التوجيهـــي
أتذكر لحيتي الخفيفة جدا" غير الممتلئة من الجانبين وكيف كنا نطلقها للإهمال والتباهي ، غير إنني وعلى غير عاداتي كنت مهتما جدا" بشعري وان لا اخرج أبدا" إلا بعد عمل السشوار اللازم ووضع بل كريم اللامع والوقوف أمام المرآة طويلا" ليبدو شعري ومظهري انيقين ، واسترجع في ذلك اشرط الكاسيت لام كلثوم وعبدالحليم حافظ وهي مرصوصة بشكل أنيق على رف خاص اعد لها لتكون في متناول اليد ، وان آلة التسجيل كانت لا تسكت أبدا" وهي تصدح بصوتهما ، أيضا" استرجع قراءة الروايات والقصص والأشعار التي هبطت علي في تلك الفترة وعلى غير العادة ، وأتذكر كيف كنا يوميا" نسهر عند صديق لنا يقطن في نفس الحارة كونه كان يقطن في شقة لوحدة بحجة الدراسة والمراجعة الشاملة لكن كنا على لعب الورق والشطرنج وسماع أغاني ما سلف ذكرهم وتحليل كلمات هذه ألاغاني مع ما ننفثه من همومنا بسجائر نشتريها فرطا" مع حبة علكة نعناع كي نخفي آثار جريمتنا ان عدنا للبيت متسليين هذا كله ورغم كافة الأحكام العرفية التي أعلنت علينا من بداية السنة ، وإذا ما عدت إلى البيت حتى تقوم أمي الطيبة بالسهر معي ما دام مصباح غرفتي ساهرا" ، وكيف تقوم بتشجيعي طيلة الوقت ودعمها لي لوجستيا بالشاي والقهوة والأكل المميز وكيف كانت تغتاظ وتشتم التوجيهي كلما (عصلج) على سؤال او كلما اختلقت تنهيدة متسائلا" عن نهاية هذه السنة (ملعونة الحرسي) ، ثم أتذكر عناء أمي في إيقاظي مع غرة الفجر فقبلة طويلة على يد كل أمهاتنا الرائعات اللواتي تعبن ويتعبن لأجلنا بكل قلق الممتحنين وأكثر .
ربما لم تتغير صورة طالب التوجيهي كثيرا" حتى بعد مرور خمسة وعشرين عاما" وأكثر من الذكريات ، ولهذا كلما دخل الطلبة قاعات امتحاناتهم أتذكر القلق والخوف والرهبة التي تخيم على بيوتنا وتحتلها ففي بيتنا طالب ( توجيهي) هكذا يسمي البعض الثانوية العامة .
متى يجيء الزمان الذي نخفف من التوتر المزمن الذي يعانيه الطالب وأهله ومجتمعه والحالة المتكررة التي نحن عليها ، مع تمنيات للجميع بالنجاح والفلاح وشكرا.
شارك بتعليقك