فلسطين مع إطلالة العيد الاستعدادات خجولة.. والبسطات بالجملة.. والأسعار المعقولة فشلت أمام الجيوب الخاوية رام الله – محمد الرنتيسي: سيل من المواطنين في مدينتي رام الله والبيرة، يظن من يراه أن الاحتلال قد انتهى وأن الوضع الاقتصادي أحسن من ذي قبل.. أصوات الباعة ترتفع هنا وهناك، "البسطات" تملأ الشوارع، والمواطنون بين راض وغاضب، والتجار كذلك. لكن الاستعدادات للعيد هذا العام بدت خجولة إلى حد ما، فعلى الرغم من أن أسواق المدينتين بدأت تعج بالمواطنين منذ أيام خلت، إلا أن الملفت للنظر أن حركة البيع والشراء بدت قليلة في مثل هذه الأيام من كل عام وخاصة إذا ما قورنت بالسنوات التي سبقت اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة. شوارع وأرصفة المدينتين غصّت بالباعة وأصحاب البسطات التي لا يكاد شارع يخلو منها، وللوهلة الأولى يخيل للقادم إلى مدينة رام الله أن الأوضاع طبيعية وأن هناك حركة تسوق قوية وعادية، غير أن عدداً من أصحاب البسطات والمحلات التجارية أوضحوا أن الزبائن عادةً ما يقلّبون البضاعة وفي نفوسهم رغبة للشراء، ثم لا يلبثوا أن يتركوها، لا لغلاء أسعارها، وإنما لعدم شعورهم بالحاجة الماسة إليها، حيث بدا التركيز واضحاً على ما يعرف بالأساسيات للعيد. أصوات الباعة تسمع في كل مكان.. بضائع مختلفة تعرض هنا وهناك، لكن أصحابها لم يكونوا يتوقعوا هذا الركود وهذا الكساد. مع قرب رحيل الشهر الفضيل.. تجولنا في أسواق رام الله والبيرة لترصد استعدادات المواطنين للعيد، وما بين شاك ومتذمر وباك.. كانت هذه المحطات. مصاريف العيد.. المواطن محمد عبد الله الذي بدا في الثلاثين من العمر من سكان مدينة رام الله قال إن أسعار البضائع في السوق معقولة جداً، على عكس ما يروج له الكثيرون من أنها مرتفعة، ولكن ماذا بإمكاننا أن نعمل أمام الجيوب الخاوية. وفي المقابل النقيض قال عماد 23 عاماً، وهو موظف حكومي أن الأسعار مرتفعة جدا، ولا يمكن في هذا الوضع السيء شراء كل شيء، وأيدته في ذلك المواطنة أم مجاهد، حيث قالت أن الأسعار خيالية، وأن التجار لا يراعون الظروف الصعبة. أما الشاب عايد حمدان 28 عاماً من قرية عصيرة القبلية بمحافظة نابلس، والتي شهدت مؤخراً حملة اعتداءات غير مسبوقة لقطعان المستوطنين، وهو صاحب بسطة، فقال أنه قدم إلى رام الله مع شقيقه رائد 30 عاماً من محافظة نابلس نظراً لضعف الحركة التجارية والوضع الاقتصادي هناك، في محاولة منهما لكسب (مصاريف العيد) والتزاماته، حيث يقومان يومياً بالبيع على البسطة وعادةً ما يختاران مواقع "إستراتيجية" وذات حركة قوية مثل أمام مسجد البيرة الكبير بعد خروج المصلين، وشارع "رُكب" بعد الإفطار، حيث يعج بالمتسوقين. ويرى عايد أن الوضع في رام الله أفضل بكثير من نابلس، لكن معدل كسبه اليومي لا يتعدى 30 – 50 شيقل، (نحو 15 دولار) علماً أنه يقضي يومياً نحو 14 ساعة متجولاً في شوارع رام الله والبيرة. أما شقيقه رائد فأوضح أنه قد لا يتمكن من قضاء أول أيام العيد برفقة زوجته وأطفاله، لأن ليلة العيد بحسب توقعاته ستكون فرصة العمر لبيع