ارشيف م. سليم هاني الكرمي
فلسطين العدد ۲۳۰ - ۳۱۱٤ (السنة التاسعة عشرة )
يافا الخميس في ٢٨ تشرين الثاني سنة ١٩٣٥ ۲ رمضان سنة ١٣٥٤
أما حان للصحف الفاجرة ان تسكت ؟
فالعرب يفضلون الموت على هذه الحياة
دأبت الصحف اليهودية ، منذ أسبوع على نهش كرامة العرب والاساءة الى شرفهم والطعن على حركتهم القومية . وراحت تدعي ان العرب امة جبلت على تمجيد اللصوص والقتلة وقطاع الطرق ، وتطرقت من ذلك إلى ان صارت تكيل لهم انواع الشتائم والمسبات التي يخيل الينا انها كثيرة جداً جداً في قواميس اللغة العبرية وفي قلوب اليهود واذهانهم
ولسنا نحاول ان نسمع مواطنينا العرب نموذجا من تلك الدعارة الصحفية الفاضحة التي ظهرت علي اقلام الكتاب اليهود . ولكننا نحيلهم الى شهر آب القاتم من سنة ١٩٢٩ ايام كانت الصحف اليهودية تنعتنا بالوحوش و لصوص الصحراء ونفايات البحر العكر الخ ... الخ ! وحري بنا ان نسجل هنا ان الصحافة اليهودية ما كانت لتجرؤ على هذا النوع من السب القذر الذي نضحت به ، لو لا ان الحكومة عبدت امامها الطريق وسهلت عليها الغارة في بيانها الأول عن عصبة الشهداء التي قامت ، عن عقيدة وايمان ، تلجأ الى البنادق راجية من وراء ذلك انقاذ البلاد من محنتها القومية ، اذ قالت الحكومة عنها أنها عصابة اشقياء ... فامسكت صحف اليهود بطرف الحبل واتمت مهمتها في الشم والاختلاق الى ابعد مدى ... وهذا يذكرنا بان المندوب السامي السابق ، السرجون تشانيلور قال عن العرب بعد ثورة سنة ١٩٢٩ انهم و حوش متعطشون الي سفك الدماء
فانت ترى من هذا ان المقامات الانكليزية المسؤولة ، هي التي وضعت في افواه الصحافة اليهودية الداعرة هذه المجموعة المنتقاة من هجر القول و بذي الكلام ... وانطلقت تلك الصحف في الميدان آمنة من بطش القانون ، لان تطبيق القانون في يد احبابها وحلفائها الانكليز من وزير المستعمرات فما دون
غضبت الصحافة اليهودية على العرب لانهم يطلقون على تل ابيب اسم مدينة السرقات والحرائق ، ثم راحت تستعدي عليهم الحكومة وتطلب تاديب صحفهم ، أما فجور الصحف اليهودية، وسبها المقذع للعرب فشيء مباح في عهد الانتداب ما داموا قد اصبحوا أضيع من الايتام في مأدبة اللثام ... تنتزع اراضيهم من ايديهم و ارزاقهم من أفواههم ويتقلص ظلهم عن أوطانهم، وتكم افواههم و يرغمون بعد ذلك على السكوت ... فاذا مدوا أيديهم يحاولون انتزاع تلك الكمامات أو رفع تلك القيود الثقيلة - الهبت السياط ظهورهم وقطعت ايديهم بالحراب وسيموا عذاب الهون
اما اذا غضب العرب لكرامتهم واستنكروا أن يلصق اليهود بهم التهم الشنعاء قامت عليهم القيامه وحطمت اقلامهم واغلقت صحفهم
ينكر علينا اليهود أن نجد ضحايانا الذين لاقوا ربهم دفاعا عن فكرة ، وينهالون علي كراماتنا وشرفنا طعنا وتجريحا ويمعنون في شتمنا وسبنا فلا تحرك الحكومة ساكنا ولا تشير على تلك الصحف الفاجرة بالانقطاع عن تلك الحملات المغرضة القدرة علي الاقل وفي امس القريب احتفل اليهود بالقاتل سمحا خانكيز احتفالهم يبطل مغوار وقدموا له الهدايا واحاطوا باسمه هائلة من نور ومجد . اما عظمة هذا المجرم فتنحصر في انه قاد عصابة شريرة من الطغام وذبح بسلاح الحكومة عائلة المرحوم الشيخ عبد الغني عون في جوار تل ابيب عام ۱۹۲۹
وفي كل يوم نرى امثلة من عطف اليهود على كل متمرد متنكر للنظم الاجتماعية والاخلاقية ثائر على القانون وما عهدنا ببعيد على سكوت الصحف اليهودية عن تهريب السلاح وعصابات اللصوص والاشرار والمزيفين ورشاوي الضباط والمهاجرين المهربين
الصحافة اليهودية تلعب بالنار دائما وتثير الاحقاد جامحة في النفوس وتوغر - صدور ابناء قومها على العرب فيضطر هؤلاء كاناسي حساسين ، الى مقابلتها بالمثل
في عام ۱۹۲۹ نشر شاعر يهودي قصيدة في جريدة دوارها يوم قال فيها ان العرب وحوش ، لصوص صحراء ، قتلة ، نفايات البحر العكر وغير ذلك من النعوت ... فسكتت الحكومة اياما كانها لم تسمع بتلك القصيدة القذرة ، فلما ترجمت جريدة فلسطين هذه القصيدة ونشرتها استيقظت السلطة من سباتها العميق وعطلت الجريدتين معا ... كانما أشتركت " فلسطين" في تحريض اليهود على العرب ... والف مرحى للمنطق الاستعماري
و بعد ذلك نشرت جريدة دافار اوراقا سرية تخص دئرة الامن العام فعطلتها الحكومة ... ولكن الاوامر هبطت من لندن ( وكان العمال يومئذ في الحكم ) فلغت الحكومة المدة الباقية من التعطيل !
بعد هذا كله يحق لنا ان نتساءل عن عاقبة هذا التحريض المسموم لذي يحمل في طياته البارود والنار ! هل تقبل الحكومة ان يظل مستمراً يملاء شعاب القلوب ويثير كوا من النفوس ؟ وهل تسكت الحكومة عن العرب اذا فضحوا المخزي التي تجري في المدن والمستعمرت اليهودية ونشروا "مضائل " اليهود على العالم ؟ وهل نراها تسكت عنا اذا اكتفينا فقط بنقل ما تكتبه الصحف اليهودية عن العرب من شتائم ومسبات قذرة ؟ اننا في حيرة قاتلة ! والموت السريع على انواعه احب الى نفوسنا من هذه الحياة المريرة النكداء
عبد الغني الكرمي
شارك بتعليقك