فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

طولكرم: القيادة العربية الفلسطينية –اليهودية الموحدة للحزب الشيوعي الفلسطيني (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني) 1923- 1930... أرشيف م. سليم هاني الكرمي

مشاركة م. سليم هاني الكرمي في تاريخ 27 تشرين ثاني، 2021

صورة لمدينة طولكرم: : توزيع محال الصاغة في مدينة طولكرم 2007م اعداد ناجي عوض أنقر الصورة للمزيد من المعلومات عن البلدة
القيادة العربية الفلسطينية –اليهودية الموحدة للحزب الشيوعي الفلسطيني (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني) 1923- 1930... أرشيف م. سليم هاني الكرمي

تأسست الأحزاب الشيوعية في بلدان المشرق العربي بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 في روسيا وظهور الحركة الشيوعية العالمية، ممثلة بالأممية الشيوعية (الكومنترن). وقد شهدت سنوات العشرينيات من القرن العشرين ولادة ثلاثة أحزاب شيوعية في كلٍ من فلسطين ومصر وسورية، انتسبت إلى الكومنترن، والتزمت بمقررات مؤتمراته العالمية وخضعت لتوجيهات لجنته التنفيذية. وكان الحزب الشيوعي الفلسطيني هو أقدم هذه الأحزاب، حيث تأسست نواته الأولى، منذ تشرين الأول عام 1919 على أيدي ثوريين يهود، قدموا إلى فلسطين في إطار الهجرات الصهيونية، وكان عليهم أن ينشطوا في بيئة غريبة عنهم، لا يعرفون لغة شعبها ولا عاداته ولا تقاليده، وأن يعملوا على تأسيس حزب شيوعي، فرضت عليه قيادة الكومنترن أن يتحرر من تأثيرات الفكرة الصهيونية، وأن يسعى إلى "تعريب" نفسه.

تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني

شهدت فلسطين التي وقعت، بعد الحرب العالمية الأولى، في قبضة انتداب الحكومة البريطانية التي تعهدت بدعم مشروع إقامة "الوطن القومي اليهودي"، بدايات النشاط الشيوعي في منطقة المشرق العربي. فمنذ تشرين الأول 1919، تشكّلت النواة الأولى للحركة "الشيوعية" فيها، على أيدي بعض الثوريين اليهود الأوروبيين، تحت اسم "حزب العمال الاشتراكي"، الذي كان مرتبطاً باتحاد يهودي يساري عالمي باسم "البوعالي تسيون" (عمال صهيون)، وكان يدور في فلك "الصهيونية الاشتراكية" أو "البروليتارية". وقد سعى هذا الاتحاد العالمي، وفروعه، إلى الانضمام إلى الأممية الشيوعية (الكومنترن)، وشرع في مفاوضات طويلة مع لجنته التنفيذية، انتهت، في 25 تموز 1922، إلى الفشل، وإلى صدور بيان عن اللجنة التنفيذية للكومنترن يعلن قطع العلاقات مع قيادة "الاتحاد العالمي اليساري بوعالي تسيون"، لرفضها الشروط التي وضعتها، وهي: التخلي عن الطموحات القومية الخاصة بفلسطين، وحل الاتحاد العالمي وانضمام العناصر الشيوعية فيه إلى صفوف الأحزاب الشيوعية في البلدان التي تقيم فيها.

وبعد الإعلان عن فشل تلك المفاوضات، ولدى انعقاد المؤتمر الخامس للفرع الفلسطيني للاتحاد العالمي اليساري "بوعالي تسيون"، في أيلول 1922، أعلنت الأقلية داخل الحزب انشقاقها، وانفصالها عن الاتحاد العالمي، وقيامها بتشكيل حزب جديد باسم "حزب الشيوعيين الفلسطينيين"، يوافق على شروط الانضمام إلى الكومنترن . وبعد صراعات شديدة، بين جناحي الأغلبية والأقلية داخل الحزب، تمّت، في التاسع من تموز 1923 ، الوحدة بينهما وأعلن رسمياً عن قيام "الحزب الشيوعي الفلسطيني" على قاعدة مقررات الكومنترن . وقد كلفت اللجنة التنفيذية للكومنترن، في 20 آب 1923، سكرتاريتها بمناقشة تقرير عن أوضاع الحزب، فقامت هذه الأخيرة بتشكيل لجنة خاصة أصدرت، في 26 شباط 1924، تقريراً أفاد بأن الحزب الشيوعي الفلسطيني قد استوفى "كل الشروط المطلوبة"، وصار يعتبر "فرعاً رسمياً للكومنترن". وورد في القرار أنه ينبغي "على الحزب الفتي أن يسعى إلى إقامة أوثق الصلات مع أوسع الجماهير العربية بغية تحويل الحزب من منظمة للعمال اليهود إلى حزب قطري حقيقي"، كما دعا القرار قيادة الحزب إلى دعم "حركة التحرر الوطني للسكان العرب في نضالها ضد الاحتلال البريطاني-الصهيوني" .

