رسالة صحفية عن معركة يعبدد، وشهادة المجاهد الجريح نمر حسن السعدي عن المعركة([4]) - 20/11/ 1935
كتب مراسل صحيفة الجامعة الإسلامية في نابلس حول معركة يعبد، قائلا: اتصل أمس مدير البوليس مع مراكز بوليس جنين وحيفا وطولكرم وبيسان وأخبرهم أن لديه معلومات عن وجود عصابة أشقياء في سفح الجبل بالقرب من قرية يعبد، واتفق رؤساء البوليس على تطويق العصابة ورسموا خطة حربية دقيقة للحيلولة دون فرار العصابة في هذه المرة، ولم يمض وقت طويل على هذه المخابرة حتى خرجت القوات من المراكز في وقت واحد متجهة نحو سهل تلك القرية، وقامت بحركة التفاف وكان على رأس هذه القوات مدير بوليس نابلس والمستر هاوس مساعده. وفي صباح اليوم خفت قوة من الجند الإنجليزي أيضا ممتطية سيارات اللوري بأسلحتها الكاملة إلى مكان الحادث، وقد أسرعت وامتطيت سيارة خاصة عندما تحقق لدى أهمية الخبر، وصحبت الجنود حتى وصلنا إلى قرية يعبد حيث كان أزيز الرصاص يصم الآذان.
وحلقت في سماء قرية يعبد طيارة كانت تساعد قوات البوليس لاكتشاف حركات أفراد العصابة، ودامت المناوشات بين قوات البوليس والثائرين مدة ساعتين، وقد أسفرت المعركة عن قتل قائد الثوار صاحب الفضيلة الشيخ عز الدين القسام رئيس جمعية الشبان المسلمين بحيفا، وثلاثة من أفراد العصابة وهم السادة: الشيخ نمر حسن السعدي من غابة شفا عمرو(·) والسيد يوسف عبد الله الزيباوي من قرية الزيب، والسيد سعيد عطية المصري من مصر قاطن حيفا. مضافا إليهم من قتل أمس، اسمه السيد محمد أبو قاسم خلف من جبل الخليل.
أما الذين ألقى البوليس القبض عليهم فعددهم أربعة وهم السادة: حسن الباير من قرية برقين، أحمد الحاج من قرية حيفا، عربي البدوي من قبلان نابلس، محمد اليوسف من حيفا، وقد تقدمت قوات البوليس من المقتولين والأسرى وأخذت تتحرى جيوبهم فعثرت في جيب رئيس العصابة الثائرة على مصحف شريف وأربعة عشر جنيها ثم ظهر أنه قتل الجندي الإنجليزي برصاص الثائرين ويدعى مور، وجندي أخر جرح بجروح خطرة، وثالث لم أعرف اسمه وقد نقلوا إلى مستشفى نابلس فورا.
وقد طلب مني أحد المجروحين ماء ويدعى الشيخ نمر حسن السعدي فتقدمت إليه حالا وسعفته بالماء ثم اغتنمت هذه الفرصة وجلست بجانبه، وأخذت ألقي عليه بضعة أسئلة فلم يجبني عليها إلا بعد أن سألني عن اسمي ومذهبي، وما هي الغاية من سؤالي، فأخبرته أني مراسل الجامعة الإسلامية، وأني عربي مسلم، فأخذ يشرح لي عن عصابته بصوت خافت فقال:
حديث الجريح:
ان أفراد عصابتنا قد تأسست منذ سنتين برئاسة فضيلة رئيسنا الشيخ عز الدين القسام، وكنا نجتمع سرا في حيفا، إلى أن كمل عددنا خرجنا من حيفا منذ شهر بعد أن اتفقنا على نصرة الدين والوطن وقتل الإنجليز واليهود، لأنهم محتلون بلادنا، وبوصولنا إلى سهل بيسان قتلنا الجاويش اليهودي، وقد كان معه جنديان عربيان فلم نقتلهما، وكنا مسلحين بالبنادق ومعنا كمية من الخرطوش تقدر بـ 7000 خرطوشة، وقد اشترينا هذه البنادق ورصاصنا من مالنا الخاص بعد أن وفرناه من مصروفاتنا.
ان جمعيتنا سرية، وكنا لا نقبل فيها إلا من كان مؤمنا مستعدا أن يموت في سبيل بلاده، وبعد أن أقمنا مدة في ناحية الحرش بين نابلس وجنين وقد أرسلنا أحدنا محمد أبو قاسم خلف، يراقب الطريق ويتجسس لنا على أفراد البوليس، ويظهر أن البوليس قد شاهده فأطلق النار عليه فاستشهد حالا، وعلمنا باستشهاده فاتفقنا على أن نهاجم قوات البوليس صباحا، وكانت متشرة في السهول والجبال، وقد فعلنا ذلك فقتلونا كما ترانا الآن.
جثمان الزعيم :
وفي أثناء ذلك جيء بجثمان زعيم الثوار فضيلة الشيخ عز الدين القسام مقتولا، فطلب الجريح مني أن أقربه إلى رئيسه الأستاذ القسام ليودعه، فنظر إليه والدمع يترقرق في عينه، وأخذ يقرأ أيات قرآنية ويهديها إلى روح رئيسه والشهداء، ثم أخذت أسأله عن العصابة فقال إنها لم تتعرض لأحد من الوطنيين وكنا نشتري غذاءنا بالنقود ولا نلزم أحد أن يقدم لنا غذاء بالقوة، وغايتنا تخليص البلاد فقط.
ثم قال أن رئيسنا عالم ديني، فالتفت إلى جثمان الشيخ عز الدين فوجده يلبس عمامة وقفطانا وعمره يبلغ الستين سنة, وهو ذو لحية بيضاء. وكان مسلحا بمسدس كبير، ثم جئ بالقتلى فنقلوا بسيارة إلى جنين. كما أن أفراد الثوار وعددهم أربعة نقلوا إلى نابلس تحت حراسة البوليس، حيث أودعوا بالسجن، وما انتشر الخبر في نابلس حتى أخذت وفود الشباب والوجهاء تفد على وكالة هذه الجريدة لتستفسر عن الخبر وتفاصيله.
ثم اجتمع الشباب وقرروا إيفاد وقد منهم لحضور موكب تشييع جنازة الشهداء، وقد اتصلوا بجنين، فعلموا أن الجثث قد نقلت ليلا إلى حيفا. وينتظر أن يصل غدا إلى جيفا وفد منهم.
****
[4] - جريدة الجامعة الإسلامية 21 تشرين الثاني / نوفمبر 1935، يافا، وانظر :
- تيسير جبارة : تاريخ فلسطين، دار الشروق ، عمان 1998 .
- جمعية الدراسات العربية: الوعي والثورة ـ دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسام. القدس.
· - لم يقتل إنما أصيب بجراح خطيرة حسب بلاغ الحكومة الرسمي.
شارك بتعليقك