الراي الثقافي-جريدة الراي الاردنية عدد الجمعة 17/10/1980 أرشيف م. سليم هاني الكرمي
ابو سلمى
القصيدة التقليدية وموقف الحداثة
في القصيدة العربية الجديدة والمكتوبة داخل اطار العمود الشعري العربي، وبلغته المفهومة، هناك استثناءات محمد مهدي الجواهري، والشاعر الفلسطيني الكبير ابو سلمى "عبد الكريم الكرمي " . وهما، وان كانا لا يتمردان على عمود الشعر لعامل العمر وعامل تطور القصيدة العربية الحديثة زمنيا وتاريخيا، فانهما يكسران هذا العمود الشعري بمفاهيمه.. أي انهما يحافظان على تقليدية الشكل، ويمارسان حداثة المضمون.
فالى اي حد ينطبق هذا على شعر ابي سلمى؟
أن الفارق الذي يرسمه التطور التاريخي للقصيدة العربية بين قصيدة تقليدية، وقصيدة حديثة يبلور اطاره المفهومي، بان القصيدة التقليدية متطابقة شكلا ومحتوى، وهذا ما اثبتته تجربة القصيدة التاريخية من خلال الموقف الذي تتخذه القصيدة التقليدية من حركة الواقع الذي ينتظمها .. ولكن شاعرنا الراحل ابا سلمى قد تخطى هذه العقبة وعكس الواقع في تحولاته كما تعكسه القصيدة الحديثة .. أنه يكسر القانون، ويجعل القصيدة التقليدية تمارس فعلها، فتترابط مع جملة الطروحات التي يفجرها واقعنا العربي. وهذه المسألة بحد ذاتها، هي التي تجعل قصيدة أبي سلمى أكثر معاصرة، والتحاما بالواقع من كثير من الانتاج الشعري الحديث.
ان ابا سلمى طيلة هذه الاعوام التي عاشها شاعرا، يجسد الشاعر في التحامه النضالي مع قضية شعبه، اذ يصبح قلم الشاعر اداة من أدوات النضال والثورة، وهنا تختفي الفوارق بين وظيفة الشاعر في مجتمعه وبينه كخالق ومبدع نصوص.
واشهروا اقلامكم دامية وكفى بالقلم الدامي سلاحا
"اغنيات بلادي ص: ۱۱۲"
ان "ابو سلمى " واحد من رواد واقعية الشعر الفلسطيني، واحد الشعراء الذين جسدوا واقع الخيام، واسس باتجاه ما يسمى "بأدب المخيم"، اذ عكسه داخل لحظته النضالية، ولم يتباك عليه مسطحا مفاهيم النهوض التي كانت تنمو داخل هذا الاطار.. ولهذا فان قصائده التي تصور المخيم تدفع باتجاه افق الأمل، ورغبة الحياة والعودة.
يا احباي يا رفاقي على الدهـ
ر رفاق العذاب والتشريد
الخيام التي تمزقها الري
ح بقايا فردوسنا المفقود
" اغنيات بلادي" ص : ٨٩
أن هذه الرؤية هي التي تدفع بابي سلمى الى موقفه.. وهو موقف الشاعر الذي يعي دوره، لا في التحميس فقط، كما يفهم معظم الشعراء التقليديين، وانما في تجسيد الواقع، وتحليل بنيته.. ومن خلال هذا الفهم تتوالد الحيوات من الموت، ويلد السكون حركة .. وهذه نبوءة أبي سلمى تتحقق.
وطني انت بقايا امل
خضبته عبرات من فؤادي
000
كيد ابنائك ام كيد الاعادي؟!
ما الذي جرح جنبيك.. اجب
لا تقل هذا تراب جامد
انما الاحياء في هذا الجماد
المشرد ص: ٩٤
وهكذا فان شاعرنا الراحل عبد الكريم الكرمي ينير دربنا موقفا وتاريخ شعر..
واذا كانت فلسطين قد اطلعت اجيالا شعرية كثيرة أخذت موقعها على خارطة شعرنا العربي فحسبها أنها اطلعت هذا الشاعر الذي فهم العلاقة بين الشاعر وبين وظيفته، وجسدها بالفعل الواقعي والفعل الشعري.
فخري صالح
شارك بتعليقك