فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

رنتيس: قصة عائلتين في رنتيس لم تجتمعا بكامل ابنائهما في رمضان والعيد منذ (20) عاما

مشاركة محمد الرنتيسي في تاريخ 29 أيلول، 2008

صورة لقرية رنتيس - فلسطين: : رنتـــــيـــــــــس القـــــديـمـــــــــــــة #9 أنقر الصورة للمزيد من المعلومات عن البلدة
أسرتين لم تجتمعا بكامل أبنائهما في "رمضان" أو "العيد" منذ الانتفاضة الأولى

رمضان في رنتيس شهر الفرحة الممزقة..
أبناء غيبتهم السجون والقبور وآباء يتذكرون

رام الله - محمد الرنتيسي:

مع إطلالة شهر رمضان المبارك من كل عام, عادةً ما تجتمع مختلف الأسر والعائلات في العالم, في محاولة منها لتعيش "اللحظة" كما يقولون, أو الفرحة كما يسميها البعض.
فشهر رمضان, من فضائله العديدة أنه يجمع الشمل, ويبقي على أواصر المحبة والتسامح , فهو شهر يلتقي فيه الآباء والأبناء والأمهات والأحباب حول مائدة واحدة , في أعظم صورة للتواصل بين الأرحام.
هكذا يحتفل العالم بهلال الشهر الفضيل.. أما هنا في فلسطين فالأمر مختلفاً جداً.
لم يبق بيت في فلسطين الاّ وفيه شهيد أو جريح أو أسير.. وبالتالي فإن الحديث عن معاناة أي من العائلات الفلسطينية يبقى نموذجاً ليس الاّ.

في قرية رنتيس (3000 نسمة) والى الشمال الغربي من مدينة رام الله, تعيش أسرة الحاجة صالحة أبو سليم (أم فايز) البالغة من العمر 75 عاماً, والأم لـ12 فرداً, تسعةً من الذكور وثلاث إناث, والتي توفي زوجها الحاج حسن يحيى أبو سليم قبل نحو تسع سنوات, تاركاً لها حمل مسؤولية الحفاظ على مستقبل الأبناء.

البداية قبل عشرين عاماً
بدأت معاناة الحاجة أم فايز خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتي انطلقت العام 87, واستمرت هذه المعاناة حتى العام 2008, حيث اعتقلت قوات الاحتلال ابنها نصر إبان دراسته في جامعة بيرزيت في العام 89 بتهمة رشق الحجارة على دورية عسكرية, إلا أنها أفرجت عنه دون محاكمة لعدم ثبوت أي تهمة ضده.
لم تدم فرحة أم فايز طويلاً, حيث عادت هذه القوات واعتقلت نجليها نصر ونصار في ليلة واحدة في العام 93, حيث زجت بابنها نصار في زنازين التحقيق في سجن الفارعة آنذاك, وبعد نحو شهر أفرجت عنهما لعدم تمكنها من انتزاع أية اعترافات منهما حول مشاركتهما في فعاليات الانتفاضة, لكنها ما أن أفرجت عنهما حتى اعتقلت شقيقهما (يحيى) وأخضعته للتحقيق لمدة شهر أمضى خلاله عيد الأضحى المبارك في زنازين التحقيق, ثم أفرجت عنه لاحقاً.
وفي نهاية العام 1995 عادت قوات الاحتلال واعتقلت نجلها نصر ثانيةً وأصدرت عليه حكماً بالسجن لمدة 15 شهراً.

تقول الحاجة أم فايز أنها كانت تنتظر موعد الزيارة على أحر من الجمر لترى ابنها الذي لم يغب عن بالها وخاصّة طوال شهر رمضان الذي أمضاه مرتين في فترة سجنه هذه, وبعد أن افتقدت أم فايز نجلها نصر خلال عيدي الفطر والأضحى للعام 95, أبت سلطات الاحتلال الاّ أن تزيد من معاناتها, فاعتقلت نجلها الآخر نصار وحولته إلى الاعتقال الإداري لمدة 3 شهور, ومع هلال شهر رمضان للعام 96 أصبحت الحاجة أم فايز تفتقد اثنين من أبنائها.

وخلال الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى الحالية أعتقلت قوات الاحتلال نصر أبو سليم مجدداً، وأصدرت عليه حكماً بالسجن لأربع سنوات، أمضى خلالها بالتأكيد شهر رمضان المبارك أربع مرات في السجن، وثمانية أعياد ما بين "الفطر والأضحى"، ولم يمكث طويلاً عقب الافراج عنه في العام 2004، حيث اعتقل مرة أخرى أدارياً لمدة سبعة شهور أمضى خلالها رمضاناً آخر وعيدين، ثم أفرج عنه في العام 2006، ليعاد اعتقاله في العام 2007 إدارياً أيضاً ليقضي شهراً آخر من رمضان، وعيدين جديدين في الأسر.

فرحة لم تدم طويلاً
تنفست الحاجة أم فايز الصعداء عندما أفرجت سلطات الاحتلال عن نجليها المعتقلين ولم تصدق نفسها أنها ستحتفل بشهر رمضان والعيدين من جديد دون غياب أحد من أبنائها.
وكما هي العادة .. لم تستمر هذه الأحوال بأم فايز طويلاً, وقبيل اندلاع الشرارة الأولى لانتفاضة الأقصى الحالية, عاد جيش الاحتلال إلى بيت أم فايز ثانيةً, واعتقل نصر الذي كان قد تزوج حديثاً, ولم يمض على توظيفه مدرساً في مدرسة رنتيس الثانوية سوى بضعة أشهر, لتبدأ أم فايز فصلاً آخر من فصول المعاناة.
زجت قوات الاحتلال بنصر في زنازين التحقيق في سجن المسكوبية, وما لبثت حتى أصدرت عليه حكماً بالسجن لمدة 40 شهراً, وبذلك فقد صامت الحاجة أم فايز شهر رمضان ثلاثة أعوام متلاحقة جديدة, وقضت ستة أعياد (الفطر والأضحى) فاقدةً لولدها نصر.

غياب إلى الأبد
وفي العام 2002, وتحديداً في السادس والعشرين من شهر كانون ثاني, كانت الحاجة أم فايز أمام حادثة عظيمة, أدمت قلبها المتعب والمنهك بآهات البعد عن فلذات أكبادها, فقد غيّبت قوات الاحتلال نجلها نصار عن عيونها الى الأبد, حيث اغتالته بدم بارد على الحاجز العسكري بين قريتي عين عريك ودير إبزيع غربي مدينة رام الله.
تقول الحاجة أم فايز أن أكثر ما آلمها, أن ابنها نصر الذي غيبته السجون, لم يتمكن من المشاركة في جنازة شقيقه الشهيد نصار.
كانت صدمة الحاجة أم فايز كبيرة, إلا أنها تقبلت الأمر بفارغ الصبر وقالت "الحمد لله أن ابني أستشهد بشرفه ولم يرضى بالذل, وإن شاء الله يكون شفيعنا يوم القيامة".
كان شهر رمضان ذلك العام وعيد الفطر من أصعب الأيام في حياة الحاجة أم فايز, التي تفتقد نجليها نصر ونصار, أحدهما أسيراً والآخر شهيداً .

ويأتي عيد الأضحى.. ويبقى نصر في سجنه, ويبقى قلب أم فايز في شوق لرؤية ولدها, الذي سيعوضها بعض الشيء عن فقدان الشهيد نصار.
وعلى الرغم من الإفراج عن نصر بعد قضائه أربع سنوات في الأسر، وحضوره شهر رمضان لذلك العام في أحضان والدته, إلا أن الحاجة أم فايز افتقدت في نفس العام نجلها مهتدي الذي إعتقل مجدداً وبعد فترة قصيرة من الإفراج عنه, وحفيدها محمد نجل إبنها الأكبر (فايز) الذان أمضيا شهر رمضان وعيد الفطر لذلك العام في سجن عوفر.

