كتاب أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية "مفكرة المحرر" صفحة 16 الى صفحة 18 ……أرشيف م. سليم هاني الكرمي
أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية:
أصدرت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية عام 1964 كتابًا عن أحمد شاكر بعنوان “أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية”، قدم له فؤاد الشايب ؛ جمعه وأشرف على طبعه عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
وقد قسم أبو سلمى آثار أخيه أحمد شاكر إلى الأقسام السبعة الآتية: مفكرة المحرر، وآراء أحمد شاكر الكرمي، والمعرض العام، والنقد، والشعر الغربي، والقصص، وأقوال ورسائل.
وقد بلغت عدد صفحات الكتاب 300 صفحة، وصدر عن دار أطلس للنشر،
وهو كتاب شهير ومنتشر في المكتبات العامة بالوطن العربي.
______________________________________________________
الميزان :
جريدة اسبوعية ادبية جامعة ، أنشاها الصحافي والأديب السّاخر الفلسطيني احمد شاكر الكرمي الذي رحل وهو في مطلع حياته، صدر العدد الأول منها في 20 كانون الثاني 1925، واصبح الوطني البعلبكي يوسف حيدر شريكاً له بدءاً من العدد الرابع، احتجبت "الميزان" بعد أقل من عامين من صدورها.
هي الجريدة الأدبية، الناجحة كانت تصدر في (٨) صفحات كبيرة لكل صفحة موضوع خاص، ففيها صفحة الأدب ، والاجتماع ، والنقد ، والسيدات، والعلم ، والتاريخ ، و يكتب فيها نخبة من كتاب سورية ومصر الكبار منهم حافظ ابراهيم، خليل مردم بك، الشاعر اللبناني أمين نخله، الصحافي والأديب الحلبي سامي الكيالي، علي أدهم، الكاتب السوري شفيق جبري، وماري عجمي صاحبة مجلة "العروس" الدمشقية.
قال صاحب "الميزان" ورئيس تحريرها في افتتاحية العدد الاول: "اعتاد اصحاب الصحف ان يملأوا فواتح الأعداد الأولى من جرائدهم بالوعود والآمال والخطط والبرامج. اما نحن فليس لدينا، ولله الحمد، وعود نعدها ولا آمال نسردها". اضاف: "أما الأغراض التي نسعى للوصول اليها من انشاء صحيفتنا هذه فكثيرة، أهمها تعزيز الصحافة الأدبية في البلاد". وختم قائلاً: "اذا وفّقنا لإدراك بعض هذه الأغراض او كلّها، كان ذلك غاية ما نرجو. واذا فشلنا، فلن يمنعنا الفشل من البحث عن طريق جديد نخدم فيه الهوى القديم".
بدل اشتراكها في سورية خمسة ريالات مجيدية ( او نحو ٢٢٥ غرشاً سوريا) وفي الخارج نصف جنيه مصري ( او خمسون فرنكا ) يدفع مقدماً . ويرسل عدد واحد من الجريدة مجانا لكل من يطلبه
ترسل طلبات الاشتراك وكل المراسلات بعنوان جريدة الميزان - صندوق البريد ١٧٥ - دمشق (سورية )
أعداد أولى لدوريات مجهولة . جريدة "الميزان" الأدبية الدمشقية - ...https://www.sauress.com › alhayat
وهو، بالضبط، ما جرى للصحافي والأديب السّاخر الفلسطيني احمد شاكر الكرمي الذي رحل وهو في مطلع حياته. صحيح ان الوطني البعلبكي يوسف حيدر اصبح شريكاً له بدءاً من ...
https://www.sauress.com/alhayat/31018875
_________________________________________________________
"مفكرة المحرر" التي كتبها صاحب الجريدة، ولم تخلُ الافتتاحية او الفاتحة من السخرية الأصيلة التي كانت سمة نتاج احمد الكرمي، حيث ووزع "مفكرة المحرر" على خمسة عناوين ومقاطع كما في العدد الأول.
الكاذبون
في الناس فريق يكره الصدق ويمقته ، ويعده عنصرا خطرا في الحياة، ينبغي اجتنابه تخلصا من أذاه وفرارا من أضراره ، فإذا رأوا رجلا يقول للسارق أنت سارق ، وللذل أنت نذل ، أقاموا عليه النكير وقابلوه باللوم والتعنيف ورموه بكل فرية .
ولست أدري ماذا كان يحل في الكون ، لو أن الناس جميعا ، ساروا على خطة ذلك الفريق الذي يعادي الصدق ، ويعده نوعا من البلاهه يجلب على صاحبه التعب والعناء ؟ أكانت الانسانية تتقدم خطوة الى الامام ؟ أكان الناس يستطيعون أن يعيشوا عيشة طيبة ؟ لا وربي ؟
لقد عرف الناس ان الصدق ضروري في الحياة ، واعتقدوا ذلك و آمنوا به ایمانا وثيقا لم يزعزعه مزعزع ، ولا يعلم الا الله ، أى شقاء كان يحل بالبشر ، لو انهم لم يعتقدوا بضرورة الصدق ولم يتمسكوا به ، وحسبك أن تتصور العالم خاليا من الصدق لتعلم ما يملأ قلبك رعبا .
لو رفع الصدق من الأرض ، فلم يثق أحد من الناس بصدق أحد ، لفسد نظام الكون وانهار بناء المجتمع ، وسقط الناس الى درك البهيمية الصرفة، ولبطلت التجارة والمعاملة بين الناس والصناعة والعلم والادب بل وكل شيء ، وكيف يستطيع تاجر او طبيب أو صانع أو عالم أو أديب أو أي انسان كان، أن يعيش بين أناس لا يصدقهم ولا يصدقونه ولا يثق بما يقولون ولا يثقون بأقواله ؟
ومحبو الكذب وأنصاره بين الناس يقسمون إلى ثلاثة أقسام : قسم يكذب للذة كالشعراء ، وقسم يكذب حبا بالكذب نفسه ، وقسم للربح ، وهؤلاء هم أسوأ الكاذبين وأشدهم انحطاطا ، فهم يكذبون على أنفسهم وعلى أمتهم وعلى أوطانهم بل وعلى الله أيضا ، في سبيل درهم يسقط في أيديهم وكسرة خبز يسدون بها جوعهم، انهم شر الكاذبين ، انهم شر والكاذبون شر الناس .
ملء الفراغ
الكتاب في كل الامم طبقتان ، طبقة تكتب لتشرح حقيقة ، وطبقة تكتب لتملأ فراغا ، تعرض للطبقة الاولى فكرة أو يمر ببالها خاطر أو تقع لها تجربة من التجارب ، فتكتب للفكرة السانحة او الخاطر الطاريء والتجربة الواقعة ، أما الطبقة الثانية فلا تكتب لشيء من ذلك ، بل لملء فراغ يطلب منها ملؤه ، أو ينالون من وراء ملئه مغنما ، وهذه الطبقة وحدها ، هي التي تفسد جو الادب دوما ، بما تطلقه فيه من الغازات المضرة والاهوية العفنة.
ولقد كان رجال هذه الطبقة ، يحصرون نتاج أدبهم في الصحف و بعض المجلات ، ولكنهم تجاوزوا ذلك الحد في هذه الايام ، وبرزوا الى ميدان التأليف ، فأفسدوا بعملهم هذا صناعته ، كما أفسدوا صناعة الصحافة من قبل ، وهم مع هذا كله ، يعيشون من الكتابة ويملأون من فراغ عقولهم فراغ جيوبهم وفراغ القراطيس.
مخافة النقد
ليس للجبن دخل في كمال مواهب الرجل ، لكنه مما يقتل تلك المواهب ، أو يخفيها ويحول دون ظهورها ، ففي الناس كثيرون من ذوي المواهب الطيبة ، التي ينتفع الناس بجهودها حتما ، اذا فسح لها مجال العمل ودفعت الى ميدانه ، ولكنهم يجبنون عن الدخول في الميدان ، ويفرون منه ، مخافة كلمة تقال عنهم ، يرضون بالخمول ما دام في الخمول راحة ، ويهربون من المعركة مخافة عار الانكسار ، ولو أنهم ثبتوا لجاز ألا يفوتهم مجد الانتصار ، سامحهم الله !.. انهم لا يعلمون ان الذين يخافون النقد لا يعملون في العالم شيئا ولا يقولون شيئا بل ولا يكونون في الحياة شيئا أيضا .
