فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

رنتيس: 32 عاما على أسر اسرائيل لابني العم

مشاركة محمد الرنتيسي في تاريخ 20 تشرين أول، 2009

صورة لقرية رنتيس - فلسطين: : رنتـــــيـــــــــس القـــــديـمـــــــــــــة #22 أنقر الصورة للمزيد من المعلومات عن البلدة
عميدا الأسرى الجديدان نائل وفخري البرغوثي
الحكاية بدأت عام (78) والنهاية لا زالت بلا تاريخ..!!

رام الله - الدستور - محمد الرنتيسي

في الرابع من نيسان لهذا العام، يكون "عميد الأسرى الفلسطينيين الجديد" نائل البرغوثي، أو "أبو النور" كما يحلو لرفاقه أن يسموه، قد أنهى 31 عاماً رهن الاعتقال، حيث اعتقل بتاريخ 4/4/1978، قبل أن ينهي دراسته الثانوية في مدرسة الأمير حسن الثانوية في بلدة بيرزيت، في حين ينهي ابن عمه الأسير فخري البرغوثي "أبو شادي" الذي يشاركه "عمادة الأسرى" المدة نفسها بعد اقل من ثلاثة شهور، بتاريخ 23/6/2009.

فبعد "أبو السكر" و"أبو الحكم"، انتقل لقب عميد الأسرى الفلسطينيين "مناصفة" إلى "أبناء العم" الأسيرين نائل وفخري البرغوثي، في حكاية مترامية الأطراف، بدأت في العام 1978، لكنها لا زالت تنتظر تاريخاً للنهاية.

ولد الأسير نائل البرغوثي في قرية كوبر قرب رام الله عام 1957، ويبلغ من العمر حاليا (51 عاماً) أي أنه أمضى في سجون الاحتلال فترة أطول من تلك التي أمضاها خارجها، فقد اعتقل وهو في العشرين من العمر، برفقة شقيقه الوحيد عمر البرغوثي "أبو عاصف" والذي حُكم هو الآخر حينها بالسجن المؤبد، غير أنه أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى الشهيرة التي أبرمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" مع إسرائيل عام 1985، ليعاد اعتقاله عشرات المرات منذ تلك السنة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، حيث أمضى ما مجموعه (23) عاماً في سجون الاحتلال، ولم يسلم نجلاه "عاصف" و"عاصم" من الاعتقال، حيث أُفرج عن الأول مؤخراً، في حين يقضي الأخير حكماً بالسجن لمدة (13) عاماً.
"أنا يمّة كنت مثل صيصان القرش"، قالها نائل البرغوثي بتواضع شديد، مقارناً نفسه بغيره من الأسرى الذين طالت مدة أسرهم، وذلك عقب الإفراج عنه بعد اعتقاله الأول أثناء دراسته الثانوية العامة والذي لم يدم أكثر من شهر، بتهمة المشاركة في فعاليات نضالية ضد الاحتلال.

كان نائل واسع الاطلاع، كثير المطالعة، دائم البحث عن الحقيقة، لم تشغله اهتمامات الشباب العادية، فغادر مراهقته مبكراً، واحتل الوطن المساحة الأكبر من خارطة اهتماماته، وأخذ الوقت الأكبر من تفكيره، فأعدّ نفسه مبكراً للمواجهة مع المحتل، فكان دائم اليقظة متحفزاً، وهجر فراش النوم الوفير الدافئ، ولم يفت في عضده اعتقاله الأول، بل كان بمثابة وقود نار التحدي، ويوماً عن يوم تجسدت قناعاته بأن "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، فقام بالتخطيط مع أخيه عمر وابن عمه نائل لعملية عسكرية جريئة في مستوطنة "حلميش" القريبة من قريته.

حدد الأبطال الثلاثة هدف العملية باغتيال ضابط في جيش الاحتلال، "قائد سرب مظلات في سيناء"، وكان يتردد على المستوطنة المذكورة، فتمت مراقبته، إلى أن أجهز عليه أفراد المجموعة، وسقوه من كأس الموت، الذي طالما سقاه المحتلون لأبناء الشعب الفلسطيني، ومع فجر الرابع من نيسان عام 1978، اعتقل نائل، ليتبعه عمر بعد ثمانية أيام، بينما اعتقل فخري بعدهما بأقل من ثلاثة أشهر، بتاريخ 23/6، وأصدرت المحاكم الصهيونية حكمها الجائر على المجموعة بالسجن المؤبد "99" عاماً.

