ما لم يقُله الإعلام حول الحرب على غزة
اسرائيل أسست هيئة خاصة بفبركة أخبار الحرب هدفها التضليل والكذب والحرب النفسية
رام الله – الدستور - محمد الرنتيسي:
بالتزامن مع عدوانها الأخير على قطاع غزة، قامت اسرائيل بحملة تضليل وخداع وحرب نفسية متعددة الأوجه وعبر وسائل متعددة، تمثلت في اختراق الاذاعات المحلية وبث مواد دعائية بأن المستهدف من العدوان هو حركة حماس وحدها، وبأن عناصر الحركة يختبؤون في المساجد والمستشفيات بزي الأطباء والممرضين، وبأن المعابر المؤدية الى قطاع غزة مفتوحة لادخال المواد الطبية والتموينية، اضافة الى ادعاء ممثلي جيش الاحتلال خلال جلسة لما يسمى المجلس الأمني المصغر إبان العدوان بأنهم أبلغوا 100 ألف مواطن فلسطيني هاتفيا بأنه سيتم قصف مناطق سكناهم قبل القصف بعشر دقائق، اضافة الى الاتصال على المواطنين مباشرة والقاء منشورات من الجو على السكان تقول فيها اسرائيل: "انه وبسبب الاعمال الارهابية اضطر الجيش للقيام بالرد الفوري والعمل داخل المناطق السكنية وان عليكم اخلاء منازلكم فورا من أجل سلامتكم".
وكان رئيس ما تسمى هيئة الاعلام القومي الاسرائيلي "باردن فاتيكا" والتي أسست منذ تسعة أشهر لترويج خلفية مفبركة للعدوان على غزة قال لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الاسرائيلية مؤخراً: "لقد حضرنا سلفا المواد الاعلامية التوضيحية والمقابلات والرسائل وبات الموضوع الاعلامي متوحدا مع عملية اتخاذ القرارات".
كما كشفت الصحيفة العبرية أن وزارة الخارجية الاسرائيلية قد وزعت كرّاساً على المتحدثين الاسرائيليين، وطالبتهم بالالتزام بالجمل التي وزعت عليهم – والتي سمعناها بشكل يومي وتتلخص بتحميل حماس المسؤولية عما يجري في غزة -.
غموض وتضليل وفبركة
الدكتور سميح شبيب استاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، قال ان اسرائيل استفادت من حروبها السابقة، خصوصا حرب تموز 2006 في لبنان، وبتوصيات "فينوغراد" فيما يتعلق بضرورة أن يكون هناك غموض وتضليل وفبركة معلومات غير حقيقية للطرف الآخر، ونحن لاحظنا ان اسرائيل قد أخفت أمر الحرب البرية على غزة حتى مساء اليوم الثامن من عدوانها، مشيرا الى حادثة استشهاد أطفال الدكتور نزار ريان القيادي في حركة حماس حيث يدعي جيش الاحتلال أنه اتصل بهذه العائلة قبل قصفها، لكنهم لم يغادروا المنزل، وهم يريدون بذلك اخلاء مسؤوليتهم عن هذه المجازر.
ويوضح شبيب أن جيش الاحتلال روّج أثناء العدوان أن بحوزته صواريخ صوتية لافزاع المدنيين قبل قصفهم، كما أن الاتصال بالمواطنين يهدف الى اشاعة الفزع وخلق اضطراب جماعي.
وفي المقابل يرى شبيب أن المقاومة الفلسطينية صدقت في اعلامها، فهي قالت ان الرد سيكون متتالياً، وبدأت بالتدرج في استخدام صواريخ ذات مدى أقل، ثم أخذت تزيد من مدى هذه الصواريخ، ولذلك فان الاسرائيليين أيضا أصيبوا بحالة من الفزع الشديد، فهم لا يعلمون مدى هذه الصواريخ.
قلب الحقائق
أما الكاتب المتخصص في الشؤون الاسرائيلية وديع عواودة، فله وجهة نظر خاصة في الاعلام الاسرائيلي، اذ وصفه بأته يتصرف كـ"القطيع"، وتساوق خلال العدوان مع الآلة العسكرية، وتعامل مع غزة وكأنها "امارة ايرانية" ستغرق اسرائيل في البحر، بينما تجاهل قتل المدنيين وحصارهم، الى جانب عدم اعترافه بالقيادة الفلسطينية المنتخبة.
ويوضح عواودة أن الاعلام الاسرائيلي استخدم ذخائره الاعلامية فيما يتعلق بالحرب من خلال تشويه الرواية وبيع رواية مشوهة للاسرائيليين وطمس الرواية المضادة، حيث قامت المؤسسة الحاكمة بتلقين هذا الاعلام بما يجب أن يقوله أثناء الحرب، وبما أن هذا الاعلام "كسول" فهو بالتأكيد لا يقوم بما يتم تلقينه به.
ويستشهد عواودة بما قام به سلاح الجو الاسرائيلي خلال العدوان على غزة، من نشر صور لاحدى طائراته وهي تقصف شاحنة محملة بصواريخ غراد كما زعم، وبعد أقل من 24 ساعة كشفت منظمة بيتسيلم لحقوق الانسان في اسرائيل أن الشاحنة كانت محملة بأنابيب الأوكسجين الخاصة بالمستشفيات.
ويخلص عواودة الى أن هناك اتفاقا غير مكتوب بين الحكومة والاعلام الاسرائيلي يهدف الى "كي وعي الفلسطينيين" نفسيا من خلال "الصدمة والترويع"، واظهار المجتمع الفلسطيني على أنه غير متماسك وتطبيق نظرية "فرّق تسُد".
وحسب عواودة فان بامكان الجانب الفلسطيني مواجهة هذه الأساليب الاسرائيلية من خلال ترشيد معارك العدو واظهار أنها تستهدف المدنيين وليس أكثر، وكشف الحقائق حتى في الأزمات بشكل مدروس، والاهتمام بشكل كبير بمخاطبة الاسرائيليين باللغة العبرية.
وبرأي العضو العربي السابق في الكنيست الاسرائيلي هاشم محاميد فانه مهما حاولت "ماكينة الاعلام الصهيوني" قلب الحقائق فان الصورة المرئية تعبر أكثر من ألف مقال.
ويستذكر محاميد أنه في حرب تموز قال جيش الاحتلال أنه سيحطم حزب الله وسيقتلع المقاومة وسيضرب ايران وسوريا، وتبين في النهاية أنهم نسوا لماذا خرجوا للحرب، وها قد نزلوا عن الأهداف العليا التي رسموها في حربهم على غزة كما حدث في لبنان.
نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية
بقلم مراسل الصحيفة في رام الله محمد الرنتيسي
شارك بتعليقك