كتاب أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية "آراء أحمد شاكر الكرمي_ الشخصية في الأدب
" ……أرشيف م. سليم هاني الكرمي
أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية:
أصدرت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية عام 1964 كتابًا عن أحمد شاكر بعنوان “أحمد شاكر الكرمي: مختارات من آثاره الأدبية والنقدية والقصصية”، قدم له فؤاد الشايب ؛ جمعه وأشرف على طبعه عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
وقد قسم أبو سلمى آثار أخيه أحمد شاكر إلى الأقسام السبعة الآتية: مفكرة المحرر، وآراء أحمد شاكر الكرمي، والمعرض العام، والنقد، والشعر الغربي، والقصص، وأقوال ورسائل.
وقد بلغت عدد صفحات الكتاب 300 صفحة، وصدر عن دار أطلس للنشر،
وهو كتاب شهير ومنتشر في المكتبات العامة بالوطن العربي.
______________________________________________________
مجلة الرابطة الادبية :
في عام 1921 أسهم الكرمي في تكوين أولى الجماعات الأدبية في سوريا وهي التي سميت باسم الرابطة الأدبية
_________________________________________________________
"مفكرة المحرر" التي كتبها صاحب الجريدة، ولم تخلُ الافتتاحية او الفاتحة من السخرية الأصيلة التي كانت سمة نتاج احمد الكرمي، حيث ووزع "مفكرة المحرر" على خمسة عناوين ومقاطع كما في العدد الأول.
الشخصية في الأدب
الشخصية في الأدب : مجموعة الخصائص التي يمتاز بها أدب عصر من العصور عن أدب عصر سواه ، أو أدب بلد من البلاد على أدب بلاد أخرى ، أو أدب فرد من الأفراد عن أدب فرد غيره ، فان كانت تلك الخصائص في السياق والتنسيق سميت " الشخصية في الأسلوب " وان كانت في الافكار والمعاني سميت "الشخصية في الرأي " ، فان اجتمعت الشخصيتان سميتا " الشخصية التامة " .
وتظهر الشخصية في محصول كل أدب غير عادي، وتبدو واضحة أو خفية ، ضعيفة أو قوية ، بقدر ما في العوامل التي تكونها من قوة وضعف، ولما كانت الشخصية في الرأي مظهرا من مظاهر عقلية الفرد - أو المجموع - أو نفسيته أو مظهرا من مظاهر هما معا، وجب أن نعد كل عامل يؤثر في عقلية الفرد أو نفسيته عاملا من العوامل الفعالة في ايجاد » الشخصية في الرأي » ، ولما كانت الشخصية في الأسلوب ، أثوا من آثار مملكة البلاغة في الانسان ، وجب أن نعتبر كل ما يؤدي الى تكوين تلك الملكة ، عاملا من عوامل خلق" الشخصية في الأسلوب " ومن مجموع هذه العوامل توجد "الشخصية التامة " .
ولقد كان بودي أن آتي على وصف « شخصية الأدب العربي« ، في العصر الحاضر، أو في هذا البلد على الأقل، وان أبين الخصائص التي امتاز بها عن أدب العصور الماضية، مع بيان العوامل الي كونت تلك الشخصية، وأوصلتها الى حالتها المعلومة ، ولكني رأيت الحوائل جمة والعقبات أعظم من أن تذلل .
قال الراوية الانكليزي الشهير « شارلس دكنز » في فاتحة « قصة مدينتين « يصف عصر الثورة الفرنسية « لقد كان ذلك الزمن خير الأزمان وكان عصر وكان شر الأزمان ، كان عصرالحكمة وكان عصر الحماقة ، كان عصر الايمان وكان عصر الالحاد كان عصر النور و عصر الظلام كان ربيع الأمل وكان شتاء اليأس ... الخ " .
وقد أراد بذلك أن يصور مبلغ الاضطراب في روح ذلك العصر ، ولو حاول واصف أن يصور لنا الروح الادبية ، في محصول أدب هذه الأيام ، لما وجد وصفا يفي بالدلالة على ما فيه من الاختلاط والارتباك ، مثل وصف « دكنز» الذي تقدم ، وذلك لان الادب العربي اليوم ، في دور انتقال ، وأدوار الانتقال تمتاز بكثرة الظواهر الفجائية واختلافها وسرعة تبدلها ، والذي يتصدى للحكم على أحوال قلقة مثل هذه لا يسلم من الخطأ والضلال ، لهذا أحجمت عن البحث في شخصية الادب العامة وعدلت عنه الى البحث في الشخصية الفردية وفي العوامل التي تكونها على قدر ما يسمح به الوقت والمقام .
الشخصية في الاسلوب
أما الشخصة في الاسلوب ، فهي أقل الشخصيات قيمة ، وليست بأهونها تحصيلا ، فان الفوضى الحاضرة في درس الادب قد حرمت كثيرا من الناس ، الاسلوب الصحيح ، فكيف بالاسلوب البارع الممتاز ؟ وقد يكون خير سبيل يؤدي الى تكوين « الشخصية في الاسلوب » هو أن يدرس الطالب في بدء أمره نتاج الادب القديم وان يقتصر منه على آثار الطبقة التي يحتج بكلامها ، لأنه وهو في مبتدأ أمره ، يكون في حاجة الى محصول لغوي صحيح خال من الفاسد والدخيل ، ولا يستقى ذلك الا من ينبوع تلك الطبقة ، فاذا بلغ من ذلك حاجته ، خرج الى أدب المولدين ، ودرس بلاغتهم ، ويكون في هذا الدور محتاجا إلى اقتناص المعاني والأفكار ، ثم يتم حظه اذا استطاع بعد ذلك أن يحذق لغة حية ويتفقه في آدابها . فان ذلك يؤدي به الى ايجاد « شخصية في الاسلوب » تستحق الاحترام ، وقد قلنا تستحق الاحترام ، لأننا نعتقد أن كثيرا من الناس وخصوصا في المهاجر، لهم شخصيات في أسلوبهم تميزهم عن سواهم ، ولكنها شخصيات لا تستحق الاحترام لأنها مبنية على غير أساس ولان فيها ما لا تجيزه اللغة ولا تقبله قوانينها.
الشخصية في الرأي
أما الشخصية في الرأي فقد قلنا انها مظهر من مظاهر عقلية الفرد أو نفسيته أو مظهر من مظاهرهما معا ، ونريد بعقلية الفرد المستوى العقلي الذي وصل اليه ، لا مزاجه العقلي من حيث هو ، ونعني بنفسيته مجموع ما ينطوي عليه من مشاعر و احساسات و عواطف وميول ونزعات.
والعوامل التي تؤثر في تقدم عقلية الفرد كثيرة ، أهمها الاستعداد الفطري ، وتلقي أوليات العلوم التي يمكن الانسان أن يفهم بها ما يعرض له من مسائل الحياة وشؤون الكون ، والاطلاع على أحوال الامم الأخرى ، ليتسنى له المقابلة والقياس ، واطلاق حرية الفكر وعدم التقيد في فهم الأمور بمذهب أو عقيدة خاصة ، أو النظر فيها من جهة واحدة ، ويشترط أن تكون ملكة النقد قوية في نفسه ، وأن يكون دقيق الملاحظة ، ذكي الفؤاد قوي التمييز ، بعيدا عن التقليد الأعمى ، وليس من الضروري أن يتعمق في الفلسفة ولا أن يبرع فيها ، فان الادب لا يحتاج في الواقع الى فلسفة عالية ، وذلك لأن مهمته ، السفارة بين القلوب والارواح ، وليست الفلسفة من لغة القلوب ولا بها تتفاهم الأرواح .
أما العوامل التي تؤثر في نفسية الفرد فكثيرة أيضا أهمها الـحب والالم.
وتحتاج الشخصية إلى فضاء حر تظهر فيه ، فاذا حرمت نعيم الحرية،احتاجت في ظهورها إلى الشجاعة المبنية على الايمان المتين ، لأن الشخصية كما قلنا هي مجموعة خصائص تميز الفرد عن سواه ، فبقدر ما يكون فيها من روح المخالفة للذوق العام ، يحتاج صاحبها في اظهارها الى شجاعة وایمان.
ولا تكون الشخصية جذابة مؤثرة ، الا اذا تتناسبت عقلية صاحبها و نفسيته مع حسن بيانه ووضوح آرائه . و « الشخصية التامة » لا تجتمع مع التقليد أبدا ، ولهذا ترى المترجمين لا تظهر لهم الا شخصية الأسلوب وحسب ، هذا اذا كانوا ممن لهم شخصية في أسلوبهم . و « الشخصية التامة » في أدبائنا المعاصرين نادرة للغاية، فان أكثر الذين لهم شخصية محترمة في أسلوبهم ، لا توجد لهم شخصية في آرائهم ، وأكثر الذين لهم شخصية في آرائهم لا تكون لهم شخصية في أسلوبهم تستحق الاحترام.
وشعراؤنا بوجه عام أبعد عن الشخصية بأنواعها من جماعة الكتاب ، لانهم أشد ايغالا في التقليد وقد ماتت في أكثرهم قوة التوليد والابتكار، فانكب فريق منهم على تحدي القديم في الاسلوب والمعاني ، وعكف أكثرغواة التجدد منهم ، على الترجمة ونقل أفكار الشعراء من الافرنج ، فطعنوا بذلك الشاعرية في أشرف مقاتلها وهم يحسبون أنهم يحسنون بعملهم صنعا.
ان المترجم لا يجوز أن يعد شاعرا الا اذا جاز أن يحسب الحاكي « الفونوغراف » انسانا ناطقا لان كليهما يردد ما ليس له كسب .
نحن نجل بلاغة الغرب، ونحب ما فيها من حياة وقوة وروح ، ولكننا لا تحب أن تميت في نفوس شعرائنا قوة التوليد والابداع وتقتل فيهم روح الابتكار والاختراع .
وخلاصة القول : ان منزلة : « الشخصية في الادب » كمنزلة الروح في الجسد . سواء بسواء ، وليس الادب المجرد من الشخصية الا كفارغ الجوز ، قشور بلالباب ومادة من غير معنى ، فليعمل حملة الاقلام من كتابنا وشعرائنا - اذا كانوا يريدون الخير للناس ولا نفسهم - على أن يجلوا عرائس أفكارهم حية ، يجول في وجناتها ماء الشباب ، ولا يعرضوا صورا مفزعة كالمومياء قد هجرتها الروح وارتسمت على وجهها آية الموت .
مجلة الرابطة الادبية العدد ٥ السنة الاولى كانون ثانی ۱۹۲۲ ۰
∞∞∞∞
شارك بتعليقك