بداية.. ولا تاريخ للنهاية
وتروي "حنان البرغوثي"، شقيقة نائل، لـ"الدستور" حادثة اعتقال المجموعة، فتقول: "اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال منزلنا في قرية كوبر، واقتادت نائل مكبلاً ومعصوب العينين إلى "جيب" الاعتقال، بعد أن قلب الجنود المنزل رأسا على عقب، وألقوا بالمواد التموينية على الأرض، وبعد ثمانية أيام اعتقل والدي "صالح البرغوثي" وأخي عمر، وأمضوا برفقة نائل (120) يوماً رهن التحقيق في زنازين الاحتلال".

وتضيف: "أفرجوا عن والدي بعد أن أذاقوه شتى أصناف العذاب وفرضوا عليه الإقامة الجبرية بعد الإفراج، وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر على اعتقال نائل وعمر، اعتقلت قوات الاحتلال ابن عمي فخري البرغوثي "أبو شادي" أقدم أسير فلسطيني بعد نائل، وحُكم على الثلاثة بالأحكام المؤبدة العسكرية، وفي العام 1985، أُفرج عن عمر بموجب صفقة تبادل الأسرى مع أحمد جبريل، في حين بقي نائل وفخري رهن الاعتقال إلى يومنا هذا".

أما الأسير المُحرر "عمر"، فقد روى لمراسل "الدستور"، الأيام الأخيرة لوالديه مع نائل، فيقول: "في الفترة الأخيرة كان أبي هو الذي يزور نائل فقط، حيث مُنعت أمي من الزيارة فترة طويلة بسبب ما عُرفت به من نشاط في تنظيم فعاليات التضامن مع الأسرى، وبعد وفاة والدي، تمكنّا بعد الاتصال بالعديد من المؤسسات الإنسانية من الحصول على تصريح زيارة لأمي لمدة يوم فقط، بشرط أن لا يرافقها أحد من أهلها، حيث ذهبت للزيارة برفقة زوجة أسير آخر من قريتنا".

ويضيف: "عندما سمح لوالدتي بالزيارة في شهر نيسان من عام 2006 كان وضعها الصحي سيئ للغاية، فاضطررنا لأخذها بسيارة إسعاف وعلى سرير متحرك، وكانت زيارة الوداع بالنسبة لها، حيث توفيت بعد ذلك بستة أشهر، ولم يحضر نائل جنازتها ولا جنازة والدي الذي توفي قبلها بأكثر من عام، وبقيت صورهما هي المؤنس له في سجنه، أما أنا فقد حضرت جنازة والدي فقط، لأني كنت معتقل إداريا يوم وفاة والدتيً".

وعن تلك اللحظات تعود حنان للحديث فتقول: "كانت المرة الأولى منذ 28 عاماً، والأخيرة التي تحتضن فيها "أم الأسرى" ابنها نائل، كانت تودعه ولديها شعور بأنها ستغيب عنه للأبد، وهو أيضاً كان يودعها، فقد بكى أصلب من عرفت الحركة الأسيرة في تاريخها، فبكى رفاقه في السجن، وبكى سجّانوه".

"فرحة" لم تذق طعم الفرحة !!
"وينك يما يا نائل وينك يما يا عمر".. هذا آخر ما نطقت به الحاجة فرحة البرغوثي (75 عاماً) قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، لتختتم "أم الأسرى" حياة مليئة بالأحزان والإرادة، وتضع حداً لمسلسل طويل من معاناة التنقل بين السجون، وانتظار الإفراج عن ولديها الأسيرين، ورحلت فرحة، دون أن تتذوق طعم الفرحة، لكنها ستبقى رمزاً لأمهات الأسرى، كيف لا.. وهي لم تغب عن أيّ مسيرة، أو اعتصام، أو تظاهرة، أو إضراب عن الطعام، طوال ثلاثة عقود..؟.

لقد تناست أم عمر الألم الذي كانت تعاني منه جَرّاء مرضها بالقلب وتشمع الكبد، واستبدلت صرخات الألم بصرخات أشد إيلاماً وهي تنادي على ولديها الأسيرين حين كانت تسلم روحها الطاهرة إلى باريها.

يقول حفيدها، عاصف عمر البرغوثي، الذي وُلد في ذات العام الذي اعتقل فيه عمه نائل مع والده: "تنقلت جدتي فرحة بين سجون الاحتلال كافة، دون كلل أو ملل، لم يبق سجن إسرائيلي إلا وزارته، ولم يبق أسير من ذوي الأحكام المؤبدة إلا عرفته، اشتهرت بالجرأة والشجاعة في مواجهة جنود الاحتلال وشرطة السجون وتعرضت في كثير من الأحيان للاعتداء من قبلهم، كانت تنتقد القادة والمسؤولين وتحمّلهم مسؤولية التقصير في تحرير الأسرى وتجاهلهم في اتفاق أوسلو، كنت برفقتها في المستشفى يوم وفاتها، لقد فارقت الحياة وهي تنادي على أبي وعمي نائل".

ويضيف: "احتفظت جدتي طيلة 28 عاماً بصور ولديها فوق سريرها داخل غرفتها المتواضعة، وكانت تحرص على الاعتناء بتلك الصور وكأنها تعتني بأولادها وترفض السماح لأي شخص بالاقتراب من الصور التي لا زالت معلقة فوق سريرها".

يلتقي بولديه في الأسر
لا يختلف حال أسرة "أبو النور" عن أسرة ابن عمه "أبو شادي"، فقصة عائلة "البرغوثي"، تصلح لأن تكون واحدة من أهم الروايات البطولية الحقيقية، هي قصة الوالد الذي رحل قبل أن تكتحل عيناه برؤية ابنه محرراً، هي قصة الأسير الذي حُرم من إلقاء نظرة الوداع على والديه، هي باختصار قصة الأحكام المؤبدة.

فإلى جانب عميدا الأسرى "نائل وفخري"، هناك أيضاً من أبناء عمومتهم، جاسر ومراد البرغوثي المعتقلين منذ عدة سنوات، وقد حُكم على كل منهما بأربعة عشر مؤبدا، إلى جانب الأسير النائب مروان البرغوثي، أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية والذي يقضي حكماً بالسجن لمدة خمسة مؤبدات، إضافة إلى الأسيرين بلال البرغوثي "مؤبد"، وعبد الله البرغوثي الذي يقضي حكماً هو الأعلى في تاريخ إسرائيل، ومدته 67 مؤبداً.

بعد نحو ربع قرن في سجون الاحتلال، وبدلاً من أن يحتضن أبناءه في ربوع الحرية، يلتقي المناضل الأسير فخري البرغوثي بولديه "شادي" و"هادي" في تلك السجون خلال الانتفاضة الحالية، حيث يقضي ابنه البكر شادي البرغوثي حكما بالسجن لمدة 27 عاما ويقبع إلى جانب والده منذ خمس سنوات في سجن واحد.

تقول "أم شادي"، وهي ناشطة أيضاً في فعاليات التضامن مع الأسرى، "بدلاً من أن يفرجوا عن فخري، اعتقلوا أولادي الاثنين، وبقيت وحيدة في البيت، ولا زلت أنتظر اليوم الذي نلتقي فيه جميعا لنشعر بأننا عائلة وأسرة".

وتوضح "أم شادي" أن زوجها كان من بين الأسرى الثمانية عشر، الذين رفضت سلطات الاحتلال إطلاق سراحهم ضمن صفقة تبادل الأسرى عام 85، والتي أفرج خلالها عن 1150 أسيراً.

ورداً على سؤال "الدستور" إذا ما كانت تتوقع أن يستمر اعتقال زوجها طوال هذه الفترة، أجابت بابتسامة خجولة: "لم أكن أتوقع أن يمتد أسر أبو شادي كل هذه السنين، ومع الحديث عن أي صفقة لتبادل الأسرى، أجدد توقعاتي أو "أملي" بأن يكون له نصيب فيها، خاصة وأنه من أقدم الأسرى منذ بدأت هذه الصفقات".

وعن زوجها وتوقعاته بالإفراج عنه في صفقة التبادل المرتقبة، قالت أم شادي: "لقد تركت صفقة التبادل عام 85 جرحاً عميقاً في قلب أبو شادي لم يندمل بعد، كان يعلق آمالاً كبيرة على تلك الصفقة، وكان الجميع يتوقع أن تشمله الصفقة، وقمنا بالاستعداد لاستقباله، ويوم تنفيذها كان أبو شادي في المطبخ التابع لسجن "جنيد" يحضر الطعام للأسرى، وعندما عاد إلى غرفته لم يجد فيها أحد، فقد أفرجوا عن كل زملاءه في الغرفة وبقي وحيداً".

وأضافت: "منذ ذلك الحين وهو لا يتفاعل بشكل كبير مع هذه الصفقات، لكنه لم يفقد الأمل، وما زال ينتظر اليوم الذي تنتهي فيه هذه الرحلة الطويلة من الأسر".

وختمت "أم شادي" حديثها بالقول: "التضحية واجب دائم علينا، لأن فلسطين بأرضها ومقدساتها تستحق النضال.. لم نناضل يوماً في سبيل أشخاص أو تنظيمات، نحن نناضل من أجل قضية، وأنا وزوجي وأولادي على استعداد أن نموت في سبيلها".

"شاليط".. وأسرى فلسطين
قبل أيام، أتم الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، يومه الألف في قبضة رجال المقاومة الفلسطينية، حيث يحترق العالم وفي مقدمته أمريكا لإطلاق سراحه، في حين تحترق قلوب أمهات أكثر من (11000) أسير بينهم كثيرون في حالة نائل وفخري وجاسر ومراد ومروان، دون أن يحرك أحد ساكناً.

ولا تلوح في الأفق أي بوادر مشجعة لإبرام صفقة تبادل الأسرى التي طال انتظارها، مع قيام حكومة يمينية برئاسة بنيامين نتانياهو في إسرائيل، لا سيمّا وان العديد من قادة ائتلافه المقبل يعارضون عملية تبادل أسرى تتضمن إطلاق سراح مئات الفلسطينيين المعتقلين بتهم المشاركة في هجمات ضد إسرائيل والذين تصفهم بـ"الملطخة أيديهم بالدماء".

ومع كل ذلك فان تحرير عدد من الأسرى القدامى مثل أبو السكر وسمير القنطار وسلطان العجلوني وسعيد العتبة وأبو علي يطا، يعطي الأمل لنائل وفخري وصالح السبتي وكريم يونس والرازم وغيرهم، وهنا يدرك المراقبون بأنه قد حان الوقت كي تنتزع القيادة الفلسطينية اعترافا إسرائيليا ودولياً بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب ومقاتلي حرية، وان يشملهم أي اتفاق قادم دون تمييز أو قيد أو شرط أو استثناء ويضمن الإفراج عنهم، مع التأكيد مجدداً على أن من واجب طاقم التفاوض الفلسطيني أن يرتقي بتعاطيه مع الأسرى كقضية سياسية وطنية نضالية غير خاضعة لمبادرات "حسن النوايا" الإسرائيلية.

لقد بات الكل الفلسطيني يدرك، انه من غير الممكن إقفال ملف الأسرى دون إقفال ملف الاحتلال برمته، لكن في الوقت ذاته لا يمكن القبول بإقفال ملف التسوية والصراع دون إغلاق ملف الأسرى وتأمين تحريرهم بشكل شامل وكامل.

كانت الحاجة "فرحة" تعلق أملها على فرع شجرة الزيتون، بأن تحتضن أبنها نائل حرّا قبل أن تغمض جفونها للمرة الأخيرة.. رحلت "الفرحة" وبقي السؤال معلقاً عمن يتحمل المسؤولية عن هذه المأساة وعن عذابات الآباء والأبناء والزوجات والأمهات.. من المسؤول عن وجود نائل وفخري وإخوانهم أكثر من ثلاثة عقود في الأسر..؟؟.

نقلا عن صحيفة "الدستور" الاردنية
بقلم: محمد الرنتيسي - مراسل الصحيفة في رام الله .
ملاحظة: تم نشر هذا التقرير بالتزامن في صحيفة "الاتحاد" الاماراتية.



إذا كنت مؤلف هذه  مقال وأردت تحديث المعلومات، انقر على ازر التالي:

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع