اخبار الاسبوع شباط ١٩٧٤: دموع ... حزينة على عبد الغني الكرمي. بقلم أياس محمود الكرمي...أرشيف م. سليم هاني الكرمي
اخبار الاسبوع الاردنية
صاحب الامتياز ورئيس التحرير المسؤول :عبد الحفيظ محمد
الخميس ٢١/٢/١٩٧٤ العدد رقم ٦٤١
أرشيف م. سليم هاني الكرمي
دموع ... حزينة على عبد الغني الكرمي
عرفته منذ وعيت ، انسانا كريما ، غزير العلم واسع المعرفة ، ولما كبرت عرفته انسانا واسع القلب صافي الضمير ، وكنت اجد فيه ليس مجرد عم ، بل كصديق ، حمل كل ما في وسعه للحفاظ على هذه الصداقة التي كان الناس پرونها غريبة ، لانها كانت تقوم بين عم و ابن اخيه.
كنت معجبا به كصحافي ، ويشاركني هذا الاعجاب جميع الذين عرفوه ، ولكن اعجابي به كان مختلفا ، فهو اعجاب مقرون بالاحترام ومحاط بالاعتزاز.
وظل هذا الاعجاب يملا نفسي ، ويدفعني الى السير على خطاء ، وسهل لي رحمه الله – ذلك فدخلت ميدان الصحافة وكنت أظنه ميدانا حافلا بالمتعة ولكنني اكتشفت بعد حين ان من يعمل فيه يكن كالشمعة ، تضيء الناس وهي تحترق .
وعملت مع « ابو امية » في جريدة الشعب اليافية ، ولم يشأ لي ان ابدأ العمل من منتصف الطريق ، وكان يردد امامي دائما انه ينبغي ان اصعد السلم درجة اثر درجة حتى أصل إلى فوق .
ولم يكن – رحمه الله – ليغفر لي ، ان انا اخطأت ، سواء في تحرير خبر . او في قواعد اللغة . وكان لا يخلط بين العمل وصلة القربى .
وطيلة السنوات العديدة التي عرفته فيها ، لم اسمعه قط يغتاب انسانا ، لأنه كان عف اللسان حتى مع خصومه ، ولم اعرفه يوما بخيلا ، بل سمحا جوادا لا يرد طلبا ، حتى انني كثيرا ما عتبت عليه تبرعه بكل ما يملك لمحتاج من زملائه ، حتى اذا ما افلس استدان ، دون ان يشكو.
وكان حتى آخر ايام حياته ، ورغم الظروف الصعبة التي المت به ، يجود بكل ما يملك - بروحه ، اذا لزم الأمر ، والجود بالنفس اقصى غاية الجود.
ونتيجة لعلمه وحسن شمائله تبوأ اعلى المراكز في الدولة ، فعمل مساعدا لرئيس الديوان الملكي الهاشمي زمن المغفور له جلالة الملك عبد الله بن الحسين مؤسس هذه المملكة ومديرا للمطبوعات ومستشارا السفارة الاردنية في مدريد ثم انتقل الى بريطانيا فاشرف على اصدار مجلة العالم باللغة العربية ، ثم سافر إلى ليبيا وعمل مستشارا لوزارة الاعلام و مديراً لوكالة الانباء الليبية حتى عاوده الحنين الى بلده واهله فجاء الى عمان، حيث عمل في دائرة المطبوعات و مستشاراً إعلامياً للإذاعة والتلفزيون ، ثم رئيسا لقسم الترجمة في جريدة الرأي . وقبل ذلك كان « ابو امية » من رجال الصحافة البارزين وعمل في هذا الميدان في فلسطين وسوريا ولبنان ومصر والاردن ، وكان بمقدوره ان يكون ثروة لو أراد .
كان ايمانه بالهاشميين قادة لهذا البلد ، ايمان راسخ لا يتزعزع، ما ذكر اسم المغفور له جلالة الملك عبدالله بن الحسين الا وتذكر مأثرة من مأثرة الكثر ، وما جاء ذكر جلالة الحسين الا وفاض في الحديث عن مواقفه الوطنية وايمانه ببلده وشعبه .
ورغم ذلك كله فقد ظل منسيا فحز ذلك في نفسه وأوصله إلى درجة اليأس من الحياة . واليأس من الاصدقاء ، ثم اليأس من العالم كله ، ورغم ذلك ظل « ابو امية » شديد الولاء لوطنه ومليكه واهله وكان شعاره هذا البيت من الشعر
وان علاني من دوني فلا عجب----- لي أسوة بانخفاض الشمس عن زحل
فاذا مات عبد الغني الكرمي يأساً وكمداً ، فأنني واثق أن آخر كلمة خرجت من فمه كانت « بلدي » رحمك الله يا ابا اميه ، وما احرانا ان نقيم لك تمثالا نسميه الصبر
اياس محمود الكرمي
شارك بتعليقك