خاص امد ؟ جنين /فتحي اعمور/
على سفح ذلك الجبل المفعم بالجمال الطبيعي طوال اشهر السنة كان المواطنون يزرعون أراضيهم بأمن وسلام، لكي يوفوا قوت أبنائهم وعائلاتهم التي هي مصدر رزقهم الوحيد يعتاشون منه بحلوه ومره.توارث الناس هناك هذه الحياة، وعاشوا في سفوح الجبال، وفسحة سهل يعبد، تعلموا حب الحياة وزراعة الزيتون، وتفننوا في الكثير من أشكال الزراعة. واستمرت حياتهم تسير بطمأنينة وهدوء، حتى أواسط السبعينات من القرن الماضي، حيث جاء المحتل الاسرائيلي ليغتصب أرضهم، من خلال إنشاء بؤرة استيطانية على سفح الجبل الذي يسميه سكان بلدة يعبد والذي يقع ضمن أراضيها بالجبل الأقرع. هذه البؤرة كانت نواتها عدد من البيوت المتنقلة التي سكنتها بعض أسر جنود الاحتلال، الذين يخدمون في محافظة جنين، اضافة الى موقع عسكري متقدم استعملته آلة الحرب الاسرائيلية لمهاجمة القرى المجاورة للمنطقة.
هكذا كانت البداية لتواجه يعبد وأهلها، بعد ذلك حركة انتقال المستوطنين للسكن في تلك البؤرة التي اسماها الإسرائيليون بمستوطنة مابودوتان. وقد بقيت المستوطنة سنوات تختفي بين أحضان الأحراش، الأمر الذي اعتقد معه الناس أنها عارض سيزول. ومن سنوات قليلة، اختلف كل شيء، فقد صادر الاحتلال مساحات إضافية، وأغلق مساحات أكبر في محيط المستوطنة، ليضيفها للأرض المصادرة أصلاً. بعد عمليات التسمين المتواصلة اطلت بيوت المستوطنة من راس الجبل الأقرع، الذي لم يعد أقرعاً بفعل الكتل الاسمنتية، على بلدة يعبد وسكانها وعلى أراضيهم الزراعية. ومنذ عام 2000 أخذت عملية التسمين منحنى متسارع كان من نتائجه مصادرة مساحات واسعة من الاراضي المحيطة بالمستوطنة.
وفي نهاية عام 2003 قام جيش الاحتلال الاسرائيلي وفي خطوة توسعية اخرى بشق شارع التفافي 'تنظيمي' حول المستوطنة بحجة امنية ليلتهم مساحات اخرى من اراضي المواطنين كان من بينهم المواطن عبد الله تيسير عطاطرة الذي يملك قطعة ارض بمساحة خمسة عشر دونما مزروعة بالزيتون ابتلع الشارع الالتفافي منها ثلاثة دونمات، ومن سخرية القدر وعجرفة الاحتلال فقد كانت هذه الدونمات الثلاثة هي الحجة لمنعه زراعة بقية أرضه والاهتمام بهذه الأرض، التي يعتاش من محصولها ما يزيد عن ثلاثين فردا من عائلة عبد الله هم أبيه واخوانه وأسرهم. وذلك بعد أن قام الاحتلال وعلى الجهة الأخرى من البلدة بالتهام خمسون دونماً يملكونها قرب قرية طورة الغربية وضمها لجدار الفصل العنصري.
عبد الله يقول أن مصادرة هذه الاراضي ومنعهم من الوصول الى ما تبقى منها سبب لهم خسائر مادية فادحة ومعاناة كبيرة في تأمين قوتهم اليومي. وقد توجهوا الى عدد من المحامين الذين قاموا برفع قضايا في المحاكم الاسرائيلية لاستعادة هذه الأراضي دون فائدة، اضافة الى توجههم الى مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية والاسرائيلية والدولية ، ولغاية اليوم يعيشون في نفس الدوامة.
عبد الله وعائلته يمثلون جزءاً من القضية، فالكثير غيرهم من أبناء البلدة صودرت أراضيهم ومنعوا من الدخول اليها. وفي الأونة الأخيرة، أبناء يعبد والمنطقة تسلموا قرارات عسكرية، تقضي بمنعهم من التواجد الى جنوب الشارع الرابط بين شارع جنين-نابلس وقرية باقة الشرقية وصولا الى محافظة طولكرم، وهو الشارع الذي يفصل بين بلدة يعبد ومستوطنة مابودوتان، مخترقا أراضي البلدة ليقسمها الى قسمين، قسم الى جنوبه والآخر الى شماله، ويربط كذلك هذا الشارع مستوطنة مابودوتان بمفترق شارع برطعة الالتفافي وصولاً الى مستوطنة حرميش فالخط الأخضر. عملية المنع من التواجد الى جنوب هذا الشارع ينفذها جنود الاحتلال الذين يقومون بأعمال الحراسة على المستوطنة من أبراجهم المحصنة والمحيطة بها، حيث يقومون باطلاق النار بهدف القتل على كل ما يتحرك في هذه المنطقة. الشق الآخر من هذا القرار التعسفي والقاضي بمنع تواجد المواطنين والمزارعين بعمق مئتي متر الى شمال الشارع، تنفذه دوريات الاحتلال المتنقلة التي تجوب الشارع على مدار الساعة، حيث تقوم باعتقال كل من يتواجد داخل هذه المنطقة.