المشهد يتكرر في بيت آخر
وفي بيت غير بعيد عن منزل أم فايز تعيش عائلة أبو العبد قريبة العائلة, ولا يختلف الأمر كثيراً عند الحاجة تميمة أبو سليم "أم العبد" 70 عاماً, فهي أيضاً تعيش شهر رمضان منذ بداية الانتفاضة الأولى دون أن تجتمع بكامل أبنائها.
تقول الحاجة أم العبد أن معاناتها بدأت مع الأشهر الأولى للانتفاضة الأولى عندما اعتقلت قوات الاحتلال نجلها شاكر (إمام مسجد رنتيس) في العام 88 وزجت به في الاعتقال الإداري لمدة 6 شهور.
أما في العام 90 فقد اعتقلت قوات الاحتلال نجلها الأصغر أيمن, الذي لم يكن يبلغ السابعة عشرة من العمر آنذاك, وصادف اعتقاله اليوم الثاني من شهر رمضان لذلك العام, وصدر عليه حكماً بالسجن لمدة 5 شهور, حيث أمضى عيدي الفطر والأضحى في السجن بعيداً عنها.
وبعد عامين وبتاريخ 15/12/1992, اعتقلت قوات الاحتلال نجليها شاكر وراشد, ضمن حملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من 2000 فلسطيني, حيث حولت راشد للاعتقال الإداري لمدة 3 شهور, فيما أبعدت الشيخ شاكر مع 415 آخرين إلى مرج الزهور في جنوب لبنان.

شعرت الحاجة أم العبد بالقلق الشديد على ولدها, حالها حال أمهات المبعدين جميعاً, الذين ظنوا أن إبعاد أبنائهم سيستمر إلى ما لا نهاية.
وما أن أفرجت سلطات الاحتلال عن راشد حتى اعتقلت أيمن ثانية أثناء عودته من كلية (الخضوري) بطولكرم وحكمت عليه بالسجن لمدة 3 شهور.
وجاء رمضان, وبعده جاء عيد الفطر, ومن ثم تبعه عيد الأضحى, وأم العبد تفتقد ولديها في الأسر والإبعاد.

أفرجت سلطات الاحتلال عن أيمن بعد قضاء مدة محكوميته, ليعتقل بعدها نجلها الآخر وليد الذي خضع للتحقيق في سجن الفارعة لمدة تزيد عن الشهر.
أمضى شاكر سنة كاملة في الإبعاد, ثم عاد إلى أرض الوطن نهاية العام 93, وفي شهر آذار من العام 94, أي بعد أقل من ثلاثة شهور على عودته, تم اعتقاله ثانية, وحوّل للاعتقال الإداري لمدة 6 شهور, ليشهد عيد الأضحى في السجن, وتبقى أم العبد تنتظر اليوم الذي ستجتمع فيه مع كامل أبنائها خلال شهر رمضان أو العيد, لكن يبدو أن هذا اليوم سيظل بعيداً.

هنا أيضاً.. الفرحة لم تدم
وما لبثت أم العبد أن رأت أبناءها مجتمعين في بيتها, حتى أعاد الاحتلال اعتقال وليد, ليقضي حكماً بالسجن مدته 18 شهراً, ليشهد شهر رمضان مرتين وأربعة أعياد متنقلاً بين السجون, وخلال هذه الفترة تم اعتقال شاكر لمدة 3 شهور قضاها في الاعتقال الإداري.
وبعد أن خرج وليد وأنهى دراسته الجامعية, وعمل إماماً لمسجد قرية عابود المجاورة, قامت قوات الاحتلال باعتقاله من منزله في عابود, لتزج به في السجن مرة أخرى, وهذه المرة في الاعتقال الإداري لمدة 3 شهور.
وبعد نحو شهر اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ شاكر مرة أخرى وحولته للاعتقال الإداري, ولم يكد يمضي شهر آخر, حين أعادت اعتقال شقيقهم راشد , ليجتمع ثلاثتهم في سجن واحد.
ومرة أخرى لملمت العائلة جراحها وخرج الأشقاء الثلاثة من السجن, وبدأت أم العبد تشعر بالأمان, وأنها لن تذهب إلى السجن ثانية لتزور أياً من أبنائها فيه, لكن الاحتلال خيّب ظنّها, حين اعتقلت قوات الاحتلال نجلها راشد في الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى الحالية, وأصدرت حكمها عليه بالسجن لمدة أربعة أعوام.