أكبر عدد ممكن من بضاعته. ولم يكن محمد أبو نجم، وهو صاحب بسطة ملابس، يتوقع أن يكون البيع بهذه الصورة من الضعف، وقال: "كان الناس سابقا يعدون للعيد قبل ثلاثة أيام، أما اليوم فيعدون له قبل أسبوع على الأقل، ورغم ذلك الإقبال ضعيف على الشراء". ومقارنة مع سنوات ما قبل الإنتفاضة فإن القوة الشرائية تدنت بنسبة كبيرة بسبب تزايد أعداد البطالة، وتفشى الفقر بنسبة تزيد عن 60 % حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهو ما يفسّر إقبال المواطنين على الشراء من البسطات التي تتميز برخص أسعارها مقارنةً بالمحلات. ويروي تجار من مدينة رام الله أن الزبائن يعمدوا في معظم الأحيان إلى "المفاصلة" حول مختلف السلع في أكثر من محل، ثم يعودوا للشراء من أقلها أسعاراً، وبتقديرهم فإن هذا يعود لصعوبة الأوضاع المعيشية لدى المواطنين، وقلة العمل، وفقدان كثير من العائلات الفلسطينية مصادر أرزاقها، وخاصّة الفلاحين الذين كانوا يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة وحرمتهم قوات الاحتلال من استغلالها إما نتيجة للمصادرة وإما للتجريف، وإما للضم لصالح ما بات يعرف بجدار الفصل العنصري. فرحة الأطفال أقوى ويرى المواطن محمد الطريفي وهو صاحب محل للأحذية وسط ميدان المنارة برام الله، أن حركة البيع تكاد تكون طبيعية حتى الآن، إلا أنه يأمل في أن تتحسن خلال ما تبقى من أيام تسبق العيد، وخاصة بعد صرف الرواتب للموظفين قبل حلول هذه المناسبة. ومن الصعوبات التي تواجه التجار، عدم تمكنهم من جلب البضائع لمحلاتهم، فالشاب إبراهيم 35 عاماً، صاحب محل للملابس قال أن جميع البضاعة التي استوردها لمحله الجديد محجوزة لدى سلطات الاحتلال عند أحد المعابر شمالي الضفة الغربية، موضحاً أنه لن يتمكن من إحضارها قبل العيد، وكان إبراهيم يطمح لفتح محله الجديد قبل حلول العيد حيث الإقبال على الشراء أكبر. ويرى كثير من المواطنين أنه من الضروري شراء بعض الملابس الجديدة لأطفالهم بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشونها، وذلك بغية إدخال الفرحة التي حرمنا منها الاحتلال إلى قلوبهم، ولإخراجهم من جو الإحباط والرعب الذي طال حتى الأطفال والصغار جراء الإعتداءات الإحتلالية. وعلى العكس من ذلك سيضطر كثير من الأطفال لارتداء ملابس العيد "الماضي" أو الزي المدرسي إذا لم يتم شراء ملابس جديدة لهم، أو إذا ما إستبدلت ببعض الهدايا والألعاب ذات الأسعار المعقولة والمنخفضة. وعلى الرغم مما يعانيه الفلسطينيون من ضيق في العيش، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة وحالة الفقر المتفشية، إلا أن بعضاً من العادات والتقاليد تجبر المواطنين على تدبر أوضاعهم بأي شكل كان، مع الاستغناء عن كثير من المظاهر التي تحتاج لكثير من المال الذي تفتقده جيوبهم. وبعيدا عن الاستعداد للعيد من قبيل التسوّق، فإن المواطنون في كل محافظات الوطن يأملون بإستقبال عيد خال من أي شهيد جديد أو جريح أو أسير. نقلاً عن صحيفة الديرة الكويتية بقلم: مراسل الصحيفة في فلسطين - محمد الرنتيسي
شارك بتعليقك