طبقة الفهماء بقلم حسن الكرمي، مجلة الاديب نوفمبر 1963 ... أرشيف م. سليم هاني الكرمي
العروة الوثقى: استطاع حسن سعيد الكرمي مع صديقيه فؤاد جبور حداد وسعيد جريس العيسى أن يشكلوا نواة جمعية "العروة الوثقى" الأدبية الفلسطينية في لندن. وهو اسم مأخوذ من آية قرآنية (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم). وهو مصطلح يعني الوحدة والتمسك بالمبادئ، استخدمه الشيخ جمال الدين الأفغاني وغيره. إلا أن الاقتباس الأرجح كان من مجلة "العروة الوثقى" التي ترأس تحريرها الشاعر سعيد العيسى عندما كان طالباً في الجامعة الأمريكية.
جمع الثلاثةَ الذين شكلوا هذه الجمعية حبُّ الأندلس والتاريخُ العربي فيها، والألم على ضياعها، واستشعارهم ضياع فلسطين بنفس الطريقة. وتوسعت هذه الجمعية بين الأدباء في العاصمة البريطانية.. غير أن المعلومات عنها شحيحة، ولم يكتب عنها أحد بالتفصيل سوى بعض القصص هنا وهناك.
غير أن وجود عدد من الكتاب والشعراء في لندن وعملهم المباشر في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أو ما كان يُعرف أيامها باسم "إذاعة لندن" كان له تأثير إيجابي في الاطلاع على ثقافاتهم من داخل بلادهم، وإرسال المقالات من هناك إلى الصحف العربية.
وسجلت هذه الجمعية اتجاهاً قومياً عربياً في وسط لندن (ركزوا في جانب مهم من إنتاجهم على الأندلس وحضارتها)، حتى شك البعض بأن أحد أقطابها، وهو الشاعر سعيد جريس العيسى مسلم الديانة وليس مسيحي
طبقة الفهماء
بقلم حسن الكرمي
من العروة الوثقى في لندن
مجلة الاديب -نوفمبر 1963_ الجزء 11_ السنة 22
المجلد 44
https://archive.alsharekh.org/Articles/144/14689/329585
العروة الوثقى: استطاع حسن سعيد الكرمي مع صديقيه فؤاد جبور حداد وسعيد جريس العيسى أن يشكلوا نواة جمعية "العروة الوثقى" الأدبية الفلسطينية في لندن. وهو اسم مأخوذ من آية قرآنية (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم). وهو مصطلح يعني الوحدة والتمسك بالمبادئ، استخدمه الشيخ جمال الدين الأفغاني وغيره. إلا أن الاقتباس الأرجح كان من مجلة "العروة الوثقى" التي ترأس تحريرها الشاعر سعيد العيسى عندما كان طالباً في الجامعة الأمريكية.
جمع الثلاثةَ الذين شكلوا هذه الجمعية حبُّ الأندلس والتاريخُ العربي فيها، والألم على ضياعها، واستشعارهم ضياع فلسطين بنفس الطريقة. وتوسعت هذه الجمعية بين الأدباء في العاصمة البريطانية.. غير أن المعلومات عنها شحيحة، ولم يكتب عنها أحد بالتفصيل سوى بعض القصص هنا وهناك.
غير أن وجود عدد من الكتاب والشعراء في لندن وعملهم المباشر في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أو ما كان يُعرف أيامها باسم "إذاعة لندن" كان له تأثير إيجابي في الاطلاع على ثقافاتهم من داخل بلادهم، وإرسال المقالات من هناك إلى الصحف العربية.
وسجلت هذه الجمعية اتجاهاً قومياً عربياً في وسط لندن (ركزوا في جانب مهم من إنتاجهم على الأندلس وحضارتها)، حتى شك البعض بأن أحد أقطابها، وهو الشاعر سعيد جريس العيسى مسلم الديانة وليس مسيحي
العروة الوثقى: استطاع حسن سعيد الكرمي مع صديقيه فؤاد جبور حداد وسعيد جريس العيسى أن يشكلوا نواة جمعية "العروة الوثقى" الأدبية الفلسطينية في لندن. وهو اسم مأخوذ من آية قرآنية (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم). وهو مصطلح يعني الوحدة والتمسك بالمبادئ، استخدمه الشيخ جمال الدين الأفغاني وغيره. إلا أن الاقتباس الأرجح كان من مجلة "العروة الوثقى" التي ترأس تحريرها الشاعر سعيد العيسى عندما كان طالباً في الجامعة الأمريكية.
جمع الثلاثةَ الذين شكلوا هذه الجمعية حبُّ الأندلس والتاريخُ العربي فيها، والألم على ضياعها، واستشعارهم ضياع فلسطين بنفس الطريقة. وتوسعت هذه الجمعية بين الأدباء في العاصمة البريطانية.. غير أن المعلومات عنها شحيحة، ولم يكتب عنها أحد بالتفصيل سوى بعض القصص هنا وهناك.
غير أن وجود عدد من الكتاب والشعراء في لندن وعملهم المباشر في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أو ما كان يُعرف أيامها باسم "إذاعة لندن" كان له تأثير إيجابي في الاطلاع على ثقافاتهم من داخل بلادهم، وإرسال المقالات من هناك إلى الصحف العربية.
وسجلت هذه الجمعية اتجاهاً قومياً عربياً في وسط لندن (ركزوا في جانب مهم من إنتاجهم على الأندلس وحضارتها)، حتى شك البعض بأن أحد أقطابها، وهو الشاعر سعيد جريس العيسى مسلم الديانة وليس مسيحي
طبقة الفهماء
بقلم حسن الكرمي
من العروة الوثقى في لندن
المدنية الغربية، او بالأصح، الثقافة الغربية كما هي عليه الان لها تاريخ طويل تطورت في اثنائه بتأثيرات مختلفة حتى وصلت الى مرحلتها الحاضرة، وهي لا تزال تتطور. وأكبر عامل فعال في هذا التطور هو الفكر الانساني الذي يتفاعل مع المحيط فيستحدث اراء جديدة إصلاحية ويتفاعل معه المحيط فيتغير المحيط بتأثير هذه الآراء الجديدة. وتقوم الثقافة الغربية على ثلاثة اسس: ١ -التراث الاغريقي: ٢ -التراث الروماني، ٣ -الديانة المسيحية. واتصف التراث الاغريقي بالوحدة الثقافية وامتاز التراث الروماني بالوحدة القانونية واتصفت القرون الوسطى من القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر بالوحدة الدينية. وسأتكلم في هذا المقال عن القرون الوسطى بصورة موجزة وسريعة وكيف كانت هذه القرون تؤمن بأفكار واراء تختلف اختلافا أساسيا عن الآراء والافكار التي كان يؤمن بها العصر السابع عشر او الثامن عشر، وخصوصا بين رجال العلم ورجال الفلسـفة الجديدة. من أهم مميزات القرون الوسطى أن العقائد الدينية كانت هي المسيطر، وان الفرد لم يكن له كيان متميز عن البقية ولا موجوديه مستقلة متحررة. فهذه السيطرة الدينية التامة جعلت المجتمع في ذلك الوقت 1 وحدة فكرة و۲ وحدة اجتماعية. فكان كل فرد في ذلك المجتمع خاضعا لأفكار معروفة لا محيد عنها ولمسلك مفروض عليه فرضا. فكما أن القرون الوسطى كانت معروفة بأنها طغت على الفرد وقضت على استقلاله الفكري وتفرده بالسلوك، كذلك كانت النهضة الجديدة معروفة بأنها أطلقت الفرد من عقاله الفكري، وحررته في سلوكه. وكان الغالب في القرون الوسطى انعدام روح التقصي والبحث العلمي، بل كان لدى الناس في ذلك الوقت معتقدات معينة يؤمنون بها ونظام اجتماعي مقرر يعيشون في ظله خاضعين له تمام الخضوع. فكان الانسان في ظل هذه المعتقدات وهذا النظام يعيش تحت حكم واحد لا فرق فيه بين الدين والدولة، لان الشيئين كانا شيئا واحدا، الى ان جاء دور النهضة فاخذ المفكرون ينظرون في فصل الشيئين أحدهما عن الآخر، الى ان جاء دور النهضة فاخذ المفكرون ينظرون في فصل الشيئين أحدهما عن الآخر، كما كان الحال في العهد الاغريقي، وكان الزمان في القرون الوسطى زمان ايمان، لا زمان تفكير كما كان العصر السابع عشر أو العصر الثامن عشر مثلا ، ومعنى ذلك ان الانسان في تلك القرون ناحية فكرية مقيدا بالنقل عن السلف وبالتقاليد والانظمة الاجتماعية القائمة ، وهذه عادة متأصلة بالإنسان منذ خلقته ، يريد دائما المحافظة على القديم وابقاء عاداته ومعتقداته الموروثة ، والسبب الاول في ذلك ان هذا التعصب للماضي هو اسهل شيء للإنسان ، لأنه يريحه من كد الفكر في ابتداع اراء جديدة واقتراح أنظمة حديثة ، والسبب الثاني ان الانسان بالطبيعة اميل الى الايمان بالأشياء والتسليم بها منه الى انكارها ومقاومتها وانتقادها والتشكك فيها ، لان هذا كله يستلزم جهدا فكريا ، ومن طبيعة الانسان أن يتهرب من الجهد الفكري الا اذا كانت ظروف المعيشة مما يحمله على بذل هذا الجهد . ولا نزال نحن حتى في هذا الزمان نؤمن بأشياء كثيرة ليس لها ما يبررها ويثبتها في الحقيقة الا انها من العادات القديمة أو المعتقدات الموروثة، وقد ننقم، وينقم المجتمع معنا، على شخص او اشخاص ابتدعوا بدعة فكرية او اختطوا لأنفسهم مسلكا يخالف مسلك المجتمع عامة. وفي الديانات عموما ما يحرم على مثل هؤلاء الاشخاص هذا السلوك الفردي. وهذا ما نعني به حينما نتكلم عن استبداد الماضي. فهذا الاستبداد يجر الى التعصب، والى اضطهاد الفكر المتحرر. وقد خلقت حركة تعقب المبتدعين والمتشككين والمنحرفين في الدين حركة شك عامة واسترابة في كل انسان تقريبا، فكان، إذا تكلم شخص، بكلام بريء ولكنه يختلف عن كلام الناس وقع ذلك الشخص موقع الريبة، وربما عد مارقا أو ملحدا، ويكفي أن يقع هذا الموقع حتى يتورط في ورطة نجاة له منها. وهذه حالة لم تقتصر على القرون الوسطى، بل هي موجودة الآن في كل مكان، والفرق ان الريبة كانت في تلك القرون محصورة في المجال الديني، فأصبحت الان محصورة في المجال السياسي، بعد أن ضعف سلطان الدين. فانت إذا تكلمت بكلام يختلف عن كلام الناس، فانت اما ان تكون فوضويا او اشتراكيا او شيوعيا . . ..
ففي القرون الوسطى كان الهرطوقي لا يعد خائنا فحسب بل كان يعد عاصيا أيضا لان السلطة الدينية في ذلك الوقت كانت تجمع بين سلطة الزمنية والسلطة الدينية في الوقت الحاضر. فكانت إذا حاكمت مارقا، حاكمته وحكمت عليه دينا وزمنا بسبب هذه الثنائية في السلطة والمحافظة على هذه السلطة كانت من اهم الاشياء، ومن أهم ما يساعد على ذلك أن يكون الناس عموما يدينون بمعتقدات معينة ويخضعون السلطة واحدة معينة. وهذا يتطلب أول ما يتطلب تماثل الناس في آرائهم وأفكارهم واتجاهاتهم، وهو ما يعرف عادة بالموالاة أو المتابعة أو عدم الخروج عن الجماعة. ولكن الذي لاحظناه من دراسة التاريخ ان هذه المحاولة، أي محاولة القضاء على البدع والاجتهاد الشخصي واضطهاد الافكار، محاولة خائبة لم تؤد في جميع عصور التاريخ الا الى نقيضها . وكانت هذه المحاولة في معظم الاحيان تصد الناس عن التفكير في تغيير الاوضاع وتحسين الاحوال خوفا ان يعد هذا التفكير في هذا الاتجاه مروقا أو خروجا من الدين او من السلطة . واخطر من ذلك ان يصبح لدى الناس اعتقاد جازم بان ما كان عليه الاباء هو خير حال فيجب التمسك به واحياؤه. ولعل وضع كثير من البلاد الشرقية في العصور الاخيرة بالنسبه الى المدنية الأوروبية راجع الى الاعتقاد بان النظم القديمة هي افضل النظـم ويجب التمسك بها بل احياؤها ، وان الحياة الغربية الاوروبية حياة اقرب ما تكون الى البدعة فلا يجوز الاخذ بها.
من هذا يتبين أيضا أن القرون الوسطى كانت تفرض على الفرد حياة جامدة راكدة . فاذا كان فلاحا كان تحت سلطة الاقطاع الشديدة واذا كان صانعا كان تحت سيطرة النقابة التابع لها ، واذا كان من هؤلاء أو من هؤلاء كان في تفكيره وفي معيشته الدينية تحت سيطرة الكنيسة . ويجب ان لا يتبادر الى الذهن ان هذا الوضع كان وضعا سيئا بالنسبة الى ذلك الزمان . واذا قلنا انه سيء فليس ذلك بالنسبة الى زمانه، وانما بالنسبة الى زماننا، لأن الأوضاع انما تكون نتاج الحالة في زمانها ، وتكون عادة مناسبة لزمانها . فلولا تلك الوحدة الفكرية والاجتماعية التي حققتها الكنيسة في القرون الوسطى لكان الوضع أسوا من ذلك بسبب الجهل وعدم الانتظام وبعد الانسان عن المدنية. ثم ان الكنيسة بنظام الرهبنة والاديرة حافظت على كثير من نواحي المدنية الكلاسيكية ، بل ان اباء الكنيسة امثال اوغسطين وجيروم وامبرون وغيرهم، وخصوصا في القرن الرابع ، هم الذين اوجدوا فلسفة خاصة بالقرون الوسطى ،ومهدوا السبيل لقيام الفلسفة المدرسية التي من رجالها ابیلارد ، و ماغنوس وتوما الأكويني وغيرهم ، والتي حاولت تطبيق الفلسفة اليونانية ، وخصوصا منطق ارسطو ، في اثبات القضايا الدينية. وهذا ما جرى في الفلسفة في الدولة العباسية ، حينما انقسم البحث الفلسفي الى الفلسفة و علم الكلام، وكانت الفلسفة محاولة للتوفيق بين ارسطو والديانة الاسلامية، وكان من رجال هذة الفلسفة التوفيقية الفيلسوف العربي الكندي في العصر التاسع الميلادي في بغداد . ومن رجالها ايضا الفارابي وابن سينا ، وكان الاشعري من المتطرفين في هذا المضمار في اول عهده ، وتزعم المعتزلة ، ولكنه انسلخ عنهم ، وأصبح أشبه ما يكون برجال الفلسفة المدرسية في القرون الوسطى.وكما ان الفلاسفة المسلمين انقسموا الى فلاسفة و الى علماء كلام، كذلك انقسم فلاسفة القرون الوسطى في أوروبا في القرن الثالث عشر (الذي يسمى احيانا بأعظم القرون) الى شيئيين (ریالیست ) والی اسميين ( نومینالیست ) . واعتمد الشيئيون على افلاطون ، واعتمد الاسميون على أرسطو ، ومهد هؤلاء الطريق للحركة العلمية الطبيعية فيما بعد . ولكن هذا النزاع بين الفلاسفة في القرون الوسطى بصورة عامة فتح الطريق ولا شك امام التفكير في المستقبل . ولكن هذا التفكير لم يات الا حينما توافرت له الظروف المناسبة ، والقرون الوسطى ، ولا شك ، لم تكن مناسبة . لان من أهم الاسباب لتأخر ظهور التفكير الحر انتشار مبدا الخضوع للماضي والنقل والتقاليد.
ولكن ، كما ان الاضطهاد الفكري لم يؤد إلى النتيجة المرجوة بل الى نقيضها ، كذلك التمسك بالقديم لم يقو على وقف موجة التجدد والتغيير.
وقد يتساءل القارىء الكريم : ما علاقة هذا كله بطبقة الفهماء ؟ والجواب ان هذا كله مقدمة تعرف بها مرحلة من مراحل التطور الفكري التي ادت الى ظهور طبقة الفهماء عامة فيما بعد.
لندن
حسن الكرمي
شارك بتعليقك