كتاب أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية "مفكرة المحرر" صفحة 23 الى صفحة 28 ……أرشيف م. سليم هاني الكرمي
أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية:
أصدرت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية عام 1964 كتابًا عن أحمد شاكر بعنوان “أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية”، قدم له فؤاد الشايب ؛ جمعه وأشرف على طبعه عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
وقد قسم أبو سلمى آثار أخيه أحمد شاكر إلى الأقسام السبعة الآتية: مفكرة المحرر، وآراء أحمد شاكر الكرمي، والمعرض العام، والنقد، والشعر الغربي، والقصص، وأقوال ورسائل.
وقد بلغت عدد صفحات الكتاب 300 صفحة، وصدر عن دار أطلس للنشر،
وهو كتاب شهير ومنتشر في المكتبات العامة بالوطن العربي.
______________________________________________________
الميزان :
جريدة اسبوعية ادبية جامعة ، أنشاها الصحافي والأديب السّاخر الفلسطيني احمد شاكر الكرمي الذي رحل وهو في مطلع حياته، صدر العدد الأول منها في 20 كانون الثاني 1925، واصبح الوطني البعلبكي يوسف حيدر شريكاً له بدءاً من العدد الرابع، احتجبت "الميزان" بعد أقل من عامين من صدورها.
هي الجريدة الأدبية، الناجحة كانت تصدر في (٨) صفحات كبيرة لكل صفحة موضوع خاص، ففيها صفحة الأدب ، والاجتماع ، والنقد ، والسيدات، والعلم ، والتاريخ ، و يكتب فيها نخبة من كتاب سورية ومصر الكبار منهم حافظ ابراهيم، خليل مردم بك، الشاعر اللبناني أمين نخله، الصحافي والأديب الحلبي سامي الكيالي، علي أدهم، الكاتب السوري شفيق جبري، وماري عجمي صاحبة مجلة "العروس" الدمشقية.
قال صاحب "الميزان" ورئيس تحريرها في افتتاحية العدد الاول: "اعتاد اصحاب الصحف ان يملأوا فواتح الأعداد الأولى من جرائدهم بالوعود والآمال والخطط والبرامج. اما نحن فليس لدينا، ولله الحمد، وعود نعدها ولا آمال نسردها". اضاف: "أما الأغراض التي نسعى للوصول اليها من انشاء صحيفتنا هذه فكثيرة، أهمها تعزيز الصحافة الأدبية في البلاد". وختم قائلاً: "اذا وفّقنا لإدراك بعض هذه الأغراض او كلّها، كان ذلك غاية ما نرجو. واذا فشلنا، فلن يمنعنا الفشل من البحث عن طريق جديد نخدم فيه الهوى القديم".
بدل اشتراكها في سورية خمسة ريالات مجيدية ( او نحو ٢٢٥ غرشاً سوريا) وفي الخارج نصف جنيه مصري ( او خمسون فرنكا ) يدفع مقدماً . ويرسل عدد واحد من الجريدة مجانا لكل من يطلبه
ترسل طلبات الاشتراك وكل المراسلات بعنوان جريدة الميزان - صندوق البريد ١٧٥ - دمشق (سورية )
أعداد أولى لدوريات مجهولة . جريدة "الميزان" الأدبية الدمشقية - ...https://www.sauress.com › alhayat
وهو، بالضبط، ما جرى للصحافي والأديب السّاخر الفلسطيني احمد شاكر الكرمي الذي رحل وهو في مطلع حياته. صحيح ان الوطني البعلبكي يوسف حيدر اصبح شريكاً له بدءاً من ...
https://www.sauress.com/alhayat/31018875
_________________________________________________________
"مفكرة المحرر" التي كتبها صاحب الجريدة، ولم تخلُ الافتتاحية او الفاتحة من السخرية الأصيلة التي كانت سمة نتاج احمد الكرمي، حيث ووزع "مفكرة المحرر" على خمسة عناوين ومقاطع كما في العدد الأول.
المترجمون
أرسلت امرأة ولدا لها ليتعلم الصباغة ، فجاءها بعد ستة أشهر قائلا انه تعلم الطي ، وهو نصف تلك الصناعة ، وبقي عليه تعلم النشر وهو نصفها الآخر.
وكثير من المشتغلين بالترجمة عندنا ، يعتقدون أن الترجمة صناعة، نصفها الأول ، معرفة اللغة التي ينقلون اليها ، ونصفها الآخر ، اتقان اللغة التي ينقلون منها ، ونحن وان كنا لا نرى الفقه في لغتين ، كافيــــــا وحده للاقدام على الترجمة ، من احداهما الى الأخرى ، الا أن ما نشاهده من تجرؤ كثير من المترجمين عندنا على الترجمة ، قبل أن يتحقق فيهم شرط الاجادة في اللغتين ، يدعونا إلى القناعة بذلك الشرط وعده غاية وكمالا.
أكثر ما يزل مترجمونا في ثلاثة أمور : في اقدامهم على الترجمة صعفهم في اللغة العربية ، وفي تصديهم لترجمة موضوعات لم يدرسوها ، وفي قلة عنايتهم باختيار ما يترجمون .
يتوهم كثير من شباننا ، الذين تلقنوا لغة أعجمية في احدى المدارس الاجنبية، انهم قادرون على ترجمة كل موضوع ، وان كانت بضاعتهم في لغتهم العربية مزجاة ، ظانين ان ولادتهم في بيت يتكلم أهله العربية ، تؤهلهم للتأليف في تلك اللغة ونقل الكتب اليها .
ويظن بعضهم أن حذقهم الأفرنسية مثلا ، يمكنهم من ترجمة كل كتاب في تلك اللغة ، مهما كان موضوعه ، في حين أن الأفرنسي نفسه ، لا يدعى أنه يفهم كل كتاب في لغته ، فهما يمكنه من نقله أو التعبير عن معانيه بأسلوب آخر.
ويتخيل آخرون ، ان كل كتاب رزق حظا من الشهرة في أمة ، لا بد أن يحظى في سواها بمثل ما حظي به فيها ، من غير نظر الى الفروق الكبيرة في الاذواق والطبائع بين الأمم والشعوب.
هذه هي أمهات الاغلاط التي يرتكبها مترجمونا ، وهي أيضا الاسباب التي دعت الى أن يوجد في لغتنا ذلك المسخ السقيم الذي يسمونه « ترجمة وتعريبا».
امثولة العنكبوت
اشتد الحر ، ولجأت الهوام والحشرات الى الظل ، تنشد في رحابه الراحة والسكون ، ورأيت وأنا جالس أردد الطرف هنا وهناك عنكبوتا رابضا على الجدار ، وقد انتشرت حوله أسراب الذباب وهو يجد في مطاردتها ، فلفت نظري ذلك المشهد ، وظللت أراقبه علي أرى أمرا يستحق التدوين ، ولم يمض الا زمن يسير ، حتى رأيت العنكبوت الرابض ينقض على ذبابة قريبة منه ، فياخذ بخناقها ثم ابصرته يضمها اليه ويلصق بها فمه ، فقلت سبحان الله ، ان الخبيث يقبلها ويحنو عليها ، ثم ابصرته يحرك ارجله حركة سريعة حول جسم تلك الذبابه ، وبعد قليل رأيت سوادهما يتحول الى بياض ، فقلت ما أعجب شأن هذا الشيطان ، لقد كساها حلة من خيوط نسجه ، وكنت أشاهد الذيابة وهو دائب على العمل ، تحاول التملص والانفلات ، فأظن أنها تظهر التمنع والدلال لتزيده بها حبا وكان هو كلما بدرت منها بادرة ، أدناها من فمه فقبلها قبلة تهدأ على أثرها قليلا ، ثم تعود الى سابق سيرتها ، وما زال هذا دأبه حتى هدأت حركة الذبابة هدوءا تاما ، فقلت لقد نامت السعيدة نوما هنيئا على نغمات القبل اللذيذة ، ثم تركها العنكبوت على أثر ذلك وأخذ يبحث عن سواها ، وخطر لي أن أنظر ما جرى للذبابة الساكنة ، فدنوت منها وأمسكتها ، ثم قلبتها فاذا هي ميتة، وأخذت أميط عنها ذلك الثوب الأبيض الرقيق ، فلما انتهيت من ذلك ، رأيت أنه لم يبق منها الا قشرة رقيقة جوفاء ، فقلت في نفسي لقد قتلها ذلك الشيطان ، وأنا أظن أنه كان يقبلها ويحنو عليها ويخلع عليها الحلل والبرود ، لقد كانت قبلات ذلك الشرير سما زعاف ، أورد المسكينة حتفها، وكانت الحلة البيضاء الناعمة التي كساها اياها ، غلا يحول بينها وبين الفرار ويمنعها من الخلاص والانعتاق .
ان البشر يفعلون ما يفعل العنكبوت في اصطياد بعضهم بعضا ، فاذا رأيت شابا يظهر حبا وعطفا على فتاة ، فاعلم أنه يريد أن يفسد حياتها بسمومه ، واذا رأيت قويا يخلع على ضعيف حلة غالية ، فاعلم أنه يريد أن يجعلها له كفنا ، ليس الناس الا كعناكب قتالة ، وقد زادهم التهذيب حذقا في تقليد الحيوانات المفترسة والهوام المضرة .
طانيوس عبده
مات طانيوس عبده ، الكاتب الذي لا يوجد بين قراء العربية ، من هو غير مدين له بساعات من العمر ، نقله فيها من هذا الجحيم الأرضي الى عالم علوي مملوء بالبطولة والحرب والجمال والحب.
مات ذلك الكاتب الانساني ، بينما سواه ممن لا يحتاجهم العالم يروحون على ظهر الأرض ويجيئون، فسبحان من سمى هذا الخرق في تصريف الأمور حكمة وقدرا .
لم يكن طابوس عبده عبقريا ولا تابعا ، وانما كان شاعرا وسطا وكاتبا شعبيا ، يحسن مسامرة الجمهور ، لانه لا يرتفع عن الجمهور ، وقد عكف على تعريب القصص ، فأخرج منها للناس مجلدات ضخمة، هي معين لذة لقرائها ، وكانت أكثر قصصة التي يعربها ، قصص البطولة التي تصور كثيرا من الفضائل والرذائل الانسانية، في صور مخيفة تثير الحماسة في النفوس .
وقد كان أدب طانيوس عبده في قصصه ومقالاته ، يلاقي إقبالا من الجمهور لأن طانيوس كان صياد غرائب من جهة، ولان اسلوب کتابته سهل من جهه اخرى ، فان اسلوب طانيوس عبده لا يعلو عن العامة الا قليلا ، ولم يكن هو يتكلف هذا الاسلوب تكلفا ، بل كان هذا أسلوبه الطبيعي الذي ينشيء فيه ويترجم ، غير أن اسلوبه هذا الذي لم يكن عاليا ولا براقا ، فيه من الانسجام والرقة ما يجعله فوق السائغ المقبول .
أما طريقة تعريبه فلم تكن دقيقة على ما يظهر ، فقد خطر لي ذات مرة أن أعارض ترجمته البؤساء على ترجمة حافظ ابراهيم وعلى ترجمه انكليزية موثوق بها ، فرأيت طانيوس يحافظ على سرد حوادث القصة ، ويهمل ما فيها من تعليل الحوادث والتعليق عليها أو فلسفتها ، ورأيت حافظا يعكس الآية ، فيحرص على أداء فلسفة الحوادث حرصا عجيبا ويقصر في سرد الحوادث نفسها ، وليس لسلوك طانيوس عبده تلك الطريقة في تعريبه الائأويل واحد ، وهو ميله الى السهل المفهوم لدى العامة ، وكراهته لكل ما يعلو عن افهامهم ، فهو يحرص على الحوادث ويوردها كما هي ، لأنها سهلة يفهمها الجمهور بلا عناء ، ويتجافي فلسفتها فيختصر ترجمتها أو يطوي عنها كشحا ، لانها أجل من أن يتناول فهم الجمهور .
وقد كانت حياة الفقيد جهدا مضنيا ونصبا قائلا ، فكافح وناضل وصارع وغالب ، ولكن سقط أخيرا تحت كلكل الزمن فلقي حتفه ، فليخسر الادب ولتخسر الكتابة ، فان من حق المجاهد أن يستريح .
في عالم التاريخ قام جدال جديد في الصحف الانكليزية ، حول الكتابة عن المشهورين من الناس ، ونقل أحاديثهم الخاصة ، وفضح ما يعد سرا في حياتهم .
فقد نشر الراوية المشهور المستر » أرنولد بنت » رواية جديدة له ، صور أحد أشخاصها صورة شنيعة ، تنطبق على صورة سياسي انكليزي معروف ، فاستنكر اللورد ( بيركنهيد ) الوزير الانكليزي هذا الصنيع في مقالة قال فيها : ان نشير خطيئات الاحياء والاموات من الرجال المشاهير ، وعرض عيوبهم وما يعتبر سرا في حياتهم ، بدعة يعود اثم ابتداعها على اللادي اسكويث.
والليدي اسكويث مؤلفة كتاب " حياة مارغو اسكويث بقلمها " وهو الكتاب الذي أحدث ضجة قوية عند نشره ، بسبب تطرف مؤلفته في ذكر حوادث حياتها الخاصة ، وحوادث من عرفتهم من كبار الرجال.
والحق ان من الصعب تعيين القدر الذي يستطيع الكاتب أن ينشره عن نفسه وعن سواه من شؤون حياته الخاصة ، وأحاديثه العادية وغلطاته وعيوبه ، فان الناس مختلفون في ذلك اختلافا عظيما .
والاكثرية العظمى عندنا ، مجمعة منذ القدم ، على أن ما يتعدى المحاسن من سير العظماء والكبراء ، يحرم الخوض فيه والتعرض له . ولهذا كانت كتب التراجم في لغتنا أشبه بتقاويم ، لا ترى فيها الا سني الولادة والوفاء واحصاء المناصب وقوائم المؤلفات ، ولا تزال هذه خطة أدعياء التاريخ عندنا حتى الان .
ان الارقام أتفه ما في سير الرجال ، وجمهور القراء لا يقرأون السير من اجل أرقامها بل يقرؤونها ليعرفوا حقيقه صاحبها . ومدون السير ينبغي عليه تحري الصدق فيما يكتب ، وليس عليه بعد ذلك ان يكون ما يكتبه مدحا خالصا أو ذما خالصا ، فليست مهمته تحویل القباحه الى ملاحة أو الجمال الى شناعة ، ولكن مهمته عرض ما لديه خيرا كان ام شرا .
وقد كان قصر نظر مؤرخينا الأولين ، وعدم ادراكهم . هذه الحقيق ولا يزال ، سببا في جعل تاريخ الرجال عندنا مجردا من القيمه واللذة .
الميزان ٢٥ – ١٩٢٦
شارك بتعليقك