" العالم الكبير أبن ضاحية شويكة منير حسن نايفة "
كم هو رائع أن يمتد جسر الحاضر بجسور الماضي ..
و كم هو رائع أن نوصل الحديث عن أمجاد الماضي بإنجازات الحاضر ؛ لتكون شاهد عيان يفصح عن مستقبل مشرق قادم للأمة ، يمتد من عراقة التاريخ إلى أقصى حدود لغة العصـر ...
عَلَم من أعلام الريادة في حقل الذرات ، حصد لنا أملاً بأن أهل الضاد يمكن أن يمسكون بالراية من جديد هو عالم فـيزيائي مسلم و عربي ، استطاع أن يحقق ما يبدو ضرباً من الخيال العلمي ... الكتــابة بالــذرات .
قالوا له : شو اسمك ؟ .. قال لهم : فلسطيني
قالوا له : شو ذنبك ؟ .. قال لهم : فلسطيني
قالوا له : شو عَلَمك ؟ .. قال لهم : فلسطيني
قالوا له : شو وطنك .. حزبك ؟؟؟ .. قال لهم : فلسطيني ... فلسطيني ... فلسطيني
لم تكن في نيته الهجرة؛ فقد دفعته ظروف بلاده المحتلة - مثل كثيرين غيره من أبناء بلده الذين شردتهم يد الاستعمار- دفعا للهجرة إلى الأردن؛ حيث استكمل دراسته الثانوية ثم حصل على البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت.
وعندما أراد أن يعود إلى بلاده رفضت قوات الاحتلال بدعوى أنه يحمل الجنسية الأردنية، فدارت الدنيا به، وأصبح لا يعرف ماذا يفعل؟ فهو لا يملك أي وظيفة، كما أنه أصبح بلا وطن يعود إليه.. إنه العالِم الفلسطيني "منير حسن نايفة" أحد أبرز علماء الفيزياء في القرن العشرين، والذي وضع يده على مفاتيح الذرة، فقررت أن تبوح له بأسرارها.
ولد "نايفة" في ديسمبر من عام 1945 بقرية الشويكة ناحية طولكرم الفلسطينية ؛ حيث أكمل دراسته الابتدائية قبل أن يغادرها للأردن لاستكمال دراسته الثانوية، التي حاز بعدها على منحة دراسية، حصل بموجبها على البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1968، ثم الماجستير في الفيزياء في عام 1970، نال بعدها منحة أخرى مقدمة من جامعة ستانفورد الأمريكية للحصول على الدكتوراه. أثناء عمله بمعامل ستانفورد كاليفورنيا وجهه أستاذه لدراسة ذرة الهيدروجين أبسط العناصر الكيميائية الموجودة في الطبيعة باستخدام أشعة الليزر؛ أملاً في الوصول على المزيد من الأسرار التي ما زالت تستعصي على العلم التجريبي بخصوص هذه الذرة. وحصل بالفعل نايفة على درجة الدكتوراه في حقل الفيزياء الذرية وعلوم الليزر في 1974م .
عمل نايفة في الفترة من عام 1977 وحتى عام 1979 باحثا فيزيائيا بمعامل أوج ؟ رج بجامعة كنتاكي، ثم التحق في نهاية هذه الفترة عام 1979 بجامعة آلينوى. وهو نفس العام الذي شهد حصوله على جائزة البحث التصنيعي في الولايات المتحدة؛ حيث تم تأسيس مؤتمر سنوي يعرض آخر التطورات والتطبيقات في ابتكاره.
نايفة يرصد الذرات المفردة بالليزر داخل معمله عام1977م
أولـى الخطـوات نحو القمـة :
يعود حب نايفة للعلم إلى فترة الطفولة؛ فقد كان شغوفا بصناعة أجهزة الراديو (المذياع)، ويعتبرها هوايته المفضلة، ويقضي كثيرا من الوقت في القراءة عنها، ويذهب إلى السوق ومحلات الأدوات الكهربائية ليشتري الهوائيات لكي يتم عمله الذي طالما أحبه والذي اعتبره هو نفسه بداية الطريق الذي أوصله ليصبح عالما كبيراً .
و حتى الآن مازال د. نايفة يتذكر سنوات الدراسة في مرحلة الثانوي، والأستاذين سليمان والعبيدي، وكيف كانت معاملتهما له أشبه بالعلاقة التي تربط بين مجموعة من الأصدقاء، وليست مجرد علاقة بين الأستاذ والتلميذ، وذلك على الرغم من أنه كان ما يزال تلميذا وشابا صغيرا. وفى الجامعة الأمريكية ببيروت كان للدكتور أنطون أصلان -الفلسطيني الأصل- أكبر الأثر في حبه للفيزياء، وهو ما دفعه للتخصص في هذا المجال .
عندما يكتب نايفة
كتب نايفة بالذرات حرف و معنى لامس حنايا الضلوع ...
هل لأن الذرات تسبر الأغوار لتناهيها في الصغر ... أم هو ذاك الحرف الذي سكن قلب نايفة لتجسده الذرات و تصيغه المجلات العلمية الأجنبية كيفما راق لها أن يكون ... و في قلب نايفة الحنين إلى الطفولة و الأرض و الإنسان و العشق الأزلي لمساحة من الكون هي أغلى ما يكون ... نسميها " وطـن .
"تحطيم الذرات أنتج الطاقة النووية والقنابل الذرية، ماذا يمكن أن يحدث لو استطعنا بدلاً من تفجير الذرات التحكم بحركتها وتغيير مواقعها وإعادة ترتيبها كما نشاء؟ "
هذا السؤال طرحه عام 1959 ريتشارد فاينمان، الذي يعد من أعظم علماء الفيزياء في القرن العشرين. ولم يتوقع فاينمان الذي نال نوبل في الفيزياء أن يتوصل العلماء إلى طريقة لتحريك الذرات إلا في مستقبل بعيد.
لكن بعد أقل من عقدين استطاع منير نايفة أن يحرك الذرات المنفردة ذرة ذرة. وفي التسعينيات رسم نايفة بواسطة الذرات صورة تمثل القلب والحرف الإنجليزي P تناقلت الصورة وكالات الأنباء. وذكرت المجلة العلمية البريطانية واسعة الانتشار "نيوساينتست" أن نايفة اختار P لأنه يمثل الحرف الأول من كلمة "فيزياء" Physics بالانجليزية، وذلك تعبيرا عن حبه للفيزياء .
و الحقيقة أن الفيزياء كان لنايفة العلم الذي أحبه .. و لكن حـرف إل "P" على ما يبدو لم يكن يشير إلى الفيزياء
بل هو إشارة لما يسكن قلب نايفة ...."فلسطـين"
ففي حوار للدكتور محمد عارف مع الفيزيائي منير نايفة ـ نشر في مجلة العربي ـ سأله مازحاً " ً: "يمكن أن يكون P الحرف الأول من كلمة فلسطين Palestine بالانجليزية". قال نايفة "يمكن"، وضحك الضحكة الناعمة التي تبدو كأنها صادرة من أبعد أغوار الكون، من الذرات، التي يعمل داخلها علماء الفيزياء. و عندما رأى المحاور أنه سيكتب في الصحافة أن رسم القلب وحرف P يعنيان "أحب فلسطين" وليس الفيزياء، كما زعمت المجلة العلمية... أثار ذلك مخاوف زملاء نايفة ؛ فقد يكون في ذلك استفزاز للأوساط اليهودية ذات النفوذ الماحق و"بأي بأي" لجائزة "نوبل" التي قد يستحقها نايفة!
فما كان من زملاء نايفة إلاّ أن طلبوا ـ و هم نصف مازحين نصف جادين ـ أن يُعرض الموضوع في الصحافة بـ "خفة دم"، كأن يقال أن حرف P لا يعني فلسطين ولا الفيزياء، بل هو الحرف الأول من اسم فتاة وقع في غرامها أيام الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت... وفزع نايفة المتزوج من فتاة عربية اسمها هتاف "بنت بلد من طولكرم"، وقال إنه يخشى حكاية "غرام بيروت" أكثر من فقدان جائزة نوبل!
شارك بتعليقك