انضمام العرب إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني

في بداية العام 1924، كنا في فلسطين أمام مجموعة من الثوريين اليهود لا يتجاوز عددهم العشرات، كانوا يمثّلون في نظر السواد الأعظم من الجماهير العربية، التي كان من المفترض أن يتوجهوا نحوها، مجموعة من المستوطنين الأجانب الذين قدموا إلى فلسطين في إطار هجرات بشرية هدفها غزو فلسطين وإقامة دولة يهودية فيها.

في مثل هذه الأوضاع، لم يكن إنجاز مهمة "تعريب " الحزب مهمة سهلة المنال. وبهدف تجاوز هذا المأزق، صار الشيوعيون الفلسطينيون يلحون على قيادة الكومنترن كي ترسل إليهم "رفاقاً " يتقنون اللغة العربية وأدبيات سياسية باللغة العربية. كان الاحتكاك بين الشيوعيين اليهود والعمال العرب يتم في أماكن العمل أو في الأحياء العربية-اليهودية المختلطة، مثل حي المنشية بمدينة يافا. وبهدف امتلاك وسيلة دعائية تساعده على نشر أفكاره بين العمال العرب، تعاقد الحزب، في شهر تشرين الأول 1924، مع "إيليا زكا"، صاحب مجلة "حيفا"، واتفق معه على تحويل مجلته الأسبوعية إلى مجلة دورية تنطق باسم العمال العرب وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم. ويبدو بأن الحزب قد نجح، منذ تلك الفترة، في ضم بعض العمال العرب إلى صفوفه.

كان إنجاز تعريب الحزب الشيوعي الفلسطيني مرهوناً بمدى قدرة قيادته على إعداد كوادر حزبية عربية قادرة على المساهمة بفعالية في قيادة النشاط الشيوعي بين العمال والفلاحين العرب. ومنذ آب 1924، دعا الكومنترن قيادة الحزب في فلسطين إلى إيفاد بعض الدارسين إلى "الجامعة الشيوعية لكادحي شعوب الشرق" لإعدادهم ككوادر حزبية. وبالفعل، قررت قيادة الحزب، في العام التالي، إرسال مجموعة من الأعضاء العرب إلى الجامعة الشيوعية في موسكو لتلقي الإعداد الحزبي المناسب. وكانت هذه الجامعة قد تأسست في نهاية سنة 1920، حينما قرر "مجلس العمل والدعاية"، الذي تشكّل في أعقاب انتهاء المؤتمر الأول لشعوب الشرق في باكو، تنظيم دورات دراسية لمدة ستة أسابيع، أُطلق عليها اسم "الدورات الصدامية"، وكانت تهدف إلى تعليم شيوعيي الأحزاب العاملة في بلدان الشرق بعض مبادئ الاقتصاد السياسي والتاريخ والفلسفة الماركسية والإدارة الاشتراكية السوفيتية. وقد قررت اللجنة التنفيذية المركزية لعامة روسيا، عشية انعقاد المؤتمر العالمي الثالث للكومنترن في خريف عام 1921، تطوير هذه الدورات التعليمية وإنشاء الجامعة الشيوعية لكادحي شعوب الشرق، التي تمّ إلحاقها بمفوضية القوميات .

