البزيقه والعنكاب ..
بقلم : صالح صلاح شبانة
انزلقت البزيقة عن الصخر الأملس ربما للمرة المئة بعد الألف...!!
كان العنكاب ينظر اليها بدهشة وشهوة ، ربما تكون طبقا على مائدته الشهية ، وهو لا يكف عن نسج خيوطه التي توقع بالأخرين..!!
تلك الخيوط الجهنمية التي توقع بالحشرات فيها لتكون وجباته الشهية ، وهو لا يكف عن افتراسها ، فتلك هي طبيعته ، وتلك هي مهمته الوحيدة في الحياة ....!!!
كان يتمنى لو يقفز الى السيل والى الصخرة الملساء ويلتهمها ، فهي وجبة دسمة شهية تملؤه الرغبة اليها والى لحمها الشهي اذا ما قيس بالذباب والنمل والبعوض الناشف ، فأين تلك من البزيقة الدسمة....؟؟!!
ولكنه سينالها يوما ما ، وهو يبتلع ريقه المتحلب اليها شهوة ..!!
- ماذا تفعلين ؟؟ سألها مدعيا الدهشة وهو يعرف أنها تمارس حياتها الطبيعية، فهي قد غادرت صدفتها الحلزونية وتحاول الصعود ، لأن الصعود هو طبيعة المخلوقات ، والبحث عن الشمس هو البحث عن الحياة ...!!
- ألا تكفين عن ممارسة هذه اللعبة السخيفة ؟؟ قالها بلهجة ساخرة وهو يسيل شهوة لأفتراسها والتنعم بوجبة مليئة بالشهوة ، في حين تقع الحشرات في براثن خيوطه الجهنمية ، وعليه أن يوفرها ما دامت صيدا جاهزا ريثما يوقع بالبزيقة ، فهي إن فلتت منه ربما ذهبت للأبد ...!!
كانت تتشاغل عنه وعن أفكاره الخبيثة ،فأسئلته تبدو استفزازية ليجرها إلى حديث قد ينتهي بحياتها بين خيوط بيته الرهيب ، ولكن ماذا تفعل حلزونة خرجت لتوها من صدفتها غير ممارسة حياتها الطبيعية ؟؟
- لماذا لا ترحلين من هنا إلى مكان آخر؟؟ قال لها وهو يعلم أنها لن تفعل، لأنها لن تستطيع الحياة إلا في موطنها الأصلي ...
إذا ذهبت إلى شاطيء البحر بدلاً من حد السيل ، ستموت وتذوب وتتلاشى من الماء المالح ، وإن ذهبت الصحراء سيقتلها الحر ، هي وُلِدَت على أطراف السيل ، وستبقى حتى لو كان المكان رطبا ومظلما والحياة فيه مستحيلة بالنسبة لغيرها ....!!
كانت الحلزونة الرخوة تستمع لأسئلة العنكاب الغبية التي تحمل جرعة زائدة من الخبث ، وتقرأ ما بين سطور كلماته وأسئلته ومعانيه الجهنمية ، ولكنها كانت تصم أذنيها عنها ، وكأنها لا تسمع ولا تفهم ولا ترى ، وهي لا تخافه ، وهي تعلم أنه قادر على التهامها ، ولن ترحل حتى لو كان حتفها تحت بطنها ، تعلم أن قدرها على تلك الحافة من السيل ، وأن انتقالها خوفا أو اجتنابا لشر العنكاب هو انتحار ، فما دام الموت مقدور عليها ، لماذا لا تموت شامخة وتدفن في بطن العنكاب مثل آبائها وأجدادها حتى يأتي يوم الخلاص؟؟!!
كثيرون يرون أن الرحيل حلاً ، وأن الأستسلام حلاً ، وأن المهادنة حلاً ، ولكنها حلول ليس لها معنى ، لذلك قررت أن تبقى ، تلهو على الصخرة الملساء ، وتعيش في موطنها ، ولن تخيفها خيوط العنكاب الجهنمية ، ولن تستسلم له أبدا...!!!!
قال فلان : إذا كان لا بد للموت فمت كريما ، الحياة رحلة قصيرة كاستراحة في ظل شجرة ،
حتى الشجرة التي تعمر طويلا ، فأنها تموت ذات يوم ، ويصبح هيكلها الأخضر حطبا للمواقد ...!!
رحلة غير مأمونة ، فأين أذهب ؟؟
غبي من ينهض من تحت الدلف الى تحت المزراب ، ومزاريب كثيرة ستسيل ماء إذا جادت السماء بالمطر ...!!
تناست أمر العنكاب ، وصارت تفكر بطريقة أخرى مناسبة للحياة الراغدة ، تدوس سهل الخوف كما يدوس أي بسطار تركي الشوك في الطريق....!!
ستعيش بيقظة واحتراس من العنكاب ما دامت أضعف من حربه وقتاله ، ولكنها ستدافع عن نفسها حتى آخر رمق من الحياة ، بقي العنكاب أو ارتحل ....!!!
ولا زالت تتسلق الصخرة الملساء وتعود للسقوط ، وتصعد من جديد وتسقط ، وتفكر وتفكر وتفكر ، فهذه الممارسة هي طبيعة حياتها ....!!
____________________________________________-----
مع تحيات اخوكم في الله _عاشق سنجل_....:)
شارك بتعليقك
أتمنى رؤية المزيد من مقالاته ونصوصه الأبداعية في سنجل ، وهوابت سنجل .