في تلك الطفوله النابته كزهره في الوادي كنت اعيش في بلده صغيره بيوتها تتسلق سفح جبل شاهق كنت اعشق العيش وسط تغاريد العصافير وصياح الديوك على عتبات المنزل والذي تقابله وعلى بعد بضعه امتار فقط غرف الاغنام والدجاج ورفوف الحمام وساحه الاوز و في بيت اخر اذكر انه كان منزلا حجريا قديم يطل على جنائن خضراء تنتشر فيها اشجار اللوز والزيتون والتين كان ذلك المنزل عباره عن شيئ سحري تسيجه الاعشاب جدرانه تتمايل طربا مع اغاني فيروز وهي تبث في الدفئ والحنان بتنهداتها الملائكيه اما المنظر فقد كان ساحرا وجميل انه اكثر المنازل التي لا زالت ايامه عالقه في ذهني ولن انسى بساطه الحياه الريفيه عندما كنت اشاهد امي وهي تنشر الاثواب على حبال الغسيل الممتده ما بين لوزتين يا بستين استطيع القول ان هذا المشهد السحري ترك في اثرا عميقا وحبال الغسيل تميل مع النسمات في صيف العمر الجميل لقد كان لي في الشتاء ان املى عيني تاملا وخشوع امام هدير الوادي وزخات المطر تتساقط بغزاره من الغيوم المتراكضه بمحاذاه التلال والمنحدرات الجبليه ومع صوت جلجله الرعد واشتداد هطول المطر كنت الملم جسدي تحت الغطاء جسدي يتشابك بجسد اخي ويدي تلتف على خصره وكاني اعانق دميه احبها ما ان اصبحت في سن الخامسه حتى بدات ادرك المواسم من الحصاد الى الزيتون الى اللوز وقد شكلت صور جدتي وهي تجرش على الطاحونه العتيقه وجدي يردد العتابا جالسا على صخره بجانب الطريق الترابيه وصوره امي متوجه صوب الطابون حامله على راسها ما يسمى لكن العجين وبعد ساعه تعود حامله ارغفه خبز ساخنه لتعد لنا بعد ذلك طعام الفطور حيث كانت تلتم جميع العائله صغارا وكبار حول المائده التي لن انسى مذاقها الطيب من زيت الزيتون والزعتر والرصيع الاخضر والاسمر الى الجبنه والبندوره والخس والفجل والبصل مع ابريق الشاي بالميرميه كل هذه الصور طبعت في ذاكرتي حتى شكلت لدي خيالا خصبا لاستمتع باسترجاع ذكريات الماضي بكل شاعريه وهدوء امام وقفه ساكنه على مرتفعات قريتي او وانا اجلس وراء نافذه غرفتي ناظرا صوب السهل المتماوج كالبحر بسنابله الرقيقه وكرومه الخضراء الرائعه كل تلك الصور لا تخلو من مشاهد المستوطنات المحيطه بقريتي فها هي معاليه لبونا بيوت حجريه يتوجها قرميد احمر فلل فاخره كرفانات متناثره على التلال سياج شائك يلتف على وسط الجبل وطريق ترابيه يتجول فيها حارس المستوطنه بدوريته البيضاء ذات الانتينات المموهه وتلك هي مستوطنه عيلي مدينه حضريه شوارع معبده بؤر تتلوى كالافعى على سبع تلال ولم اكن اعرف ان معاليه لبونا بشكلها الاشبه بلوحه فنيه بجمالها وسحرها المطلق ما كنت اعرف ان من يسكنون فيها يهود وانها جسم غريب زرعه المحتلون في ارض كنعانيه يدعون ان البلاد لهم وان لقريتي في توراتهم مكانه مقدسه جذبتهم الينها ليعكروا علينا الحياه كنت اعجب من تلك اليهوديات ذو الشالات و التناير الطويله فما كان مني الا ان ازداد عشقا وجنونا باللبن الشرقيه فما دام ان اليهود يقدسونها فمن واجبي ان اجعلها مقدسه منتميا لها بكل جوارحي و مشاعري انا الان في اشد مراحل جنوني وجنوني الرائع باللبن الشرقيه جعلني اتخيل ان بلدتي انثى وانها تتزين كل ربيع لاجلي فتخضر الجبال ويكتسي السهل برقه السنابل وتتناثر الزهرات على ضفاف الوديان وتحلو الكروم والبساتين الفاتنه صرت اعتقد ان لا قدره لي على التخلي عن اللبن والابتعاد عنها الى ان سكنت في نابلس وكان الرحيل عن اللبن اشد قسوه عانيتها في حياتي الى ان اعتدت عليها واحببت الحياه النابلسيه لروعه اهل هذه المدينه الغربه الجزئيه عن اللبن اودعتني في احضان حياه اخرى هي موهبه الزجل وكتابه الاغاني والخواطر الريفيه فاحتلت اللبن زجليا وتراثيا مساحه كبيره في قلبي من مثل هذه الاغنيه زهرات تحاكي زهرات وتضحك على اطراف العين عالوادي تهب النسمات وينور لوز البساتين اللبن عالصبحيات بنوته تغازل ياسمين بتجنن كل البلدات لكن في كل فلسطين متل اللبن ما في حلوات ورح تبقى احلى الحلوين عشقت الزعتر والقمحات ودبكه اهلي الفلاحين ومتل عيون الفلاحات ما خلق الله زاكيين وها انا الان وقد صار عندي هوايه التصوير حيث الكاميرا التي لا تفارق صدري متجولا في بريه بلدتي ملتقطا احلى الصور لاخصب الاراضي والحقول وسابقى على سطح منزلي في البيادر اتامل الجبال والطبيعه حولي ليلا نهار ساهرا برفقه القمر منتظرا لحظات الفجر بزرقته الروحيه ونسماته الاكثر روعه وجمال سابقى كما انا المولع بالدلعونا وزريف الطول والعتابا والزجل بكل الحانه الجبليه منصتا لحساسين الصباح مبتسما لاسراب الحمام المحلقه فوق سطوح البلده منفعلا مع صدى الشبابه والمجوز امارس الدبكه ارتدي الكوفيه احتسي القهوه مع ارق الاطلالات الخلابه في حضن اللبن او لبانوته زهره الريف وانثى القرى الفلسطينيه الفاتنه بعبير الجداول وشذا السنابل واريج زهر الليمون و رقه نوار اللوز وازهار الحنون تلك الازهار المتراقصه مع صوت فيروز الاعذب من همسات الزنبق والورد الجوري
شارك بتعليقك