اب دائم الغياب... ولقاء منتظر هو جل ما يحلم به الطفل الاصم فرانكي (جاك ماكيلهون) ابن التسعة اعوام، بطل الفيلم البريطاني "عزيزي فرانكي" انتاج 2004، ليس هناك اي ملامح في ذاكرة فرانكي لابيه، فقد غادره وهو صغير جدا ولا توجد اي صورة تذكر به، رغم هذا ثمة علاقة عميقة، ولطيفة تجمعه بوالده نشأت من خلال الرسائل التي يبعثها اليه من مختلف الاماكن التي يذهب اليها، بحكم عمله على متن السفينة.
في الواقع والد فرانكي لا يعمل على متن السفينة، وليس هو بالرجل اللطيف الذي من الممكن ان ينشئ علاقة حميمة مع ابنه ولا زوجته، انما بسبب عنفه اصبح فرانكلين اصم، ودفع ب ليزي (ايملي مورتيمر) وابنها فرانكلين الى الاختفاء فجأة من حياة الزوج، ولكي لا تَصدُم فرانكي عندما يكبر، راحت الام ترسم صورة وديعة للاب الغائب، وخلق عالم وهمي عن اب دائم الترحال بحكم عمله على متن سفينة، راحت تكتب لفرانكي الرسائل على انها من ابيه، وتتلقى الردود التي يرسلها فرانكي اليه.
عودة الاب الغائب
الرسائل التي يبعثها فرانكي الى والده وحدها القادرة على اخراج فرانكي من صمته، ومن خلالها تتواصل والدته مع عالمه الداخلي، واهتمامته، وهواجسه، فماذا يمكن ان تفعل ليزي الان وهي تقرأ في احدى هذه الرسائل، ان فرانكي علم من الجريدة بعودة السفينة التي من المفترض ان والده يعمل على متنها الى ارض الوطن؟
هذا ما لم يكن في الحسبان وتكاد ليزي ان تنهار، هل تكشف له الحقيقة ام تستمر في لعبة الوهم؟
تتفق ليزي مع رجل مجهول مقابل نقود، كي يلعب دور الاب العائد ليوم واحد فقط انقاذا للموقف، وتطلعه على مجموعة الرسائل كي يتعرف اكثر الى فرانكي، وليتمكن من مقاربة صورة الاب المرسومة، بعد ذلك قدمته لفرانكي على انه ابوه، رغم جمود اللقاء بينهما الى ان ذلك الرجل تمكن خلال ساعات ذلك اليوم المحدودة ان يبني علاقة لطيفة مع فرانكي، دفعته الى طلب يوم اضافي يمضيه معه، وقبل ان يغادر العائلة اعاد اجره الى ليزي حيث شعر بانه جزء من العائلة.
في هذه الاثناء علمت ليزي ان والد فرانكي الحقيقي يحتضر، وطالبها برؤية ابنه قبل ان يموت، فترفض ليزي بشدة، فهي لا تستطيع ان تهدم الصورة الوردية التي رسمتها في مخيلة ولدها عنه، وليس الان بعد ان قابل ذلك الرجل المجهول وتعلق به.
في المشاهد الاخيرة من الفيلم نتبين ان ليزي اعلمت فرانكي بالحقيقة بعد موت والده الحقيقي، لكن فرانكي يستمر بارسال الرسائل لذلك الرجل المجهول، يخبره انه اصبح يعلم الحقيقة، وانه سوف يكون سعيدا لو التقاه مرة اخرى لكن هذه المرة كصديق.
"عزيزي فرانكي" هو الفيلم الروائي الطويل الاول لمخرجته البريطانية (شونا اوربتش)، ويحسب لها العناية بالتفاصيل واهتمامها بتأسيس علاقة الطفل بوالده الغائب من خلال عدد من المشاهد والمفردات، كخارطة العالم التي يعلقها فرانكي على مساحة الحائط ويغرز به علامات تمثل سير سفينة والده حول العالم، كذلك اهتمامه بكل ما يخص عالم الاحياء البحرية؛ كالاسماك، وفرس البحر، كذلك السفن، وكتب عالم البحار، وكل ما يمكن ان يمت الى والده الغائب والمنتظر بصلة، ومن المشاهد الجميلة تلك التي يتحسس فيها على امتداد درج المنزل صعودا ونزولا، زنار البلاط الذي يحمل اشكال البحر والسفن مع اضاءة جميلة تنقل المشاهد الى احلام وعالم فرانكي.
الا ان من الاشياء التي تعد نقطة ضعف في الفيلم، كيفية تطور الحدث وصولا الى الحل، فتصل العقدة الذروة في اللحظة التي يعلم فيها فرانكي ان السفينة التي من المفترض انها تقل والده قادمة، الذروة التي تكاد ليزي ان تنهار امامها لان ان كشفت الحقيقة لابنها وان الزالت الوهم ستسبب مشكلة كبيرة والم عميق وصدمة بالغة لفرانكي، مما جعلها تستأجر رجلا يلعب دور الوالد، بالاضافة لمجموعة التفاصيل والمشاهد التي ذكرنها سابقا التي تظهر مدى تعلق فرانكي بفكرة الاب، وبقدر هذا التعلق ستكون الصدمة، لذا من غير المنطقي ان يأتي الحل في نهاية الفيلم ان تبلغه بالحقيقة دون ان يكون هناك مبرر قوي والا لمَ لم تكشفها من البداية ولم تجهد نفسها في صنع ما صنعت، وتأتي ردة فعل الطفل فرانكو الطبيعية والمتفهمة ازاء ذلك، غير مفهومة او مبررة، كأن شيئا لم يحدث.
بقلم المحامي منتصر رواجبه
شارك بتعليقك