خطة "التعريب" والعقبات التي واجهتها

في الأسبوع الأخير من آب 1929، شهدت فلسطين أحداثاً ثورية نجمت عن وقوع صدامات عنيفة بين المواطنين العرب والمستوطنين اليهود في عدة مدن فلسطينية، سقط فيها عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، وتخللتها اشتباكات مع قوات الشرطة البريطانية. وقد فاجأت تلك الأحداث قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني وجعلتها تتخذ، في البدء، موقفاً سلبياً منها، الأمر الذي دفع السكرتاريا السياسية للجنة التنفيذية للكومنترن إلى انتقاد هذا الموقف، وإرجاعه، في القرار الذي أصدرته في 16 تشرين الأول 1929 "حول حركة الانتفاضة في عربستان"، إلى عجز قادة الحزب الشيوعي الفلسطيني عن سلوك نهج واضح باتجاه تعريب صفوفه وتوظيف نشاطه الرئيسي في اتجاه العمال والفلاحين العرب. وقد دعت قيادة الكومنترن الشيوعيين اليهود في الحزب الشيوعي الفلسطيني إلى أن يلعبوا دور "المساعدين"، وليس "القياديين"، إزاء رفاقهم العرب، وقامت باستدعاء الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني، أبو زيام، إلى موسكو لإبعاده عن قيادة الحزب في فلسطين.

وقد أثار موقف اللجنة التنفيذية للكومنترن هذا، وبخاصة قرارها باستدعاء أبو زيام إلى موسكو، استياء عدد كبير من الشيوعيين اليهود الذين رأوا في قرار الاستدعاء " محاولة من الكومنترن لإبعاد الرفاق اليهود، بشكل ميكانيكي، عن اللجنة المركزية للحزب وإحلال الرفاق العرب محلهم"، وادّعى بعضهم " بأن مقررات الكومنترن تثير صراعاً قومياً داخل الحزب". وفي الاجتماع الموسع الذي عقدته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني، في نهاية أيار 1930، اتُّخذ قرار " ينص على أن عملية التعريب يجب أن تسير بصورة متوازية مع عملية البلشفة، الأمر الذي يعني أنه لا يجوز تقديم رفاق عرب إلى الهيئات القيادية قبل أن يكونوا قد تبلشفوا "، أي قبل أن يكونوا قد "تضلعوا في العلوم الماركسية"، واغتنت تجربتهم "في الكفاح اليومي"، وأثبتوا "إخلاصهم للمبادئ الشيوعية".
وتجاه هذه المعارضة للتطبيق الفعلي لخطة التعريب، قررت قيادة الكومنترن إنهاء فترة دراسة بعض الكوادر الشيوعية العربية في الجامعة الشيوعية لكادحي شعوب الشرق وإرجاعهم إلى فلسطين. كما قررت، في 23 تشرين الأول 1930، توجيه رسالة مفتوحة إلى جميع أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني توضّح فيها موقفها من شعار التعريب، وتنتقد فيها شعار "التعريب زائد البلشفة"، حيث وردفي تلك الرسالة: " إن جميع أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني متساوون، ويتوجب على الرفاق اليهود أن يشغلوا، مع العمال العرب، المواقع القيادية في صفوف الحزب، لا سيما بعد أن مرّوا بمدرسة عظيمة من النضال. غير أن الشيوعيين اليهود لا يجب أن يكونوا "موجهين" أو "معلمين" بل "مساعدين" للرفاق العرب. ولا يعني طرح مهمة التعريب على أساس معادلة "التعريب زائد البلشفة" سوى الحد من مشاركة العمال العرب الكاملة في حياة الحزب وفي قيادته، وذلك إلى أن ينضجوا. وتتخفى خلف هذه العبارة "اليسارية" نزعة شوفينية صهيونية تبرر الانعزالية اليهودية داخل الحزب. إن شعار "التعريب زائد البلشفة" هو شعار غير سليم، لأن للتعريب الأولوية والأهمية الأكبر من البلشفة في ظروف تطور الحركة الشيوعية في فلسطين ".

إثر عودة الكوادر العربية التي كانت تدرس في موسكو إلى فلسطين، بدأت حملة واسعة للتحضير لمؤتمر حزبي جديد. وقد انعقد المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني بمدينة القدس في النصف الثاني من شهر كانون الأول 1930، بمساهمة 14 مندوباً، وباشتراك ممثل عن قيادة الكومنترن. وبعد أن ناقش مندوبو المؤتمر السابع للحزب قرارات اللجنة التنفيذية للكومنترن بخصوص الأوضاع في فلسطين وفي داخل الحزب، وانتقدوا "الأخطاء السياسية" التي ارتكبتها القيادة السابقة للحزب، انتخبوا لجنة مركزية جديدة ضمت، لأول مرة، أغلبية من الشيوعيين العرب، وانبثق عنها سكرتارية حزبية من ثلاثة أعضاء هم نجاتي صدقي، ومحمود الأطرش وجوزيف بيرغر. لكن لم تمضِ سوى أسابيع قليلة على انعقاد المؤتمر السابع للحزب، حتى قامت السلطات البريطانية في فلسطين باعتقال العضوين العربيين في سكرتارية اللجنة المركزية إثر خروجهما من أحد الاجتماعات، في مدينة القدس، عشية الأول من شباط 1931. كما قامت في نيسان 1932 باعتقال 80 عربياً ويهودياً من أعضاء الحزب الشيوعي ومنظماته الرديفة .

أعضاء القيادة العربية الفلسطينية –اليهودية الموحدة للحزب الشيوعي الفلسطيني (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني) :

القيادة العربية:

1) " محمود المغربي" عرف بالمغربي لأنه يتحدر من اصل جزائري، ولذا كان يعرف أحيانا باسم محمود الجزائري.. هو عامل بناء في " منشية" يافا، كان يملك بيتا صغيرا في تلك المحلة يقيم فيه مع شقيقة طاهر. انتسب الى الحزب سنة 1928 ثم سافر الى موسكو ليلتحق بجامعة الشعوب الشرقية ( من طلاب الدفعة الثالثة) . لم ينه دروسه فقطعها وتوجه في ربيع سنة 1930 الى لبنان مباشرة، حيث عرف في أوساط الحزب باسم " أبو داود". ثم اعتقلته السلطات الفرنسية في أواخر تلك السنة وابعدته الى فلسطين ، ومن ثم انضم الى اللجنة المركزية

2) " رضوان الحلو" ... عامل بناء في " منشية" يافا.. انتسب الى الحزب سنة 1935، وسافر الى موسكو في طلب العلم سنة 1937. عاد الى فلسطين سنة 1939، مارا ببيروت، وانضم الى اللجنة المركزية للحزب، ثم تولى رئاسة اتحاد العمال في يافا، إضافة الى عمله الحزبي... وبعد كارثة سنة 1948 انتقل الى اريحا حيث يعمل في حقل الزراعة

3) " حسن ملك" .. لبناني طرابلسي، " استعاره" الحزب الفلسطيني بعد اعتقال زعمائه العرب، وانضم الى اللجنة المركزية سنة 1931، ثم اعتقل وارسل الى سجن عكا، حيث قضى ستة اشهر بتهمة الدخول سرا الى فلسطين، والاشتباه بانتمائه الى جمعية غير قانونية، واعيد الى لبنان

4) " احمد خلف"... من قرية " بيتونيا" في فلسطين، عامل زراعي، انتسب الى الحزب سنة 1927، وارسل الى موسكو ليتلقى العلم فيها، ثم عاد الى فلسطين سنة 1930. اعتقل سنة 1931، وحين افرج عنه توجه الى موسكو ثانية بقصد تكميل تعليمه. وانقطعت أخباره منذ سني الحرب العالمية الثانية، و المعتقد انه استقر فيها

5) " علي عبد الخالق".. عامل زراعي، ارسله الحزب مع زميله خلف الى موسكو، فلم يبق فيها طويلا، وعاد الى فلسطين سنة 1930 حيث عمل في حقل البناء، الى ان اعتقل، ثم سمح له سنه 1936 بترك السجن والسفر الى اسبانيا، حيث اشترك في الحرب الأهلية وقتل فيها

6) " طاهر المغربي"... شقيق محمود المغربي. عامل بناء، سافر الى موسكو سنة 1936، وظل فيها خلال سني الحرب العالمية الثانية، ثم انقطعت أخباره

7) " عبد الغني الكرمي"... ابن العلامة و الشاعر الشيخ سعيد الكرمي، وشقيق الشاعر عبد الكريم الكرمي( أبو سلمى)، وشقيق المحقق الحجة في الشعر العربي القديم و الموظف في إذاعة لندن الأستاذ حسن الكرمي.
انتسب عبد الغني الى الحزب سنة 1929، وقت كان يعمل في ميدان الصحافة، ثم اوفد في السنة ذاتها الى موسكو ليوسع معلوماته الماركسية خلال سنه واحدة، واختاروا له اسما مستعارا هو " مايخن"!.. وقد قبل بهذه التسمية بقصد التعتيم على شخصيته الحقيقية.
لم يطق عبد الغني، وثقافته فرنسية، نمط الحياة في تلك الديار وكان يتبرم بها، وحاول العودة الى بلاده بعد مدة قصيرة من الإقامة في موسكو، غير ان المسؤولين لم يدركوا السبب في محاولته هذه و ظنوا به سوءا، واعتقدوا انه بات مرتدا، فاهملوا طلبه.. واتصل ذات يوم بممثل الحزب الشيوعي الفرنسي في " الكومنترن " واسمه " باربه" ( Barbe)، وطلب منه ان يسهل له امر السفر فوعده خيرا، الا ان الأيام انقضت دون ان يتمكن عبدالغني من مغادرة البلاد.
وفي ساعة من توتر اعصابه جلس الى مكتبه في غرفته في فندق " لوكس"، واخذ يحرر رساله الى السفير البريطاني في موسكو يطلب منه فيها ان يمنحه جواز سفر، بوصفه من بلاد تخضع لحكم الانتداب البريطاني، وان يتولى تسفيره من الاتحاد السوفياتي.
ترك عبد الغني الرسالة على مكتبه ودخل الى الحمام، فزاره في هذه اللحظة زميله المصري " فتحي "، ووقع نظره على عنوان الرسالة ، واطلع على مضمونها على عجل، وانسحب كانه لا يعرف شيئا من مخطط زميله، ثم اتصل بإدارة الجامعة وروى لها القصة، فهالها الامر واتصلت ب " الغي. بي. أو " ، أي الشرطة السياسية السرية، التي اسرعت وداهمت غرفة عبد الغني واستولت على الرسالة واعتقلته وارسلته الى سجن " لوبيانكا".
وفي التحقيق دافع عبد الغني عن نفسه بقوله انه طلب السفر مرات عديده ولم يجب طلبه، وانه يشعر بضيق نفساني لا اكثر.. وكان يزور موسكو في تلك الأيام سكرتير الحزب الشيوعي في لبنان و سوريه، المرحوم فؤاد الشمالي، فعلم بتوقيف عبد الغني، وبذل جهدا عظيما لدى المسؤولين في " الكومنترن " لإطلاق سراحه وابعاده عن البلاد .. وتكللت مساعيه بالنجاح، وعاد عبد الغني الى فلسطين صيف سنة 1930.
وفي شتاء سنة 1930 عقد مؤتمر للعمال العرب في حيفا، حضرته و القيت فيه كلمه، وهناك التقيت بعبد الغني الكرمي، بوصفه مراسلا لجريده يافية.
وظل عبد الغني في فلسطين سنين عديدة، ثم انتقل الى لندن بعد الحرب العالمية الثانية، وعمل فيها رئيس تحرير مجلة " العالم" اللندنية، التي توقفت عن الصدور سنة 1963، بعد ان عاشت اثنتي عشرة سنه، وكانت في الواقع مجلة حسنة التبويب و الإخراج، غزيرة المادة و الصورة.
عاد عبد الغني الكرمي الى فلسطين في أواسط الستينات، ثم انتقل للعيش في عمان الى ان وافاه الاجل.

8) " نجيب فرنجية".. يتحدر من اصل لبناني.. هاجر والده وعمه من " زغرتا" الى فلسطين في سني الحرب العالمية الأولى.. نشأ وترعرع في حي العجمي في يافا، ثم اصبح صحفيا ومترجما عن الإنكليزية.. حرر في صحف يافا، وانضم الى الحزب سنة 1934.. وبعد مضي وقت اوفد الى موسكو برفقة زوجته بقصد الدراسة.. ثم عاد الى فلسطين سنة 1937 ليعمل في صحف " فلسطين"، و " الدفاع "، و " الاقدام ". وفي سنة النكبة 1948 عاد الى لبنان مع اسرته ( بعد وفاة والده وعمه ووالدته) ، واقام في محلة سن الفيل في بيروت ، وعمل في صحيفة " الهدف "، ووضع " الموسوعة العربية" الصادرة عن دار الريحاني، ثم غادر لبنان مهاجرا.

9) "نجاتي صدقي"... ولد في القدس في ١٩٠٥ وفيها درس وانتسب الى الحركة الشيوعية في فترتها التأسيسية العام ١٩٢٤ وهو موظف في دائرة البرق والبريد. من أوائل الشيوعيين العرب الذين درسوا في الاتحاد السوفياتي وتخرّج كادراً من كوادر «الكومنترن» (الاممية الشيوعية ). اشتهر باسمه الحزبي «سعدي»، وأسهم في حملة تعريب الحزب الشيوعي الفلسطيني وقد غلب عليه المؤسسون اليهود. اعتقل عامي ١٩٣١ و١٩٣٢. كلّفه الكومنترن بالانتقال الى باريس وإصدار مجلة شهرية بعنوان «المشرق العربي» موجهة لعرب المغرب. هناك اختلف مع قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي. كلّف من قيادة «الكومنترن» بالذهاب الى إسبانيا للدعاية للجمهورية الاسبانية بين الجنود المغاربة.
استقرّ في دمشق العام ١٩٣٧ حيث تسلّم قيادة منظمة دمشق في الحزب الشيوعي السوري اللبناني. انتقل بعدها الى بيروت. قررت قيادة الحزب الشيوعي السوري اللبناني تجميد نشاطه بناءً على ضغوط من الحزب الشيوعي الفرنسي. وانقطعت علاقته بالحركة الشيوعية لمعارضته اتفاقية ستالين هتلر العام ١٩٣٩.

القيادة اليهودية للحزب: كانت زعامة الحزب الشيوعي الفلسطيني بيد عدد من الشيوعيين اليهود، وقد جاء معظمهم من روسيا و بولونيا و دول أوروبا ، وهم:

1) السكرتير العام للحزب.. وله أسماء عديدة، اربكت كل من كتب عن الحزب الشيوعي الفلسطيني، وجعلته يتصور انها أسماء لعدد من الزعماء اليهود، فأسماؤه هي " الياهو تيبر"، " در التر – الاختيار"، " أبو زيام "، " حيدر " ، " شامي".. ولد في فيلنا سنة 1986. تأثر في شبابه بالأفكار الاشتراكية ثم انضم الى حزب "بوعالي تسيون" ( عمال صهيون)، الذي تأسس في تلك الديار في مطلع القرن العشرين، وغدا احد زعمائه.. ولما كان هذا الحزب يمزج بين الماركسية و الصهيونية، فقد انتقل الياهو تيبر الى فلسطين حوالي سنة 1922، وسرعان ما تخلى عن حزب بوعالي تسيون بتأثير من الواقع العربي في فلسطين ، و التحق بالحركة الشيوعية العالمية.
عمل على تأسيس " الحزب الشيوعي لفلسطين" وطلب الانضمام الى مجموعة الأحزاب الشيوعية العالمية المعروفة باسم " الكومنترن"، فقبل طلبه شريطة ان يفسح المجال للعنصر العربي للاندماج في الحركة. و سمح له بان يطلق على الحزب اسم " الحزب الشيوعي الفلسطيني". وفي أيامه شرع بتطبيق شعار " تعريب الحزب" ، أي اسناد بعض المراكز الحساسة فيه الى الشيوعيين العرب. وفي سنة 1936،استدعي الياهو تيبر الى موسكو للتحقيق معه في " انحرافات صهيونية" ، وزج في سجن " لوبيانكا"، الخاص بالسياسيين، بعض الوقت ، ثم افرج عنه، و اختفى من الحلبة السياسية وهو على أبواب السبعين من عمره

2) " جوزيف برغر برزلاي ".... صحافي نمساوي الأصل، كان الساعد الأيمن لتيبر ، ويقوم مقامه اثناء غيابه، تولى في الحزب العلاقات الخارجية، و المراسلات الرسمية، ونشر الأبحاث و المقالات عن القضايا العربية و اليهودية في صحيفة " المراسلات الدوليه " التي تصدر في برلين، و تقديم التقارير الحزبية و السياسية و المالية الى مؤسسة " الكومنترن" في موسكو. وفي سنة1936، استدعي جوزف برزلاي الى موسكو للتحقيق معة في وضع الحزب الشيوعي الفلسطيني.

3) " نخمان ليتفينسكي".. من مواليد روسيا، جاء الى فلسطين مع المهاجرين الأول، تزوج من ابنة صاحب حمام في حيفا و اسمها " انيوتا"، وهي روسية المولود أيضا، ذكية و قديرة. انتسب نخمان و زوجته الى الحزب، وشغل مركزا في اللجنة المركزية. وهو يتحدث العربية بطلاقة، ويتقن اللغات الروسية و الفرنسية و اليديشية ( أي اليهودية الألمانية) و العبرية. اوفده الحزب الى لبنان في مطلع الثلاثينات.

4) " دافيد ليختينسكي".. جاء الى فلسطين في أوائل العشرينات، ثم اوفده الحزب الى مصر في 31 اب / أغسطس سنة 1930، ليسهم في تجديد النشاط الشيوعي، وابعد عن مصر في 11 تشرين الأول / أكتوبر سنة 1930، مع بول ديترج وميلا نورمبرغ و سارة بوزنانسكي.. وبعد عودته الى فلسطين ضم الى اللجنة المركزية للحزب، وكان يدير شؤون الحزب في منطقة تل ابيب- يافا

5) " ماير كوبرمان"... تولى شؤون الحزب في منطقة حيفا، مثقف، عصبي المزاج، يتحدث بالعربية العامية، انضم الى اللجنة المركزية سنة 1929

6) " يانكل بيرمان".. كان في الثلاثينات رئيس لجنة الحزب في تل ابيب تارة وفي حيفا تارة أخرى، ثم ارتقى الى اللجنة المركزية. حضر معظم اجتماعات الحزب و مؤتمراته، ثم سافر قبيل الحرب العالمية الثانية الى بولونيا

7) " سارة بوزنانسكي".. امرأة قديرة، واسعة الاطلاع، اوفدها الحزب الى مصر مع ليختينسكي. عملت ممرضة في مستشفى الأطفال في حارة اليهود في القاهرة، تحت اسم " مدموازيل ارليخ"، الى ان اكتشف امرها وابعدت الى فلسطين في 11/10/1930

8) " دافيد افيغدور".. الملقب ب " المفتي "، قصير القامة، قليل الكلام. كان مقربا من اللجنة المركزية و يتولى إدارة المطبعة السرية في القدس، في اللغتين العبرية و العربية، و المسؤول عن طبع النشرات و المناشير وتامين شحنها الى مختلف المناطق

9) " حاييم دافيدوفتش ".. انتخب عضوا في اللجنة المركزية للشبيبة الشيوعية في مؤتمر حيفا سنة 1924، ثم امسى عضوا في اللجنة المحلية للحزب في القدس في الثلاثينات.. اعتقل غير مرة، ثم سافر الى الاتحاد السوفياتي سنة 1938، واسهم في الدفاع عن موسكو ابان الغزو النازي وقتل في المعركة

10) " موشيه مزراحي" أو " موسى الشرقي ".. فلسطيني المولد، انتخب عضوا في اللجنة المركزية للشبيبة الشيوعية في مؤتمر حيفا سنة 1924، ثم كان عضوا في اللجنة المحلية للحزب في القدس . اعتقل غير مرة، ولم تستطع السلطات البريطانية أبعاده بوصفة فلسطينيا.. وفي سنة 1936 سافر الى موسكو، وسعى لإطلاق سراح " الياهو تيبر " من السجن، ثم انقطعت أخباره

11) " ستيبان ".. شاب طويل القامة، ابيض البشرة، روسي الهيئة، كان حلقة اتصال بين اللجنة المركزية ورؤساء اللجان المحلية، ويتولى جلب البريد الوارد على عناوين خاصة وارساله الى الخارج، وكان " تيبر " شديد الثقة به

المصادر:
• مذكرات نجاتي صدقي، أعدّها وقدم لها حنا أبو حنا، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001.
• كتاب اللاجئين الفلسطينين في سوريا .. الصعود نحو الوطن - المؤلف الدكتور علي سعيد بدوان- 01 ديسمبر 2004
• العلاقات بين الشيوعيين في المشرق العربي في العشرينيات والثلاثينيات.. د. مــاهـــر الـــشريــف (أُلقي هذا النص في الندوة العلمية التي نظمتها في حلب، ما بين 21 و 23 آذار 2011، جامعة ليدن الهولندية بالتعاون مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، والمعهد الهولندي للدراسات الأكاديمية بدمشق)



إذا كنت مؤلف هذه  مقال وأردت تحديث المعلومات، انقر على ازر التالي:

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع