عماي داوود وشريف رحمهما الله
البداية :
في صيف عام 1973 نوى ابي الذهاب بصحبتنا الى يعبد كما أسلفت سابقاً وهي المرة الأولى بعد نكسة 67 ولكن كما جرت العادة هو أن يتم التبضع وشراء هدايا لجميع المتواجدين في بيت سيداي من أبي ومن أمي فوجد أبي هو أن الأسلم الذهاب الى الشام والتبضع من هناك وايضاً التعرف على الشام من قريب وزيارة المسجد الأموي والصلاة به فذهبنا بوسيلة قديمة انقرضت الآن وكانت مشهورة بأيامها قبل بروز حافلات نقل الركاب الجت وغيرها وهي ماعرفت بالتريلا وهي عبارة عن كرفان او شاليه طويل يتسع لقرابة المئة راكب او يزيد ويجره رأس شاحنة sexwheel فالركاب بمعزل عن السائق ومساعده ، وكانت أسرع من الباص وكانت مزودة بالمرافق المطلوبة اي اشبه بالقطار .
الإنطلاقة :
جاء يوم السفر وانطلقت الحافلة علماً بأنها تستغرق 60 ساعة للوصول للشام قبل أن يفتتح طريق المرور عبر السعودية فكنا نذهب للبصرة اولاً ومن ثم لبغداد والموصل والرمادي والقائم ومن ثم ندخل الأراضي السورية ، وعلى أنغام المطرب الشعبي عقيل قدورة او مايعرف بالحلبي كانت تسير الحافلة والذي ماأن سمعنا أغانيه حتى نتذكر هذه الرحلة ومازالت أمي تردد أغانيه للحظة وهذه الأغاني كانت تضيف على سفرتنا رونقا وجمالا واذكر كلمات جميلة ترددها أمي لنا ماسنحت الفرصة للتباكي على هذه الأيام وهي (طولوا طولوا احبابي عليّ طولوا مالي قدرة اتحمل لو ائدروا يتحملوا / زارع لي خوخا زارع لي خوخا على طريق يعبد زارع لي خوخا ) وأيضا عندما جاء الظلام كان هناك من الركاب من يملك مزمارا او ريغول او بالخليجي هبان وأخذ يعزف معزوفات شعبية مع الغناء فشعرت انا بفرحة عارمة وكأنني احضر عرساً واخذت اصفق بطريقة هستيرية لاادري ماذا أفعل من الفرحة حتى صرخ احد الركاب منزعجاً من الصوت فطفسنا وعكر مزاجنا وانتهى كل شيئ لايوجد نعيم او فرحة دائمة إلا بالآخرة بجنة النعيم .
بغداد
وصلنا في اليوم التالي الى بغداد وكيف نصل الى عاصمة الرشيد ومدينة ابوجعفر المنصور من غير أن نشق طريقنا لبيت خالي ابوناصر رفيق زيد الكيلاني رحمه الله لاتكتمل السفرة إلا به وبعياله وهناك استراح السائق او الشفير في بغداد لسويعات قليلة فقرر أبي الذهاب الى بيت خالي رحمه الله وبعد ألتوصيف والمحاولات وصلنا الى بيت خالي رفيق وكانت اول علامات جمال هذه السفرة حيث رأينا الفرحة تمتلأ الوجوه المستقبلة لنا ، وجوه مشرقة جبلت على استقبال الضيف واحترامه وحمله على اكف الرحة فاستقبلتنا زوجة خالي وهي من طول كرم وأهلها أناس من فلسطيني ال 48من دار ابوالعيون اي من نبع الأصالة والكرم والطيبة ، فقفزت امرأة خالي وبناتها واخذوا يتقاسمون الأدوار في اخراج كل مالذ وطاب من بيتهم لتقديمه لنا على طبق من فضة لإبساطنا والله لاأتذكر امرأة خالي إلا وهي تحمل كيس البطاطا وتقشرها امامنا حتى لاتشعرنا بأنها مشغولة عنا ، فكانت ترحب وفي نفس الوقت تصنع الطعام وخالي بعمله وتم إعلامه بقدومنا فقطع دوامه وجاء مسرعاً بالحال فما أجملها من طلعة خالي ظهر علينا بزينته التي تعودنا أن لانراه إلا بها بدلة رسمية مع ربطة العنق فأخذ يعانقنا ويقبلنا والله اتحدى أن تجدوا أخوال بحنان أخوالي وهناك اخذ يناور حتى نبقى عندهم أيام ونحضر اغراضنا من الحافلة وكل شيئ عنده سهل وقابل للحل ولكن والدي أبى واستصعب الأمر وبعد ان صنع الغذاء وحان الرحيل اصروا الا أن يذهبوا معنا والله كأننا ذهبنا بعربة يجرها حصان الى مكتب السفريات لاأذكر بالظبط وبعد مراسم الوداع انطلقنا الى ارض الشام .
الشام :
وصلنا الى ارض الشام في الصباح ونزلنا في فندق اسمه فندق الحمراء على مقربة من سوق الحميدية فكان ابي حفظه الله حريص على أن يعيش الأجواء الشامية الجميلة ويعيشنا معه فذهبنا الى المسجد الأموي والمتحف الإسلامي والزبداني وكانت أجمل ذكريات .
عمي شريف الداوود رحمه الله :
ذات يوم كنا نسير في سوق الحميدية اواذا بأبي يصرخ ويهرول بعيداً عنا ماذا جرىياأبي هل حدث حادث مالخطب هل يريدون القبض عليك أبي ماذا فعلت ؟ وفي المقابل رجل ءاخر يتقدم الى أبي فاردٌ يديه فالتقيا واذا بهما يتعانقان من هو ياأبي هذا الرجل أخبرنا بالله عليك والذي ارعبتنا من أجله !!! ياأولاد انه عمكم شريف (رحمه الله) ابن خالي أخو ستكم عريفة واعز الناس عليّ ونحن تربينا في بيوت متجاورة كأنه بيت واحد والمصادفة بأن اسمي أنا سفيان وابن عم شريف البكر اسمه سفيان ولكن في ايامها كان ذو اشهر صغير وانا كنت ترفيع ثاني فكانت هذه المفاجأة إضافية وعلامة أخرى تضاف الى نجاح رحلتنا هذه ، واتذكر موقف ان الفنان غوار الطوشي ظهر فجأة بسوق الحميدية فكان في عز شهرته اكثر من الآن فأخذ الناس يتدافعون لرؤيته وتدخل البوليس ولكن عمي شريف لم يفوت الفرصة فحمل أخي سامر ترفيع خامس وذهب به وسط الزحام واراه غوار الطوشي ، اجمل أيام عمري كانت بالشام برفقة عمي شريف ابوسفيان رحمه الله فأكلنا البوظة العربية المطلية بالفستق الحلبي وتبضعنا من الشام وايضا كان في ايامها (يكرم القراء ) كبكاب غوار المختلف الأحجام في اوج شهرته فتبضعنا منه واخذنا الهدايا وكانت تشتهر الشام بالرخص فودعنا عمي شريف لأنه كان قادم لإكمال الدراسة .
عمان :
وصلنا الى عمان ، وهناك في عمان كان لازال خالي ابوخالد عبداللطيف الكيلاني أقرب الناس علينا لازال في السعودية يدرس فلم نجد بد الا للنزول في فندق وأظن اسمه فندق الوحدة العربية او من هذا القبيل وكان يعمل به رجل من يعبد من عائلة اسمه جميل الشيخ نمر زيد الكيلاني فتوصى بنا ووفر لنا الراحة بالفندق ، بهذه الأيام لم يكن اهل يعبد متواجدين بكثرة بعمان سوى أشخاص معينيين فاتصل أبي برجل قريب عليه كثيرا وماإن سمع بوجودنا حتى جاء يتفقد أحوالنا ويعرض علينا الإنتقال لبيته ولكن أبي رفض إنه العم العزيز عارف الإبراهيم الطزع رحمه الله فكان الأيام القليلة التي قضيناها في عمان نقضي الأوقات برفقتهم فلم يبخلوا علينا بغذاء اوعشاء في كل وأيضا كان لي خال (ابن عم امي )كان يدرس في الجامعة الأردنية ويستأجر غرفة له صغيرة فيوم من الأيام تفاجأنا بحضوره للفندق والترحيب بنا وخصوصا كان منسجماً مع أخي سامر وحبه كثيراً إنه الخال العزيز الأستاذ احمد عبدالله حمدان زيد الكيلاني ، وصلت التصاريح وفي الليل استأجر أبي سيارة لتقلنا الى الجسر الملك حسين رحمه الله ومن ثم نواصل الى يعبد .
يعبد :
وقد أسلفت لكم سابقاً مراسم استقبالنا بالتفصيل ولكن الشاهد أنه في كل صباح كان يأتينا رجل طويل مع ابوه وكان أبي يحبه كثيرا من هو ياترى انه
عمي داوود محمد الطزع ابوجعفر
مدرس اللغة الإنجليزية وابوه سيدي محمد الطزع اخو ستي عريفة ام ابي وكانت شرفة بيت سيدي تطل على حوش بيتهم من الخلف فكان سيدي محمد رجل جدي لايضحك للرغيف السخن وعمي داوود الرجل البشوش صاحب الطلعة البهية والقفشات الرائعة فكان عمي داوود رحمه الله وابيه علامة اضافية لنجاح رحلتنا فبهذه الزيارة الى يعبد ماالتفتنا يمين ولا شمال الا ورأيناه معنا باسماً ضاحكاً في هذه الفترة كان لعمي ابوبلال رحمه الله وشركاءه pickup لنقل المواشي والفحم وكان يقوده السيد علي الجدع رحمه الله في الحالتين فكانت عبارة عن كبينتين بالأمام ومخزن بالخلف فكانو لايستعملون كبينة الركاب الخلفية فانتهز عمي ابوبلال رحمه الله الفرصة فالسيارة كانت تذهب الى مناطق ال48 والى القدس ونابلس لتوصيل طلبيات فكنا ندور مع السيارة اينما ذهبت فصلينا بالقدس عدة مرات وذهبنا للبحر الميت ونتانيا وعكا ويافا وحيفا وكان برفقتنا دائما ً عمي داوودوأتذكر في يوم ذهبنا لإيلات على البحر الميت وهناك ذهب أبي واخي سامر وعمي داوود وركبوا غواصة ونزلوا في قاع البحر وفي نفس اليوم غاصت سيارة عمي بتراب الشاطئ وتعذر عليهم اخراجها وتدخل كثير من الناس ليسحبوها فكان صعب للغاية فاستعانوا بحصان فجرها ونشلها من التراب والطين ولاأتذكرعمي داوود رحمه الله الا وهو مبتسم كان من اعز الشخصيات على والدي .
وفاة عمي شريف :
في عام 1977 قرر ابي الذهاب الى يعبد مرة اخرى ولكن كانت هذه الرحلة عكس تماما ً الرحلة الفائته ، ذهبنا من طريق السعودية لأول مرة وايضاً كان دارخالي ابوخالد حفظه الله موجودين بالأردن في مدينة الزرفاء وكان خالي مدرس اول للغة الإنجليزية في مدرسة حي معصوم الثانوية ،وكان يستأجر بيتاً صغيراً مع حوش فسألنا عنه في الزرقاء فوجدنا ماأكثرالطلاب الذين درسهم خالي ويشيرون إليه بالبنان فنزلنا عندهم وكانت من أجمل الأيام فشالونا على اكف الراحة وزوجة خالي يعبداوية وكيلانية ومن لم يأكل الأكل من صنعها فلم يأكل من الدنيا شيئ ، جرت العادة ان ابي بمجرد ان ينزل في بلد يبادر فوراً تفقد الأقارب المقربين له كأولاد العمومة واولاد الخوال في يوم من الأيام قرر الذهاب الى اربد لزيارة أناس من عائلتنا فقدوا والدهم وهم صغار وتكفل بهم رجالات العائلة مجتمعين وذهب ليتفقد أحوالهم ويطمئن عليهم وتركنا نحن في بيت خالي ابوخالد حفظه الله .
اربد :
اقاربنا الموجودون بإربد اصروا عليه البقاء لثاني يوم وأبي حفظه الله لايلين بسهولة وامام كثرة الظغوط وافق على الإقامة عندهم للصباح في الطريق العودة من اربد كان هناك حادث مروع
ويوجد جمهرة عند الحادث سيارة تاكسي محطمة والكل يقول من الذي سينجو من هذا الحادث
وعدوا عنه وماإن وصل أبي للبيت واستراح من عناء التنقل حتى وصله الخبر التالي عمي شريف واخته رحمهما الله وزوجته وابنه وبنته تعرضوا لحادث مرور مروع على طريق جرش اربد والذي ادى الى وفاة السائق ووفاة الذي كان يجلس بجانب السائق وهو عمي شريف الله يرحمه ، فأخذ أبي يضرب يديه ويتذكر الحادث الذي رأوه بالطريق وانهم مروا عليه مرور الكرام من غير ان يتغمدهم الفضول للسؤال عن المصابين او حتى تقديم المساعدة وهناك تحركت احاسيس الندم واللوم من قبل أبي فكان الخبر كالصاعقة نزل عليه والمرة الأخيرة التي رأينا بها اباسفيان هي في الشام رحمه الله اما عمتي ندية اصيبت اصابات خضيرة ولم تعلم بموت أخيها إلا متأخرة اما زوجة عمي ام سفيان نجت وسفيان شج رأسه والبنت نجت ، وبعدها بفترة ممكن بشهرين توفت عمتي ندية ، رحمها الله وتم دفن عمي شريف رحمه الله وانا حضرت الجنازة كنت صغيرا ترفيع سادس وكنت اراقب الجنازة من خارج سور المقبرة مقبرة الزرقاء حي الحسين فكانت هذه السفرة عكس السفرة الفائته تماماً قدر الله وماشاء فعل ، اما زوجة عمي شريف ام سفيان حفظها الله وسفيان وابنته انتقلا الى يعبد بجوار جدهما وبعد سنوات انتقلوا الى الأردن وكبر الأولاد وتعلموا وتخرجوا وكل أحبارهم بخير .
رحم الله عماي وتقبل منها أعمالهما وادخلهم فسيح جناته .
شارك بتعليقك