متمردون
يريد أحدنا أن يكون طيبا، فيقضي السنين الطوال في الدرس والتعلم، ثم يدخل الفحوص والامتحانات ويذوق أمر العذاب ، قبل أن يسمح له أن يكون طبيبا.
وهكذا يفعل ، إذا أراد أن يكون مهندسا أو محاميا أو ما أشبه ذلك، وإذا أراد الرجل منا أن يكون خياطا أو اسكافا أو بناء ، فلا تد بأن يتعلم صناعته ويحذقها قبل أن يقدم على الاشتغال بها .
بأن يتعلم بل اذا أراد الرجل ان يكون لاعب شطرنج او نرد او ورق ، فلا مندوحة له عن أن يتلقن قواعد اللعبة التي يريد أن يتعلمها ويعرف أصولها وطريقة ترتيب أدواتها ، قبل أن يقدم على اللعب بها .
هذه حقيقة بدهية ، يفهمها الناس جميعا من غير كد ولا تعب ، فما بال بعض الناس الذين يحاولون أن يكونوا كتابا ، لا يحبون الاعتراف بها .
تعصف في رؤوس بعضنا عاصفه الطموح ، وتدب في عروقهم حمى الطمع في الشهرة وبعد الصيت، فيندفعون الى الكتابة أو يهيئون أنفسهم لشيء منها ، فيشوهون وجه الادب بالخبائث التي ينفثونها والجراثيم التي يبثونها . اذا كانت الكتابة علما فحري بالناس ألا يقدموا عليها ، الا كما يقدمون على بقية العلوم ، وواجب عليهم أن يدرسوا قواعدها ويحذقوها قبل أن يخوضوا غمارها ويشتغلوا بها .
واذا كانت صناعة من الصناعات ، فخليق بالراغبين في احترافها ألا يحترفوها الا بعد الاتقان وطول المران عليها ، والوقوف على أسرارها وأصولها .
واذا كانت ملهاة أو لعبة ، فجدير بمن يود التلهي بها ، أن يلم قبل الاقدام على اللعب بها ، بترتيبها وطرق لعبها وأساليب الغلبة فيها وما الى ذلك ا من الأمور التي تنفي ا الجهل وتؤدي الى المعرفة.
اذن ما بال بعض أدعياء الكتابة ، عندما يقدمون على الكتابة ، من غير أن يكون لهم بها علم العالم بعلمه ومعرفة الصانع بصناعته والمام اللاعب بلعبته ؟ ذلك لانهم متمردون ، يخطئون في اللغة ، فاذا نبهتهم إلى أخطائهم قالوا لك اننا متمردون .
ويغلطون في قواعد الاعراب ، فاذا كشفت أغاليطهم أجابوك بأنه متمردون . ويحيدون عن قواعد البلاغة وأساليب البيان المقررة ، فاذا عاتبتهم أو لمتهم قالو لك : اننا متمردون .
فما هو ذلك ( التمرد ) العجيب ، الذي يجعل الأدب عبثا محضا وسخافة خالصة ، ويخرجه من عالم الفنون الرفيعة ذات القواعد المقررة والاصول المحكمة ، الى فوضى شنعاء ، لا أول لها ولا آخر ولا حد ولا غاية .
يقولون : اننا متمردون على اللغة وقواعدها وعلوم البلاغة ومقرراتها، اننا قوم تتعلق بالمعنى ولا نبالي بالالفاظ وطرق صياغتها .
حسن جدا ، فأين هي معانيكم الرائعة التي تفادون في سبيلها تلك المفاداة الكبرى ؟! نرجع الى معانيكم هذه ، فلا نرى أنها أجود من ألفاظكم ولا أسمى ، بل هي لو صيغت في صيغ فصيحة لما كان لها ميزة على العادي مما يكتب ويقال ! فالتمرد اذا ليس الا جهلا محضا يستره أهله بوقاحة بالغة وصفاقة وجه غريبة ، و ( المتمردون ) ليسوا الا جهالا وقحين .
شارك بتعليقك