وبينما كان الناس يستعدون لاستقبال شهر رمضان المبارك من العام نفسه, أقدمت قوات الاحتلال على اعتقال الأخوين شاكر ووليد في ليلة واحدة, لتصوم الحاجة أم العبد نهار رمضان دون أبنائها الثلاثة, وليشهد شاكر ووليد عيدي الفطر والأضحى في سجن النقب, بعيداً عن شقيقهم الثالث (راشد) القابع في سجن مجدو.
وفي العام الذي يليه، وفي نفس الموعد, وفي ظل الاستعداد لاستقبال شهر الصيام, أقدمت قوات الاحتلال ومن جديد, وللمرة السابعة على اعتقال الشيخ شاكر, لتحوّله مرة أخرى إلى الاعتقال الإداري وهذه المرة لستة أشهر.

ومما ضاعف من معاناة الحاجة أم العبد أن اعتقال نجلها شاكر هذه المرة, جاء بعد فترة قصيرة انتظرت فيها خروج نجلها راشد ضمن صفقة للافراجات آنذاك, حيث عدلت حينها سلطات الاحتلال عن قرارها بالإفراج عنه, رغم ورود اسمه ضمن قائمة الإفراجات, لتشهد أم العبد رمضاناً آخر, وعيداً آخر, دون أن تجتمع بأبنائها في هاتين المناسبتين منذ زمن بعيد.

وفي خضم انتفاضة الأقصى الحالية، اعتقلت سلطات الاحتلال مجدداً الشيخ شاكر أبو سليم ليقضي شهر رمضان للعام الرابع على التوالي، وستة أعياد أخرى "الفطر والأضحى"، في رحلة اعتقال إدارية لم تنتهي حتى الآن رغم مرور أربعة أعوام عليها.

نماذج أخرى لنفس العائلة
وليس بعيداً عن عائلتي أم فايز وأم العبد, فهناك أمهات أخرى في عائلة أبو سليم ستفتقد أبناءها خلال رمضان وأيام العيد منذ الآن وحتى قيام الساعة, فغالية أبو سليم "أم رامز" ستفتقد نجلها رامز, الذي أستشهد صيف العام 2003, وكذلك فإن عطاف أبو سليم "أم محمد" ستفتقد نجلها إيهاب الذي استشهد مع رامز في نفس اليوم.
ستفتقد أم رامز وأم إيهاب نجليهما منذ اليوم "شهيدين", بعد أن كانتا قد افتقدتهما في عيد الأضحى من العام 2003 "أسيرين"، حيث كانا قد اعتقلا معاً في ذلك العام.

فصول من المعاناة, تتجدد يوماً بعد يوم, وليس لها سوى مدلول واحد, هو أن أياً من أبناء شعبنا لن يهنأ له عيش, ما دام الاحتلال جاثم فوق صدورنا, فكثيرة هي العائلات التي تتشابه في قصصها وحكاياتها مع عائلة أبو سليم في قرية رنتيس, وكما أسلفنا فإن الحديث عن معاناة عائلة هنا أو هناك يعتبر نموذجاً للمعاناة اليومية الفلسطينية وليس أكثر.

نقلاً عن صحيفة الديرة الكويتية
بقلم: مراسل الصحيفة في فلسطين - محمد الرنتيسي



إذا كنت مؤلف هذه  مقال وأردت تحديث المعلومات، انقر على ازر التالي:

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع