كتاب أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية "آراء أحمد شاكر الكرمي" ……أرشيف م. سليم هاني الكرمي
أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية:
أصدرت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية عام 1964 كتابًا عن أحمد شاكر بعنوان “أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية”، قدم له فؤاد الشايب ؛ جمعه وأشرف على طبعه عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
وقد قسم أبو سلمى آثار أخيه أحمد شاكر إلى الأقسام السبعة الآتية: مفكرة المحرر، وآراء أحمد شاكر الكرمي، والمعرض العام، والنقد، والشعر الغربي، والقصص، وأقوال ورسائل.
وقد بلغت عدد صفحات الكتاب 300 صفحة، وصدر عن دار أطلس للنشر،
وهو كتاب شهير ومنتشر في المكتبات العامة بالوطن العربي.
______________________________________________________
"مفكرة المحرر" التي كتبها صاحب الجريدة، ولم تخلُ الافتتاحية او الفاتحة من السخرية الأصيلة التي كانت سمة نتاج احمد الكرمي، حيث ووزع "مفكرة المحرر" على خمسة عناوين ومقاطع كما في العدد الأول.
عيوب مطالعتی
أنا أدمن المطالعة منذ نشأتي ، ولا أكاد أصبر عنها في الاقامة ولا في السفر ، ولا في البدو ولا في الحضر، ولكن في مطالعني عيبين شنيعين يجعلان فائدتها لا تذكر ، وأول دينك العيبين : الملل من الكتاب الواحد أو من البحث الواحد وطلب الانتقال منه إلى غيره، قبل اتمامه والانتهاء منه. والعيب الثاني : النظر الى المباحث نظرا سطحيا سريعا ، وعدم الأناة في درسها وتفهم مسائلها جيدا . وهذان عيبان قبيحان لا يتفقان مع حـب الاستفادة والاطلاع على دقائق العلوم والوقوف على حقائقها ، فاذا لم أجتهد في التغلب عليهما والتخلص منهما فعلى مستقبلي الأدبي السلام .
مكة ليل ٢٤/ ٢ / ١٣٣٧
آرائی
لقد آن لي اليوم، أن أكون ذا آراء خاصة في شؤون الحياة ، فقد بلغت سنا يستقبح معه أن يكون الانسان مذبذب الرأي ، مضطرب المذهب، يتبع كل ناعق ويؤمن بكل ما يلقى اليه ، من غير بحث ولا نظر . وليس ضروريا أن يكون الرأي الذي أختاره في أمر من الأمور وأعتمده ، قد بلغ غاية الجودة ووصل الى أقصى درجات الحسن والمتانة ، بل يكفي أن يوجد رأي خاص ، وان كان فجا غير ناضج فان الايام والحوادث كفيلة بتبديله وتهذيبه وانضاجه.
مكة ليلة ٦/٢ /١٣٣٧
عيوب مطالعتي أيضا
قرأت منذ كتابة ما كتبته عن « عيوب مطالعتي » كتابين : الأول مقامات بديع الزمان ، والثاني الألفاظ ، وقد كنت قرأتهما قبل هذا ، مرات كثيرة ، الا أنني التزمت في أثناء مطالعتي ، هذه المرة ، عدم ترك شيء من الكتاب ، واجتنبت الاستعجال والنظر السطحي الى كل بحث ، وحافظت على ذلك ، حتى فرغت منها جميعا.
ويغلب على ظني أنني قد نجحت في الافلات من ربقة تلك العيوب التي سردتها أولا ، فاذا استمر ذلك كان ولا شك فوزا عظيما ، أما اذا عدت الى ما كنت عليه ، فلن أهمل كتابة عودتي في هذا الكناش لاسجل على نفسي بيدي ، عارين كبيرين : عار ضعف الارادة وعار الملل من العلم.
مكة ليلة ٩/٤/١٣٣٧
التواضع
رأيت الذين يقولون : أنا أدري وأنا أعلم وأنا قلت وأنا فعلت ، هم الذين يتعرضون لطعن الطاعنين وتكذيب المكذبين ، أما الذين يهجرون هذه الخليقة ويتركون تلك العادة الممقوتة ، فانهم يمضون أعمارهم بهدوء وسلام ، ويحافظون على كرامتهم ومقامهم عند الناس . عرفت رجلا من عامة الناس ، رفعته الظروف فوق ما يستحق ، وأتيح له التفات من ذي مقام كبير ، فنفخ الشيطان في أنفه ، واستسلم إلى التكبر واسترسل في التعاظم ، حتى لاحظ القريب والبعيد أنه تعدى طوره ، وافرط في تقدير قدره ، فسلقه الناس بالسنة حداد ، وخاضوا في التحدث بمثالبه ونقائصه ، وكان أصدقاؤه أبلغ في ذمه من سواهم ، وغدا الناس يحفظون له من السقطات ما لا يحفظون مثله لغيره ، كل ذلك لانه جهل فائدة التواضع وقيمته ، ولم يعرف له قدره ، فجلب لنفسه سخط الناس ونفورهم ، في الوقت الذي كان فيه أمثاله ومن على شاكلته ، يمدحون ويقرظون بفضل اجتنابهم مسلکه وبعدهم عن طريقته ، وهذا بلا ريب دليل على أن الناس يحاربون الكبر نفسه لا شيئا آخر.
وأكثر ما يعمد الناس في محاربتهم للمتكبرين ، الى هدم الاساس الذي يبنون عليه كبرهم ، فالذي يتكبر لانه عالم ، يأتون له بكل سقطة تنفي العلم عنه ، والذي يزعم أنه قوي يحفظون له كل آبدة تشهد بضعفه، وهكذا مما يدل على أن الناس لا يحاربون الا الدعوى فقط ، فلو تزحزح الانسان عنها سلم من حربهم وخصامهم ، فمن شاء أن يخلص من السنة الخلق وأن يسلم من احتقار الناس وتربصهم به الدوائر ، فعليه أن يتواضع ويتواضع ويتواضع .
مكة ليلة ٢٥/٢/١٣٣٧
شروط المباحثة والمطالعة
رأيت أناسا كثيرين اذا تكلموا في أمر يعتقدونه ، أو أعربوا عن رأي يرونه ، ثم اعترضهم معترض بنقد ما يقولون ، أخذتهم الحدة ، وأسرع اليهم الغضب ، وخرجوا عن طور الاعتدال ، وظهروا بمظهر العداء لما قيل ولمن قال ، قبل أن ينظروا الى قول المعترض ، نظرة عدل وانصاف ، ليروا مبلغ قربه من الحق والانصاف أو بعده عن الصواب .
وهذه حالة لا يكاد يسلم من شرها أحد ممن عرفته ، وهي تنافي العلم الصحيح ولا تجتمع معه في قرن ، وأهلها لا يكونون من أهل التحقيق الا عفوا واتفاقا. ومن الناس من لا يحتمل نقد خبر يقصه او حكاية يرويها ، مع أن ذلك لا يلحق به ذاما ولا يلصق عارا ، وهذه شر من الأولى وأغرب . أما منشأ هذا الأمر ، فيرجع الى العواطف غالبا - كما اختبرته في نفسي ، لانني أصاب بتلك العلة في بعض الأحيان ، وعلى من أراد التخلص من ذلك البلاء والسلامة من شره ، واجبان :
۱ - أولهما أن يطرح عواطفه واعتقاداته وآراءه عند البحث في أمر أو الحكم على أمر .
٢ - وثانيهما أن يرمي دائما الى معرفة الحق وان لا يبالي في أي جهة كان .
بهذين الشرطين يستطيع الرجل أن يصل الى الحقائق المجردة عن الشوائب . وبهما يقدر أن يهتدي الى اللباب الخالص ويقع على المحض الصريح . ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر.
مكة ليلة ٢٦/٤/١٣٣٧
∞∞∞∞
شارك بتعليقك