افتتاحيات صحيفة اليرموك تشرين اول سنة 1930 ، بقلم الاستاذ عبد الغني الكرمي ……أرشيف م. سليم هاني الكرمي
تأسست صحيفة اليرموك في حيفا بتاريخ 31 أغسطس 1924، وهي أول صحيفة عربية يومية تصدر من حيفا وقد كانت تصدر خمسة أيام في الأسبوع، في الفترة ما بين عامي 1924 و1930. أصدرها الناشر رشيد الحاج إبراهيم والمحرّر كمال عباس. ثم أعيد تأسيسها على يد عبد الغني الكرمي ومحمد عزة القاسم، وقد تولى عبد الغني الكرمي رئاسة تحريرها.
دعت ومنذ لحظة صدورها على مواجهة الصهيونية وحاولت دوماً إسماع السلطات مطالب الناس وواجهت قضايا بيع الأراضي والدفاع عن الفلاحين، نشرت الصحيفة أخباراً ومقالات عن العديد من العائلات التي ساهمت في تسريب الأراضي للحركة الصهيونية كعائلة سرسق وغيرها. كما كانت ذات ميول هاشمية بمعنى أنها كانت تؤيد حكم الشريف حسين لخلافة العالم المسلمين بعد سقوط الدولة العثمانية وليس حكم السعوديين الخلاف سيولد معارك شديدة سينتصر فيها السعوديين ويتراجع الهاشميون حيث سيبقون في الأردن والعراق فقط. توقفت اليرموك عن الصدور عام 1933 ويبدو أنه بسبب تغير المالكين.
رواية * المندوبين والمحققين
لم تتم بعد !!
الفصل الأول
في فلسطين
-السلام عليكم
-وعليكم السلام
-ارسلتني وزارة المستعمرات لانقل اليها ما تطلبون ، واكتب لها ( تقريرا ) مفصلا من حالة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية واضمنه شكاويكم من الادارة والسياسة العامة المتبعة في فلسطين ...
-اهلا وسهلا .. نطلب كيت وكيت ، ونشكو من كذا ومن كذا
يدون مندوب الوزارة ملاحظاته ويسجل، مطالب اهل البلاد العرب، ثم يزم حقائبه ويسافر عائدا الى لندن .
.......
-السلام عليكم
-وعليكم السلام
-ارسلتنى وزارة المستعمرات لانقل اليها ...
- اهلا وسهلا : نطلب ..
.......
-السلام عليكم
-وعليكم السلام
-ارسلتني وزارة المستعمرات
-نطلب ..
الفصل الثاني
في لندن
- هالو ! . هل اتيت ؟
- نعم، وقد قمت بما كلفتمونى
-واين تقريرك الذي كتبته
-ها هو ، وقد جمعت فيه كل ما سمعته وما رايته و ..
-حسنا, حسنا .. هات التقرير . شكرا . مع السلامة .
الوزير او سكرتير الوزارة ( لنفسه ) - بلا « دوشه دماغ » ( يوجه الكلام الى احد الكتاب) صنع هذه « الأوراق « على الرف !
يتكرر المشهد عدة مرات في السنة
........
هذان فصلان من رواية سياسية لم تتم بعد بعد، ولا ندري متى تتم ! ويلاحظ القراء ان الرواية ذات مناظر متشابهة تبعث السأم والملل في نفوس المشاهدين، وليس فيها شيء من الفن الروائي الذي يجعل لها رونقا وروعة يجعلان المشاهدين يتابعون حوادثها بشغف.
بل بلغ من عجز المؤلف وقله براعته انه كشف الغطاء عن خاتمة الرواية فعرفها المشاهدون جميعا ، ففضلوا مغادرة « المسرح « حيث لم يبق الا الممثلون ( والملقنون ) والمديرون الفنيون ! !
وفى النهاية برز على خشبة المسرح احمد الابطال المعروفين المشهورين ، ولكن مع الاسف لم يبق من يصفق له من المعجبين والمستحسنين !! فجناب الدكتور شايلز وكيل وزارة المستعمرات البريطانية اتى الى فلسطين، وسيجتمع اليوم ( الاربعاء) في الساعة العاشرة والنصف صباحا الى ممثلي الامة العربية ، واعضاء الوفد الفلسطيني ويسألهم عن مطالب البلاد وشكاوى اهلها، فيكررون ما سمعه منهم في لندن وما كتبه مندوبو وزارة المستعمرات السابقون في تقاريرهم التي وضعت على (الرف) في احدى زوايا وزارة المستعمرات !! فيدون ملاحظاته ، ويسجل المطالب والشكاوي التي يرفعونها اليه راسا لا بواسطة المندوب السامى ولا عن طريق الذين توفدهم وزارة المستعمرات .
وجناب الدكتور شابلز سيقيم في فلسطين اياما معدودة ، ويغادر البلاد - كما اتصل بنا - يوم الاربعاء القادم الى قبرص بطريق بيروت وقد يكون شان قبرص مع هؤلاء الموفدين ، مثل شان فلسطين الشهيدة !!
والان ؟ ان قسما من اهالي البلاد العرب يعلقون اهمية كبرى على زيارة الدكتور شايلز ، وينتظرون ان تنتج تغييرا سياسيا ذا شان فتنال فلسطين شيئا من حقوقها التي غمطت في هذه السنين الطويلة ، وصار فريق من عشاق الرتب والوظائف والالقاب يعدون عدتهم ليكونوا أعضاء في المجلس التشريعي ، او في غيره من المجالس ولا تعجز وزارة المستعمرات عن خلق اسماء لهذه المجالس ، التي نرجح ان يعين اعضاؤها تعيينا لا انتخابا ..
اما نحن فاننا نتوقع- اعتمادا على التجارب المتعددة السابقة - ان تكون زيارة الدكتور شايلز كزيارة المندوبين والموفدين ولجان التحقيق السابقين .
-هالو ! هل رجعت ؟ این تقريرك ؟
-ها هو اقرأوه . ادرسوه
-حسنا . خذوه وضعوه على ( الرف ) او القوه في زوايا النسيان
عبد الغنى الكرمي
صحيفة اليرموك صاحباها: محمد عزة القاسم و عبد الغني الكرمي ، رئيس التحرير : عبد الغني الكرمي
العدد 467 السنة السابعة ، حيفا في يوم الاربعاء 14 جمادى الاولى سنة 1349 الموافق 8 تشرين اول سنة 1930
انسيتم المعذبين
في السجون ??
للاضطرابات السابقة حواشى وذيول تدمي القلوب الصخرية وتسيل الماقي الجامدة. فعلاوة على الابطال الشهداء الثلاثة الذين علقوا على اعواد المشانق يوجد ابطال شهداء حكم عليهم بالاعدام البطىء في اعماق السجون الرهيبة هم الذين حكموا بالسجن المؤبد !
ولو راجعنا تاريخ قضايا الاضطرابات لوجدنا منها ما لا يجوز لعربي ان ينساه مادام حيا ، ولوجدنا آثار كثيرة منها ظاهره للعيان تبعث في النفوس اسى وحسرة بالغين ومما لا يزول من الاذهان القضايا التي حكم بها فريق من المتهمين في اضطرابات صفد، دون ان يكون لهم من يدافع عنهم ، فنحن نذكر ان المحامين في فلسطين كانوا اضربوا عن الدفاع امام محاكم الجنايات وغيرها اضرابا تاما استغرق مدة لا يستهان بها ، فصدرت على اولئك المتهمين احكام يقاسون الان هم وعائلاتهم اشد انواع الضنك والبؤس بسببها.
فمن القضايا التي راتها محكمة حيفا قضية حكم بها علي ١٤ رجلا عربيا بالسجن المؤبد بتهمة حرق دكان في اثناء اضطرابات صفد و قضية اخرى حكم بها على ١٥ عربيا بالسجن ١٥ سنة بتهمة حرق ايضا ثم عدل الحكم بالاستئناف الى خمس سنين فلم يتقدم محام للدفاع عنهم، وبينهم الشيخ الهرم الذي يبلغ الثمانين والشاب اليافع، والكثير منهم زوجات وبنون وبنات ، ليس لهم من معين سوى هذا الذي زج في اعماق السجن .
ويعلم الله ما اذا كان افراد بعض عائلات هؤلاء المحكومين يتضورون الان جوعا ام لا ؟!
وحكم على اخرين بالاعدام - وهم سكوت ، وليس من يدافع عنهم - وحكم على آخرين بالسجن بضع سنوات وكان شانهم مثل اولئك ! ولكن الأمر الغريب هو ان الاضراب عن الدفاع كان من سوء حظ الصفديين فقط....
ونحن بكلمتنا هذه لا نريد ان نتعرض للقضاء ، ولا نود ان نشير الى عدالة الاحكام او شدتها او خفتها الاثباتية ما يجعله يقتنع باجرام المتهمين. ولكننا نحب ان نقول انه لوترك المتهمون يدافعون عن انفسهم وتقدم المحامون يظهرون للمحكمة الناحية الثانية من القضية ، فما الذي يدرينا ان المحكمة كانت تعدل عن رايها، فتصدر احكاما غير التي اصدرتها في السابق . فقد يجوز ان تصدر احكاما اشد او اخف او لا تعير شهود النيابة ادنى اهتمام او تبرئ ساحة المتهمين اذا رات ذلك.
فلو قبلنا وقلنا ان المتهمين قصروا واخطأوا بحق أنفسهم عندما وافقوا على الاضراب عن الدفاع كما اضرب المحامون ، افلا نجد ان مكثهم بالسجن اكثر من سنة عقابا لهم على تقصيرهم ؟ اولا يكفى ان يتالم هوءلاء المسجون من العذاب الجسدى والنفسى ، في هذه الاشهر الثلاثة عشر ؟ ان كل مدرك و مطلع على الحقائق يشعر ان الالام التي قاساها المحكومون والمصائب التي حاقت باهلهم وذويهم تكفى لتغسل اعظم الجرائم واروعها
ان لنا في سجون فلسطين المتعددة مئات من اخواننا واقاربنا الذين زجوا فيها لقضايا تتعلق بالاضطرابات . منهم اكثر من عشرين كانوا حكموا بالاعدام ثم استبدل الاعدام بالسجن المؤبد وشكل واحد من هوءلاء المساجين اهل وذور قربي كان يعيلهم وينفق عليهم . والله والمطلعون ادرى بحالة اهلهم وما يقاسونه من شظف العيش ومرارة الذكرى وحرقة الاسى. افلا يستحق هؤلاء الاخوان عطفنا واهتمامنا ؟ اولا يجب علي كل ويحد منا ان يعنى بشانهم و يطلب بالحاح اخلاء سبيلهم بعد هذا العذاب الطويل ؟؟
وقد كنا نشرنا في احد اعداد اليرموك منذ امد ليس ببعيد كتابا ارسله الينا احدا الحكومين بالسجن المؤبد ، هو وولداه واسمه ( الحاج ابراهيم خالد الحاجب) يلتمس من الهيئات الوطنية ان تسعى في طلب العفو عنه ، شفقة ورحمة بعائلته البائسة ، ومما لا نشك فيه ان كل من طالع ذلك الكتاب تالم لحال هذا البائس الحزين هو وافراد عائلته عموما. وكذلك شان بقية اخواننا المسجونين...
لم يذهب هؤلاء ضحية غرض خاص وخصام شخصي ، بل دهبوا في راجفة عامة وثورة لاهية شبت نيرانها في مختلف مدن فلسطين فلا يجوز لعرب فلسطين ان يهملوا امرهم ، كما اهملوا عائلاتهم !
هذه كلمه نسوقها إلى الهيئات الوطنية والزعماء الذين وضعت الامة عليهم اعتمادها ؛ وعساهم يلتفتون الي مطالبة الحكومة بالحق ، مغتنمين فرصة وجود الدكتور شايلز في هذه الديار و باطلاق سراحهم وجعل هذا الطلب في قائمة المطاليب الوطنية .
ليسمع كل عربي عويل النساء وبكاء الاطفال ولهفة الشيوخ في ارجاء البلاد . ونداء حارا صادرا من اعماق السجون يقول .
لا تنسونا ....
عبد الغني الكرمي
صحيفة اليرموك صاحباها: محمد عزة القاسم و عبد الغني الكرمي ، رئيس التحرير : عبد الغني الكرمي
العدد 468 السنة السابعة ، حيفا في يوم الخميس 15 جمادى الاولى سنة 1349 الموافق 9 تشرين اول سنة 1930
شاهت الوجوه
القضاء يلقم الافاكين حجراً
ليس في وسع احد من الناس ، مهما أوتي من الفصاحة والبلاغة ان يصف السرور الذي عم مدينة حيفا يوم الاربعاء المنصرم ، عندما اصدر حضرة قاضي التحقيق المستر شمس قراره برد التهمة عن الوطنيين الباسلين رشيد الحاج ابراهيم ورمزی عامر
ولن يقدر احد من الكتاب ، مهما وهب من البراعة والدقة وصدق التعبير ان يقدم للقراء صورة صحيحة تامة لما ارتسم على وجوه القوم اجمعين بعد خروج السيدين من التوقيف الموقت موفورى الكرامة ، وضاحي الجبين، بريئين من تهمة شنيعة الصقت بهما الصاقا، بعد ان جيء باشخاص بسطاء ليشهدوا كذبا أنهما سمعا رشيداً ورمزى يقولان كذا وكذا ، وأنهما راياهما يفعلان كيت وكيت .. رغم ماعرفه الناس عنهما من طهارة الضمير والاخلاص وبعدهما من الشر والاذى
كانت المدينة باسرها يوم الاربعاء كأنها في حفلة عرس فخمة عامة شامله ، أو كأنها في عيد شعبي له ذكرياته الرائعة، عيد يملأ النفوس الكريمة النقية من الأوضار حبورا وطمانينة ! ويحمل الناس على اجلال الحق الناصع وتقديس الشخصيات البريئة المفة اليد واللسان ، التي كادت ان تذهب ضحية الدس والكيد والحسد
اجل ان القلوب العامرة بالايمان بعدل الله وقدرته على كشف الغطاء عن المؤامرات والاكاذيب، لتتمثل دائما بقوله جل جلاله قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا . وان الالسنة لتردد الحكمة العربية أن للباطل جولة ثم يضمحل
نسوق هذه الكلمة الى أولئك الكتاب ، واشباه الكتاب، الذين وجدوا في هذا الحادث متسما لبث سمومهم وتقويض بنيان الاتحاد العربي في هذه البلاد المنكودة ، فعال دون مكرهم السيء عقلاء وقفوا وقفة الابطال في طريق الافك والضلال والجناية ، فاستحق هؤلاء المخلصون تقدير الوطن ، وشكر الاجيال القادمة .
قال الافاكون كثيرا، وكتبوا كثيرا ، فصبرنا على ما قالوا وما كتبوا ثقة منا بظهور الحق الابلج قريبا ، رغم الاستار الثقيله التي حاولوا ان يخفوه وراءها ! وسمعنا شتائمهم القبيحة واتهاماتهم الشنيعة تنهال علينا فلم نجبهم ورددنا انفسنا على مكروهها ، ولم نكل لهم بالصاع الذي كالوا لنا به ؛ ولم نعن بما وصمونا به كقولهم ادنياء ، قتله، محرضون ، سفاكون ، متزلفون، منافقون ، مجرمون، الخ . فهم لم يدعوا صفة قذرة الا وصفونا بها. ولم يتورعوا ان يقولوا - قبل ثبوت اى شيء علي السيدين رشيد ورمزي - انهما محرضان وان ايديهما ملطخة بالدماء، وأنهما هما اللذان دفعا إلى ارتكاب الجرعه وأنهما .. وانهما ....
انهم لم يخجلوا من الافتراء ، ولم يحسبوا الحرمة احد حسابا ، ولم يتأخروا من التطاول على حرمة القضاء، بوضعهم انفسهم موضع الحكام
ليثبتوا التهمة على فلان وفلان ، وليلصقوها باخرين ، او بالمسلمين كافة الذين اتهموهم بالتآمر على مقتل المرحوم جميل .. اننا لا نشمت بفضيحتهم، ولكننا تشفق عليهم من هول ما أصابهم ، ولا ندري كيف يقدرون على السير فى الطرقات امام الناس من غير ان يخفوا وجوههم ان كانوا رجالا ؟ وها هم الآن يلاقون جزاء وفاقا على تسرعهم وطيشهم ورميهم الابرياء بالباطل وهجر القول !
شاهت الوجوه الصفيقة وبئست النفوس الجريئة على قلب الحقائق وسترها ! فالقضاء قد القم الافاكين من الكتاب ودعاة التفرقة وغربان السؤ حجرا ، واعطاهم درسا ، ما اقساه ، في وجوب الحرص على كرامة الابرياء وسمعتهم . وأدبهم على الاقوال المنكرة والسموم الفتاكة التي تولوا بثها في طول البلاد وعرضها !
فإن كان لاولئك الكتاب والافاكين بقية من الحياء فليدفنوا وجوههم فى التراب - في تراب الوطن المقدس الجبول بدماء زكية ,ذلك الوطن الذي كادوا له بدعوتهم الضارة للتفريق بين عنصرى الامة النبيلين ! ان كانت لديهم بقية من الخجل والكرامة فليتواروا عن الانظار حتى لا يشيعوا اينما حلوا بابتسامات تنم على ما يستحقونه من الناس
اما وقد اثبت القضاء فساد تدبيرهم، وكذبهم اشنع تكذيب و اظهر للملأ اجمع كيف تكون نتيجة التهجم على كرامات الابرياء ورميهم بالباطل ، اما وقد ظهر كل ذلك فلتخرس الالسنة الافاكة ولتكسر الاقلام المضللة ؛ وليتوار المرجفون ... بل شكرا لهم والف شكر على اتهامهم رشيدا ورمزي ، فبفضل ذلك عرفت الامة الاشخاص الذين يستغلون الحادث الفردي المؤلم ليكيدوا للبلاد ويفتوا في عندها و يفرقوا صفوفها حتى يجعلوها لقمة سائغة فى حلق الصهيونيين والمستعمرين ...
عبد الغنى الكرمي
صحيفة اليرموك صاحباها: محمد عزة القاسم و عبد الغني الكرمي ، رئيس التحرير : عبد الغني الكرمي
العدد 469 السنة السابعة ، حيفا في يوم الجمعة 16 جمادى الاولى سنة 1349 الموافق 10 تشرين اول سنة 1930
شارك بتعليقك