كفرمالك ... قرية الرعاة ..
مقال مترجم من مجلة :
ناشيونال جيوغرافيك ، عدد 6 ديسمبر ، 1929 ، واشنطن ، الولايات المتحدة الأمريكية ..
The National Geographic Magazine, Vol LVI No.6. Washington December 1929 U.S.A
كفرمالك قرية رعوية قديمة، ويعيش فيها أبو داود وشعبه بأسلوب بطريركي مثلما كان الأمر في عصر الملك داود، وفي هذه البلدة الصغيرة التي تقع 20 ميلا شمال بيت لحم يعيش الناس في بيوت مبنية بحجارة كبيرة المركبة بالطين، وكذلك السقوف من الحجارة والطين، وهناك عين ماء تتدفق بغزارة بجوار هذه القرية ، وحول هذه العين تتجمع قطعان كبيرة من الأغنام .
ويتجمع رعاة هذه القطعان معا عند النبع، لكي يتشاركوا الطعام الذي يُرسل إليهم من أهلهم في القرية، وهم طيبون يحبون بعضهم كثيرا .
وعنما يحل الظلام يذهب كل راعي في اتجاه خاص به، ومع أن أصوات الرعاة تبدو متشابهة للناس العاديين فإن الحيوانات تميز صوت سيدها وتتبعه، ولا تتبع أي شخص غريب .
وعندما زرت أحد بيوت قرية الرعيان استقبلني أهل البيت بسرور وحفاوة، ووصفوا أنفسهم بأنهم " انتيكا " وهم يضحكون ، وبالقرب من هذا البيت رأيت مغارة صخرية وبداخلها معصرة للزيت ، وكان المكان معتما ، فهو مضاء بسراج زيت صغير ، وله مدخل ضيق، ويستخدم البغل لتشغيل هذه المعصرة ، وقالوا لي بأن الجمل أقوى في تدويرها .
ووصلت ماري وجوزيف إلى قرية الرعاة ، هناك استقبلهم أهل القرية البسطاء الطيبين بكثير من الاحترام والترحيب، وكان البيت الذي استضافهم مقسوم إلى جزأين ، الأول في الأسفل إسطبل للحيوانات ، والثاني في الأعلى مخصص للبشر، وكانت السيدة ماري وجوزيف قد حاولا الدخول إلى حانة بالقرب من المدينة القريبة فمنعوا ، مما اضطرهم للجوء إلى بيت بسيط في قرية الرعاة ، وهذا يدل على طيبة أهل هذه القرية وكرم أخلاقهم، ، أهل قرية الرعاة طيبون تجد عندهم العطف والرحمة .
في قرية الرعاة كفرمالك يستطيع الزائر أن يرى مساحات العنب والتين والزيتون تمتد من تلة إلى تلة فوق مساحات شاسعة من البلدة، ويعيش السكان في الصيف عندما تنضج الكروم في هذه الحقول ، وفي بعض البساتين يوجد بيوت صغيرة تسمى المناطير ، وبعضهم يسميها " طيارة " وهي تبنى بالعادة من الحجارة، ولاحظنا أن أشجار الزيتون تزرع لوحدها في البساتين أما العنب فيزرع مع التين ، وكروم اللوز تنتشر بشكل غير منظم، وحول كل هذه الحقول يوجد جدران قصيرة من الحجارة، ورأينا أنه في بعض الحقول في الخليل يوجد عصارات التي لا تزال محفوظة بشكل جيد وهي محفورة في الصخر، حيث أكوام من عناقيد العنب التي تدوسها أقدام البشر، ويسيل منها العصير في صحون مثبتة فيها قناني يستقر فيها العصير .
وهذه الحقول يزرعها الناس ويبنون حولها الجدران ، ويبنون المنطار داخل الحقل للمراقبة، ويجمع الماء في آبار منحوتة في الصخر، لونها أبيض وهي تشبه القنينة يكون عنقها ضيق ويتسع كلما اتجهنا إلى الأسفل، ولأن الآبار عميقة فإن المياه بداخلها تبقى باردة خلال فصل الصيف الحار، ومرّ الكاتب على بئر قال صاحبه له إن ماء بئره أبرد ماء في المنطقة، وقد شرب الكاتب من هذا البئر ، فلم يستطع يستطيع شرب الكوب إلا على ثلاث دفعات .
عندما يشرب الزائر من هذا الماء يتذكر كيف كان النبي داود يجول هذه الصحاري، ويلجأ إلى مغارة " أدولام " في حرارة الصيف، وكيف تكفيه كاس من الماء البارد لكي يروي عطشه بعد تعبه في القتال في المعارك ، فيشرب كاس ماء بارد من بئر قرب بوابة بيت لحم .
زيارة إلى بيت لحم تكون ناقصة بدون الإشارة إلى النبي داود وإن المدينة كانت تسمى مدينة داود، مع أن هذا الاسم يطلق بالدقة على مدينة القدس .
في الكنائس القديمة في بيت لحم لا يوجد نصب تذكاري لداود ولا يوجد أي نقطة أو أشياء معينة ترتبط بحياته، عندما كان صغيرا يسير في هذه البلاد، ولكن خارج هذه الأبواب يستطيع الإنسان أن يشاهد ويتعرف على ماضيها، ويعرف أيضا مغزى هذه الأشياء ، ولكي تجد داود في بيت لحم ابحث عن الابن المسيح من على أحد التلال التي يتجول فيها الرعاة .
أمضى الكاتب ليالٍ مع الرعاة، وبعد العشاء فإن رئيس الرعاة يتفقد المكان مع مصباح خافت الضوء، ولكن النجوم تكون لامعة في السماء.
وهناك تعليق على الصور المنشورة في المقال :
صورة الأكل :
كل بلد لها غرفة ضيوف، وفي هذه الصورة أبو داود يكرم ضيوفه في الطابق الثاني من بيته، ولا تأكل النساء مع الرجال، ولكن الرجال يتركون أكلا للنساء .
صورة أبو داود :
بالرغم من أن أبو داود رجل مسلم، فإنه فقد أوحى للكاتب بأيام المسيح عندما كان يجلس مع الرعاة ، ويقف رئيس القرية في باب بيته يسبح بمسبحته .
صورة الغنم في البيت :
عندما تدخل الأغنام البيت تدخل تحت المصطبة، وعندما تدخل الغنم يعدها الراعي وهذه الطريقة متبعة من عهد سيدنا إبراهيم .
شارك بتعليقك