الانباء الأحد ٢٤ آذار ١٩٧٤ عبد الغني الكرمي بمناسبة مرور اربعين يوما على وفاته...أرشيف م. سليم هاني الكرمي
جريدة الانباء
القدس الأحد ٢٤ آذار ١٩٧٤ الموافق ١ ربيع الاول ١٣٩٤ – العدد ١٦٥٧ السنة السادسة
أرشيف م. سليم هاني الكرمي
عبد الغني الكرمي
" بمناسبة مرور اربعين يوما على وفاته"
المرحوم عبد الغني الكرمي يمكن ان يقال عنه انه عاش حياته هادئا يعمل بصمت، وانتقل الى رحمة ربه هادئا صامتا . الا ان كل من ادرك من هو الرجل وماذا كانت تحوي صفحات تاریخه عرف كذلك ان في الجسم الذاوي الذي كان يتعكز به كانت هناك روح نبيلة اصيلة ، كان فكره دائم الحركة والتتبع . ومن وراء العينين المتعبتين كانت تلتمع اشعة ذكية مدركة تسلط ضوءها في ثوان قليلة على أمور لا يدركها الكثيرون في ساعات من التفكير.
آمن عبد الغني الكرمي منذ شبابه بالسلام وعمل له . كان يعمل للسلام مع كبار القوم ومع صغارهم . عاشر من اجل السلام الملوك والرؤساء ورؤساء الوزارات والوزراء كما عاشر عامة الناس وبسطاءهم .كان شرطه الوحيد لكل صداقة وتعارف ، وهو شرط لم يطرحه ابدا بل كان يعمل بصمت على ان يفهمه الجميع بهدوء ، هو ان يترك كل من له صلة به من هو وما هو رأيه في السلام، وقد حكى لي الكثيرون ممن عرفوه في شبابه انه عمل لفكرة السلام في كل وظائفه الرسمية الكبيرة . سالته مرة : ما هي اشق ايام حياتك ؟ فاجاب بهدوء : "الايام التي نشبت فيها الحروب" . سالته لماذا ؟" فأجاب بكل بساطة: «كنت اخشى في تلك الايام ان يسقط السلام صريعا" . وعندما تطلعت اليه باندهاش قال : «كلنا نعرف ان في الحروب يقتل اناس كثيرون ، وان القتل في الحروب من الامور الطبيعية . ولكنني كنت اخشى دائما ان يسقط السلام صريعا الى الابد .
وعندما وصل عبد الغني الكرمي الى بلده ومسقط رأسه قبل ان يختاره الله الى جواره بقليل ، كان يتحرك بسرعة رغم امراضه واتعاب قلبه ، ويحاول ان يعطي لافكاره ولارائه في السلام مجالا للانتشار ولكن مرضه كان أقوى من ارادته ، واتعابه الحياتية ، كانت اشد بأسا من رغبات روحه . اراد ان يكتب كثيرا ويدعو الى السلام فلم يستطع ان يعمل الا القليل . اراد ان يذوي ودعوته على لسانه وعلى طرف قلمه . اراد ان يذهب الى باريه وفي يده القلم . وكان له ما اراد .
رحم الله عبد الغني الكرمي وحقق له امنياته الكبيرة .
-ا.ب -
شارك بتعليقك