثين مترا للجهة الشرقية القبلية، تشرف على النبع من علٍ من بين جلاميد الصخر وكأنها حارسته الأزلية ، وهي من جنس أشجار البطم المذكورة في الإنجيل ، تلك الأشجار التي لم تضطهد تلاميذ يسوع وهم يجولون الأرض المقدسة يبشرون بدين التسامح والمسرَّة في الأرض المقدسة التي لم يحتمل أنجاسُها طهارتهم ، كذلك هي شجرة البطمة التي تفيأ أهالي كفرمالك ظلالها عبر القرون .
شجرة البطمة هذه ـ مثل بنات جنسها من شجر البطم ـ آية من آيات الله فهي شجرة وارفة الظلال نضرة، شامخة في السماء ، ورغم ذلك فهي تخرج من بين الصخور في أرض ترابها (دلّـيل) كما يسميه الفلاحون في كفرمالك ، ولكنها تضرب بجذورها بين الكتل الصخرية وتتحدى شح التراب، مثل شجر الطيُّون الذي ينبت في الخريف قبل المطر لأنه ( لا يتحمل للشتاء جمايل ) .
لم تكن شجرة البطمة مقدسة عند أهالي كفرمالك مثل بلوط شمايل وبلوط الشيخ زيد وتوتة الجامع ، وذلك لأن البطمة فيما يبدو كانت للاستعمال لا للتقديس فقد كانت مظلة( البيادرية ) في أشهر الحصاد الملتهبة ، ومقيل الرعيان الذين يردون بقطعان الماشية ليسقوها من العين العذبة ، وكانت فوق ذلك مضافة لكبار الضيوف الذين يزرون كفرمالك .
وكانت ملهى للأولاد الصغار يتبارون في تسلق جذعها الضخم لكي يحضروا للصبايا شيئا من ثمرها الذي يشبه الدوم بالشكل ولكنه يستخدم للعلك لا للأكل، ورحم الله تلك الأيام التي كان فيها ثمر البطمة علكة ، وكانوا ينزعون منها ( ضروس) جافة يخلطها الختيارية بتبغ الغليون ليعطيه نكهة البخور ، ويبدو أن أهالي كفرمالك لم يضموها لقائمة الأشجار المسكون لأنهم أرادوا ان يسكنوها هم لا عفاريتهم، وما داموا يأكلون منها فهم لا يريدون أن يتشبهوا بأسلافهم من مشركي العرب الذين كانوا يأكلون آلهتهم عندما يجوعون ، لكل ذلك ـ وربما لغيره ـ كانت تلك البطمة مشاعا للجميع .
وأعجب ما في هذه الشجرة علاقتها بنبع عين سامية، فكانت ترقب ماء النبع الذي ينساب زلالا سلسالا لا يتوقف، حتى أن أهالي كفرمالك عندما يضربون المثل في أرق ليل القهر الطويل، وسهاد ليل العشق الجميل، يقولون: " إذا عين سامية نامت عيني نامت هذيك الليلة "
وشجرة البطمة هذه كانت مثار عجب الزائرين والناظرين، فهي تقف على جلاميد من الصخور الصماء الكبيرة ، التي صارت ملساء من كثرة الاستخدام ، فأهالي كفرمالك الذين يعملون في زراعة البصل والخضار في سهل العين ، وينتظرون دورهم لكي يسقوا مزروعاتهم وفق نظام الساعات، كانت البطمة مرقدهم ومناخهم في ساعات الصيف الملتهبة، فبعد الحمام البارد في ماء التنور الصافي الذي يغسلون به تعب العمل الشاق ، كانوا يقيلون تحت البطمة ويقضون ساعات في انتظار جفاف ثيابهم .
و البطمة كانت مضافة لكبار القوم ، فإذا ما أراد أهالي كفرمالك شيئا من موظف كبير في المقاطعة أو المتصرفية من رتبة قائممقام وحاشيته، فعليهم أن يطعموا الفم لكي تستحي العين ، وإطعام الفم يعني (زرب) دسم عند العين وتحت البطمة، وحدثني شاهد عيان أن كبار الموظفين كانوا يشترطون على وجهاء البلد تحضير المطلوب، والمطلوب يعني بلغتهم المشروب، في أيام كان أكل الناس جراب من الخبز المدهون بالزيت، ثم تُلقى الكلمات في مدح كبار الموظفين ، فيكون حالهم " أكالون للسحت سمَّاعون للكذب" .
ولكل شيء أجل مكتوب، والمكتوب ليس منه مهروب، ففي عام 1954 أول قريبا منه ، وفي ليلة ليلاء ، صعد مؤذن الجامع الشيخ أبو يوسف الخطيب ـ رحمه الله ـ على سطح المسجد ينعى البطمة بصوته الجهور العذب ..
سبحان الله العظيم
سبحان مالك الملك والملكوت
سبحان الحي الذي لا يموت ..
يا سامعين الصوت ، صلوا على النبي
اليوم سقطت البُطمة ، اليوم سقطت البطمة ، اليوم سقطت البطمة ..
إنا لله وإنا إليه راجعون..
سقطت عريشة الرعيان والبيادرية البسطاء أهل المروءة والنخوة ، وخرّت حانة أصحاب الكروش والعروش من أهل السحت والرشوة ، وبعد سنوات قُتلت عين سامية، وسُحبت مياه النبع في مواسير سوداء مثل الحنشان ، فنامت عين سامية ، كما نامت قبلها البطمة التي كانت تحرس النبعة . وبقيت دموع الحنين إلى أيام الصباتتلألأ في محجريهماالغائرين تحت ركام السنين .
كفرمالك في 16/5/2010



إذا كنت مؤلف هذه  مقال وأردت تحديث المعلومات، انقر على ازر التالي:

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع