فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

طولكرم: طبقة الفهماء بقلم حسن الكرمي، مجلة الاديب سبتمبر 1963 ... أرشيف م. سليم هاني الكرمي

مشاركة م. سليم هاني الكرمي في تاريخ 15 كانون ثاني، 2023

صورة لمدينة طولكرم: : طولكرم ــ الشارع الغربية للمدينة ــ قرب مصانع(( جشوري )) 2 أنقر الصورة للمزيد من المعلومات عن البلدة
طبقة الفهماء بقلم حسن الكرمي، مجلة الاديب سبتمبر 1963 ... أرشيف م. سليم هاني الكرمي

طبقة الفهماء
بقلم حسن الكرمي
من العروة الوثقى في لندن
مجلة الاديب - سبتمبر 1963_ الجزء 9_ السنة 22
https://archive.alsharekh.org/Articles/144/14687/329524


كنت في مقالي الاول عن طبقة الفهماء Intelligentsia قد شرحت بشيء من التطويل موضع هذه الطبقة في المحيط الذي تعيش فيه ، وبينت مميزاتها وما تنشره من افكار سياسية واجتماعية تتصف بالنقمة على نظام الحكم القائم، ويتلقفها الثوريون ويعملون على هدمه . وقل من هذه الطبقة من يكون ثوريا فعالا بالمعنى الصحيح ، لان الاكثرية الغالبة منها ، اما انها لم تمارس الحكم ولم تشترك في اعمال الدولة حتى تعرف هذه الاعمال معرفة مباشرة وتلمس حقيقتها ، وأما أنها لم تختلط بعامة الناس حتى تعرف مشاعرهم ومنابع الانفعال عندهم والدوافع النفسانية في صدورهم . فهي في الحقيقة طبقة عائمة تجول بين هذين الطرفين، دون أن يكون لها نصيب كبير من المعرفة العملية المباشرة ، وانما تبني افكارها و اراءها على ما يوحيه اليها الفكر المجرد والاستدلال المنطقي، وشتان بين من يجرب ويختبر بالممارسة والمباشرة وبين من تعوزه الخبرة والتماس بواقع الحال . وساتكلم هذه النقطة بالتفصيل فيما بعد.


ووعدت ايضا في ختام مقالي الاول بان اتعرض للبحث في طبقة الفهماء عند العرب، وكان يجب ، برا بذلك الوعد، ان يكون هذا المقال الثاني عن الفهماء بين العرب في البلاد العربية في الوقت الحاضر. ولكنني حينما جلست للكتابة وجدت ان الافضل هو أن اؤجل ذلك الى فرصة أخرى ، الى ان يستكمل معي الكلام عن نواح أخرى من هذه الطبقة ومنشئها وما هي من اختلاف او اتفاق في البلاد التي نشأت بها ، كفرنسا وروسيا مثلا . وعلى هذا فانني سأقصر كلامي في هذا المقال الثاني عن الوضع الاجتماعي لطبقة الفهماء وعن موقف هذه الطبقة التي هي بمثابة ما سماه افلاطون بالملك الفيلسوف.


يجب اولا ان نتذكر ان وجود طبقة الفهماء في كل مكان مرده انتشار التعليم . اذ لولا ذلك الانتشار لما كان في الامكان حدوث هذه الطبقة. وقد صادف ذلك نشوء الطبقة المتوسطة ، أو البرجوازية ، ومنها نشات جماعة الادباء والمفكرين حملوا على كاهلهم أمر النظر في احوال مجتمعهم وامر توليد الافكار التي غايتها تغيير هذه الاحوال تغييرا جذريا. ويجب ثانيا ان نتذكر أن طبقة الفهماء لم تنشأ نشاة منقطعة عن الماضي انقطاعا تاما ، بل نشات ولها جذور عميقة مديدة تستقي من افكار الماضي ومن عاداته وتقاليده. ولولا ان الادباء والفنانين قد ارتفع مقامهم في أعين الناس وزاد احترامهم لدى ارباب الثروة وارباب الحكم بفضل التطور الاجتماعي لما كان لهم من يصغي اليهم ولذهبت افکار هم، على ما فيها من تفكير وتدقيق ، ادراج الرياح. واستقلالهم عن ارباب نعمتهم في السابق ، وانقطاعهم عن التزلف إلى النبلاء وخدمتهم والانصياع الى اوامرهم ، كما كان فولتير يعمل مثلا ، أمر في غاية الاهمية في نشوء هذه الطبقة وتطورها.


قلت ان هذه الطبقة لها صلات بالتقاليد القديمة نبتت عليها ، ولم تكن منقطعة عن الماضي. ومن اهم هذه التقاليد التي قامت عليها افكار طبقة الفهماء في أوروبا منذ قرن ونصف (1) التقليد العلمي النظامي (۲) التقليد الرومانطيكي (۳) التقليد الشعبي (٤) التقليد الاخروي . وجميع هذه التقاليد مناوئة لسلطتين : السلطة الدينية والسلطة الزمنية . وكانت السلطة الدينية اولى هاتين السلطتين التي تعرضت في بادىء الامر لنقمة طبقة المثقفين ، ثم تلتها في ذلك السلطة الزمنية . ولكن ظلت السلطتان معا في صراع مع رجال هذه الطبقة ، ولا تزالان في هذا الصراع حتى الان.


اما التقليد العلمي فمن أول دعوته انكار سلطة النقل والعنعنات والتمسك بسلطة العقل. بمعنى ان الانسان يجب ان لا يؤمن ولا يثق بقول أو حكم من غيره الا اذا عرضه على العقل والمنطق، فإن كان القول لا ينطبق على المعقول والخبرة العملية كان أحرى بالرد والرفض . ثم الاختبار خير دليل على صحة الشئ، والقول المنقول ليس له ما يبرره بدون هذا الاختبار ، حتى ولو كان صادرا سلطة دينية أو سلطة زمنية. والعاطفة الشخصية هذا الباب تبعد عن الحقيقة والموضوعية ، ولذلك يجب طرحها ونبذها كأساس للحكم والعمل . ويتبع ذلك الاعتبارات المتعارف عليها والمنصوص عليها في نظم المؤسسات الدينية والغير الدينية ، لان هذه لم تقرر في الاصل تقريرا علميا منطقيا . والغرض كله هذا التقليد العلمي الوصول الى الحقيقة عن طريق الفكر المجرد والخبرة المباشرة والتحقيق .
والتقليد الرومانطيكي يحض على ان يكون للفرد حرية الاعراب عن نفسه واظهار ما تخفيه جوارحه، فهو في الحقيقة يدعو الى الاصالة في الإنتاج الأدبي والفكري عموما ، لان هذه الاصالة هي التي تعطي للاديب او للمفكر الصفة او الصفات التي تميز شخصيته وكينونته الفردية عن غيره، وتجعل لافكاره طابعا خاصا يخرجه عن الافكار التقليدية عند الناس والاراء المتحجرة على اشكال ثابتة مأثورة . وكما ان النظم الاجتماعية والقواعد المتعارفة مما يقضي على روحية الفرد المفكر ، كذلك الأوامر والوصايا الضابطة لسلوك الفرد تقضي على الاستقلال الفكري وعلى الروح الفردية. فهذه أيضا يجب التحرر منها . ويدخل في ذلك نظام الاسرة بما فيه من تعقيدات وقيود ، بل ونظام المجتمع بعاداته و اعتباراته ومتعارفاته . فهذا يجب التحرر منه تبعا لهذا التقليد الرومانطيكي ، لان الاسرة على هذه الحالة والمجتمع على تلك الاوضاع يقضيان على كينونة الشخص الفردية أو على الاقل يقضيان على اصالة التفكير والإبداع عنده.


ولما كان المفكر الفهيم يعيش في واقع الأمر عيشة العزلة الفكرية والاخلاقية عن مجتمعه ، فان هذا المجتمع لا محل له في مفهوم طبقة الفهماء . وهنا يجتمع الفهيم والثوري على صعيد واحد ، لان الثاني مقاوم للنظام المؤسس الاجتماعي ويسعى الى النقلت والتحلل منه بطريقة البوهيمية . وهنا ايضا يجتمع التقليد الرومانطيكي والتقليد العلمي في رفض التقاليد الشعبية والنظم الاجتماعية القائمة على صعيد واحد .


والتقليد الشعبي ، كالتقليد الرومانطيكي ، يبدو لاول وهلة انه مناف للتقليد العلمي ، الى ان يكشف النقاب عنه فيتجلى في واد واحد مع هذا التقليد . وأساس التقليد الشعبي ان طبقة البورجوازية العنيفة وطبقات اصحاب السلطة الدينية والزمنية تقسو على عامة الشعب وتخضعها لنظم واعتبارات مصطنعة كاذبة حتى تبقيها جاهلة مستعبدة . ولو تركت عامة الشعب على سجيتهالنبع منها افکار تحررية تخرجها من هذا الاسار. ومن اسس هذا التقليد الشعبي أن الجماهير الشعبية ، لو تركت و شانها، تكون مصدرا للفضائل الاخلاقية والافكار التي تؤدي الى التحرر والتحلل من ربقة المجتمع الذي أوجده اصحاب السلطة بقيوده ونظمه المصطنعة . اضف الى ذلك ان القول السائر منذ القديم بأن السنة الخلق اقلام الحق هو من اسس هذا التقليد . ولعل الخوارج في ثورتهم ضد علي والامويين معا في أول عهد الإسلام كانوا يعبرون عن الفكرة ، ويقاومون دعوى علي رضي الله عنه المبنية على الارستقراطية الدينية المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعوى معاوية المبنية على الارستقراطية الزمنية منذ ايام ابي سفيان والسيادة على قريش. وهذه هي النظرية المتصلة بالماركسية التي تدعو الى اعطاء الجماهير والشعوب حرية الاعراب عن عواطفها وافكارها وهي ايضا الان فكرة المفكرين والمثقفين في البلاد الاسيوية والافريقية ، الذين أخذوا ينظرون الى المدنية الحديثة بانها قطعتهم عن الاتصال بعامة الشعب وحرمتهم من التشاعر معها والاحتكاك بدوافعها وحاجاتها.


والتقليد الاخروي مأخوذ من التقليد الديني ، وهو موجود في العهد القديم وفي العهد الجديد بل وفي القرآن . واساس هذا التقليد أن الحياة الدنيا حياة فاسدة لا بد ان تنتهي وتخلفها دنيا افضل منها نعم فيها الاخلاق الرضية والمعيشة النقية من الخطايا والمفاسد. وهذا التغير متوقف ، في رأي الانبياء القدماء ، على انقياد الشعب الى الاراء والمعتقدات الجديدة التي اتى بها أولئك الانبياء لانها تمثل ثورة على نظام المجتمع القائم في الميدانين المدني والديني. وهذا شبيه بدعوة المسيح الى الملكوت السماوي ، وبما كان ينتظره المسيحيون في العصور الأولى المسيحية من انقلاب في العالم يغير الاوضاع ويبدل الاحوال بشيء شبيه بملكوت الله على الارض . وقد دعا الاسلام الى شبيه ذلك ، وخلاصته ان هذه الدنيا بما فيها من اعوجاج في الاخلاق والتواء في المعاملات زائلة في وقت ما ، وتعقبها دنيا تسود فيها الفضائل ويعم العدل ، ويعيش الناس فيها في امن واطمئنان . ولا تزال هذه الفكرة الدينية قائمة عند بعض الفرق الدينية ، ولعل الاخوان المسلمين وجماعة التحرير في البلاد الإسلامية من هذا القبيل . ولكن أبرز جماعة اخذت بهذا الراي وبنت عليه هي جماعة الماركسيين ، في أول عهدهم وفي ايامهم الحاضرة في روسيا. فان برنامج الحزب الشيوعي الاخير موضوع على اساس تمنية الشعب بحياة رغيدة في المستقبل القريب ، يتخلص فيها الفرد من ضغط الحاجة ومن مشقة الكد للحصول على الرزق، ويكون فيها مغتبطا سعيدا آمنا . بل ان الماركسيين في روسيا يدعون الى هذه الفكرة الاخروية في قولهم بأن الحالة القادمة ستكون خالية من حكم الدولة ، يعيش فيها الانسان حرا يعرف ما له و ما عليه بدون تداخل او تطفل من الدولة . وهذا ، كما هو معروف ، شبيه الى حد بالحياة الطوبوية الفاضلة التي اكتب عنها افلاطون والفارابي وطومس مور واؤون وسان سیمون و فوريه وغيرهم .


ولعل القارىء يجد تناقضا بين هذه الاتجاهات . فهو قد يتساءل عن التقليد العلمي والتقليد الرومانطيكي كيف يمكن الجمع بينهما ؟ وكيف يمكن الجمع بين انحياش الفهماء وانعزالهم وبين دفاعهم عن الجماهير وعامة الشعب؟ وكيف يمكن الجمع بين الدعوة الدينية الى الملكوت السماوي وبين الدعوة الاصلاحية الاجتماعية على يد الفهماء ، على هم عليه من خصومة مع الدين ؟ هذا التناقض في الحقيقة ظاهري غير حقيقي . لان غاية الفهماء هي اولا التحرر من السلطة بانواعها، سواء كانت سلطة دينية او زمنية او اجتماعية بما لها من التقاليد والنظم الماثورة ، وثانيا وضع النظريات والافكار المؤدية الى تحسين حال المجتمع واسعاده حتى يكون مجتمعا فاضلا من جميع الجهات ، لا فرق في ذلك اقتصاد وحكم واخلاق .
ولكن طبقة الفهماء نفسها لا تشكل في الحقيقة طبقة اجتماعية منفصلة تماما عن الطبقات الأخرى ، وانما هي ، كما قلت ، طبقة مائعة تموج بين الطبقات الاخرى ، لان الفهماء انفسهم ينتمون في الاصل الى جميع طبقات المجتمع ، فمنهم من كان من الطبقة البورجوازية ومنهم من كان من طبقة الوجهاء، ومنهم من كان من رجال الدين، ومنهم من كان من عامة الناس ، ولا يجمع بينهم جامع الا النقمة على مجتمعهم وتحمسهم لقلب هذا المجتمع وتغييره بآخر يكون افضل واعدل.


وقد يتهم الفهماء بأنهم سلبيون او رفضون negativist او متجانبون او متجافون alienationist ، لانهم أولا يسعون الى هدم النظام القائم ولانهم ثانيا منشقون عن الطبقات الاخرى وتنظر اليهم هذه الطبقات بعين الريبة والتوجس ، وهذا بحث سأتعرض له في المقالات القادمة


لندن حسن الكرمي



إذا كنت مؤلف هذه  مقال وأردت تحديث المعلومات، انقر على ازر التالي:

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع