كتب: نياز ضيف الله
إلى الجنوب من مدينة رام الله وعلى بعد نحو ثلاثة كيلومترات تقع قرية "رافات" ذات الأصول الكنعانية، وهي أقرب القرى إلى المدينة، يبلغ عدد سكانها قرابة ألفي نسمة. تعاني القرية كباقي المناطق الفلسطينية جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة من سلب للأرض، واقتلاع للأشجار، وهدم للبيوت، وإغلاق للطرق وإهانة لأبنائها. كانت تدعى قبل ثلاثة آلاف عام "رافائيل" بمعنى الشفاء من الله، ومع مرور الزمن أصبح اسمها "رافات" وهو في الأصل رفات (بضم الراء) بمعنى بقايا العظام كونها تحتوي على عدة مقابر قديمة. بلغت مساحتها الأصلية حتى عام 1967 قرابة 4583 دونما مربعا، بحسب معلومات مجلسها القروي، ولكن مع اندلاع حرب عام 1967 بدأت معاناتها مع الاحتلال، فقد أقيم على الجزء الغربي من أراضيها معسكر كبير يعرف اليوم بـ "معسكر عوفر" حيث اقتطع هذا قرابة 700 دونم من أرضها الزراعية الخصبة إضافة إلى مساحة شاسعة من أراضي بلدة بيتونيا المجاورة، وهو يستخدم الآن كسجن كبير إضافة إلى كونه أكبر معسكر لقوات الاحتلال في الضفة الغربية.. كما أقيم على جزء كبير من أرضها الشرقية مستعمرة تحولت فيما بعد إلى ما يعرف بـ"مطار قلنديا" والذي تستخدمه قوات الاحتلال كثكنة عسكرية في أيامنا هذه، فصادر هذا قرابة 500 دونم زراعي أيضا، ما أجبر أكثر من 60% من أهلها المعتمدين على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل لتغيير مهنتهم إلى مجال البناء وقطع الحجر كخيار أول كون قريتهم تضم ثلاث مناطق جبلية، أما الخيار الثاني لبعضهم فكان الهجرة إلى دول الخليج أو الغرب للعمل وكسب المال وبالتالي مساعدة أسرهم في تحسين وضعها الاقتصادي.
المأساة تتكرر..
مع بداية أعوام التسعينيات تم العمل على توسيع مستعمرة "جفعات زئيف" المقامة على أرض قرية الجيب -التي كانت تحد قرية رافات من الجهة الجنوبية قبل أن يصبح جدار الضم والتوسع هو الحد الفاصل- باتجاه القرية، حيث تم مصادرة مساحة شاسعة من الأرض الزراعية لتربط معسكر "عوفر" بالمستعمرة.. وبعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 شرعت إسرائيل بفتح شارع التفافي يصل معسكر "عوفر" من منطقة الشمال الغربي للقرية بمعسكر آخر مقام على أراضي قرية كفر عقب قضاء القدس، وقد صادر هذا الشارع قرابة 300 دونم ما بين زراعية وجبلية، كما اقتلع عشرات أشجار الزيتون واللوز والعنب، وما أن اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000م حتى قامت قوات الاحتلال بتنفيذ أمر حفر خندق طويل جنوب القرية يصل مستعمرة "جفعات زئيف" بمطار قلنديا وحاجز قلنديا القريب منه، حيث تم حفر الخندق على طول مسافة أربعة كيلومترات وتم إحاطته بالأسلاك الشائكة بحجة منع الناشطين الفلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل، وهذا بدوره حرم أهالي القرية من الوصول إلى 700 دونم مزروعة بالزيتون أصبحت حبيسة الأسلاك الشائكة ولا يستطيع أصحابها الوصول إليها.. كما حرم هذا النفق القرية من أي تواصل جغرافي باتجاه مدينة القدس... وقطعت أرزاق الكثير من العمال الذين أصبحوا ضمن فئة العاطلين عن العمل.. وعلى الرغم من ذلك إلا أن القرية اكتسبت شهرة بين أبناء الضفة الغربية خلال سنوات انتفاضة الأقصى كون جبالها كانت الممر الوحيد لهم للدخول والخروج من مدينة رام الله إلى مدنهم وقراهم رغم أن جبالها تشكل طريقا وعرا تشوبها المخاطر جراء قطع قوات الاحتلال فرصة مرورهم منه، فمن يقع في قبضتهم يعتبر متسللا حسب الرواية الإسرائيلية وبناء على ذلك استحق العقاب.
إحكام الإغلاق..
استمرار للخطة الإسرائيلية الهادفة إلى الفصل أحادي الجانب شرعت قوات الاحتلال عام 2002 بتنفيذ الجزء الشمالي من جدار الضم والتوسع الذي طال مساحات شاسعة من أراضي القرية، حيث بلغت مساحة الأراضي المصادرة لهذا الغرض قرابة 800 دونم، لتصبح نسبة الأراضي المصادرة منذ عام 1967 حوالي 75% من المساحة الأصلية للقرية وفقا لإحصاءات جمعية الدراسات العربية. وبهذا الشأن يقول محمد خضر وهو أحد أعضاء لجنة الدفاع عن أراضي القرية والرئيس السابق للمجلس القروي: "اقتلع الجدار 638 شجرة زيتون روماني، هذا ناهيك عن عزله للقرية عن محيطها الخارجي من ثلاث جهات- غرب، جنوب، وشرق_ بشكل تام، فقد قطع طريقا يصلها بقرى جنوب رام الله كقرى (قلنديا، الجديرة، الجيب، وبيرنبالا)، وقطع طريقا آخر يربطها بمنطقة سمير أميس شرقي القرية، والآن يوجد لها مدخل واحد يربطها بمدينة رام الله، حيث يتقاطع هذا المدخل مع الشارع الالتفافي شمال القرية، وتقوم قوات الاحتلال بإغلاقه في الوقت الذي تشاء لتحول القرية إلى سجن ليس بمقدور أي من أهلها الخروج منه إلا وفقا لإرادة جنود الاحتلال، ما حذا بأبناء القرية العاملين خارجها للمبيت في أماكن عملهم عدة أيام لتوفير عناء الخروج والعودة إليها يوميا، كما أن طلبة الجامعات من أبناء القرية، ولا سيما في جامعة القدس، لا يستطيعون التنقل يوميا إلى جامعتهم ما يدفعهم للمبيت خارج القرية تفاديا للمخاطر التي قد تصيبهم شرورها.. والجدير بالذكر هنا أن مبيتهم في منطقة أبو ديس وغيرها هو دون تصاريح. ورغم إحكام قوات الاحتلال قبضتها على القرية إلا أنها تداهم البيوت ليلا بين الفترة والأخرى وتقوم بتسجيل أسماء الأشخاص الموجودين في كل منزل لمعرفة من يدخل القرية أو يخرج منها كما يقول نضال عبد الرؤوف أحد الأشخاص اللذين دوهمت بيوتهم ذات يوم، وليس هذا فحسب فكلما تغير ما يدعى إسرائيليا بقائد المنطقة التي تعتبر رافات جزءا منها فإن مداهمة القرية واقعة لا محالة ليتم إعطاء تباليغ حضور لمعسكر عوفر لكثير من الأشخاص، والحجة في ذلك لكي يتعرف القائد الجديد على أبناء القرية.
قصة أخرى..
بقي من مساحة القرية الأصلية قرابة 1100 دونم، وليس في هذا معنى يشير إلى أن أهلها لهم سيادة عليها، فالأراضي المحاذية لمعسكر "عوفر" والجدار و"مطار قلنديا" والشارع الالتفافي ممنوع أهلها من البناء فيها، أو في كثير من الأحيان استصلاحها وزراعتها، فقد بات معظمها خربا ينتظر مصيرا مجهولا، ولا تتجاوز المساحة المسموح لأهل القرية البناء فيها أو زراعتها سوى 829 دونما، منها 329 دونم صنفت وفقا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مناطق "بي" وهي منطقة البلدة القديمة فقط وهذه مسموح البناء فيها، أما الـ 500 دونم المتبقية فهي منطقة "سي" غير المسموح البناء فيها، وفي الغالب لا يملك معظم أهالي القرية قطع أرض داخل منطقة "بي" ما يعني أنهم لا يجدون ملتجأ للتوسع إلا في منطقة "سي" ما يهدد منازلهم للهدم من قبل قوات الاحتلال، تماما كما حدث مع الحاج أبو طالب الطيراوي فقد تم هدم منزله المكون من طبقتين لهذا السبب، بينما تعاني عائلة الحاج موسى طه منذ عدة أعوام من الإنذارات الإسرائيلية المتوالية إليها بخصوص هدم منزلها، فالعائلة تحمل ترخيصا لبيتها من قبل السلطة الفلسطينية، بينما تدّعي إسرائيل بأن البيت يقع مناصفة بين منطقة "بي" ومنطقة "سي"، وهذا حال السيد فيصل طلال الذي تلقى إنذارا بهدم كراج سيارته كونه قريبا من الجدار وبحجة أنه لا يحمل ترخيصا إسرائيليا كما ينص إنذار الهدم، حيث يقول بهذا الشأن لقد وكلت محاميا للدفاع عن قضيتي، وقد خسرت مبلغا كبيرا من المال ولم أحصل على قرار عدم هدم حتى الآن، والله أعلم ماذا تحمل لنا الأيام القادمة!.
قرار مصادرة مغلوط!
تسلم مجلس القرية في نيسان من العام المنصرم أمرا من قوات الاحتلال الإسرائيلي يقضي بمصادرة قرابة 500 دونم من أرضهم، حيث نص الأمر على أن القائد العسكري للمنطقة سيتواجد الساعة العاشرة صباحا من اليوم التالي برفقة قوة عسكرية في المنطقة المنوي مصادرتها وبعد مرور الوقت تبين أن الأمر كان خطأ ومن المفترض أن يسلم لمجلس قرية عين قينيا غرب رام الله، ولكن السؤال الذي لا زال يشغل تفكبر أهالي القرية هو هل كان الأمر خطأ حقا؟ وإذا كان كذلك فلماذا كانت الإشارة لموقع على خريطة قرية رافات؟ ولماذا لا تمنح تراخيص البناء في المنطقة نفسها حتى اليوم؟ يبقى التفكير في الإجابة مطروح، وبالطبع لا جواب إلا ذلك المجهول!
وللمصادرة تتمة..
مع بداية عام 2005 بدأ الأهالي يتناقلون نبأ غير مؤكد مفاده أن هناك شارعاً يبلغ عرضه قرابة 30 م تم شقه بداية من الجدار ليخترق أرض القرية ويصل إلى مدينة رام الله، والهدف منه استخدامه لمرور سكان قرى غرب رام الله وجنوبها باتجاه المدينة واحكام سيطرة الاحتلال على المعابر والحواجز. وما كان باستطاعة المجلس القروي إلا الاعتراض على المسار الذي بدأ يتضح جراء الشق، فمن المتوقع أن تصادر مساحة لا تقل عن 100 دونم من الأرض، هذا ناهيك عن الخراب الذي سيلحق بدونومات كثيرة، وتفيد الأخبار التي تسربت من العاملين في الشارع بأنه سيتم عمل جسر بحيث يكون الشارع الجديد أسفل الشارع الملتف حول الجدار، ومن المتوقع أن يتم وضع نقطة تفتيش ومراقبة إسرائيلية على الشارع وقد يتم تحديد ساعات المرور منه، وليس هذا بالأمر الغريب على إسرائيل، فهذه سياسة ممنهجة تتبعها منذ زمن بعيد.
شارك بتعليقك
أشكرك... وأتمنى لهذه لقريتنا المثالية مستقبلا زاهرا بأبنائها الأشاوس من أمثالك... دمت وقريتنا بخير