يصف عبد الله حياته وحياة عائلاتهم بالجحيم الذي لا يطاق بسبب قطع مصدر رزقهم، وعدم تمكنهم من تأمين لقمة عيشهم، وأساسيات حياتهم، حيث بدؤوا كما يقول يقعون تحت وطأة الديون، اذ يقترضون المال لسد حاجياتهم، وحتى يتمكنوا من متابعة قضية أرضهم لدى المحامين والجهات المختصة، حيث يعيشون على الأمل بأن يستردوا أرضهم، أو على الاقل السماح لهم بالدخول الى ما تبقى منها.
ويصف عبدالله أيضاً معاناة أبنائهم الأطفال الذين يسمعون آبائهم وأمهاتهم يتحدثون ويشكون لبعضهم عن ممارسات الاحتلال بحقهم وحق أرضهم، حيث يفيق الأطفال من نومهم خلال الليل يصرخون مفزوعين خوفاً على آبائهم من جنود الاحتلال، وذلك بفعل الكوابيس التي تجتاح أحلامهم البريئة، لتحوله الى بؤس وألم وخوف من النوم، وهو ما أثر على حياتهم وطفولتهم وأسلوب لعبهم، ونظرتهم الى غيرهم من الأطفال، علاوة على تحصيلهم في مدارسهم.
ويؤمن عبد الله بحقيقة أن الاحتلال زائل لا محالة وأنه سوف يندحر عن أرض فلسطين آجلاً أم عاجلاً، وأن جميع الأراضي ستعود الى أصحابها الشرعيين الذين ولدوا عليها، واعتاشوا من خيراتها لسنين طويلة، ولكنه يستغرب من الصمت المطبق الذي يحيط بقضية هذه الأراضي المصادرة خاصة في منطقتهم، من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية، والمؤسسات الشعبية والأهلية، فيقول لم يتم الدعوة طوال الفترة الماضية الى مسيرة احتجاج واحدة حتى يتم تسليط الضوء على هذه الأراضي المصادرة وعلى معاناة أبنائها، اضافة الى عدم الالتفات اليهم بأي نوع من وسائل المساعدة سواء المادية أو المعنوية أو القانونية، ويقول متسائلاً 'هل هكذا يكافئ الصامدون على أرضهم، والمتمسكون بحقهم بها؟!'
ولكن مسلسل المعاناة لا يتوقف هنا، بل يتم اخراج الحلقة تلو الأخرى من قبل جيش الاحتلال، الذي يقوم بين الفترة والاخرى بحرق أشجار الزيتون على سفوح الجبل الأقرع قبل موسم جني الثمار حتى يزيد من المعاناة النفسية والمالية لأصحابها، اضافة الى حرق ما يتم زراعته من محاصيل القمح والشعير والبامياء والبطيخ والبندورة والتبغ الذي تشتهر به المنطقة، ولسان حالهم يقول'وحبوب سنبلة تحرق لن تملئ الوادي سنابلا'. وعلاوة على ذلك تقوم جرافات الجيش وبشكل متواصل بقلع الاشجار المثمرة المزروعة على جوانب الطرق في المنطقة المحيطة بالمستوطنة.
وهكذا انقلبت الصورة، فمن أراض كانت مصدر رزق وسعادة لمواطني البلدة، تبشرهم وتملؤهم بالخير في كل عام، أطل الاحتلال من على رأس هذا الجبل الأقرع بوجهه البشع، ليملئ الارض فقراً وبؤسا ومعاناة، ولتمارس قوات الاحتلال من على رأسه كافة أنواع الظلم والحقد الأعمى، من قتل وحرق لكل ما هو أخضر، واعتقال ومداهمات، وقطع لمصادر الدخل، وترويع للأطفال والنساء والشيوخ.
هذا ووجهت بلدية يعبد على لسان مديرها يوسف عطاطرة نداء الى كافة الجهات الفلسطينية سواء الرسمية أو الأهلية، والجهات الدولية من منظمات حقوق انسان ودول تحرص على تطبيق القانون الانساني واقامة العدل ورفع الظلم، الى الاهتمام بهذه القضية الحيوية بالنسبة لأهالي البلدة، التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة، والضغط على حكومة الاحتلال لرفع المعاناة عن المواطنين، واعادة الاراضي المصادرة الى أصحابها، وأشار الى أن البلدية تعمل ما تستطيع لمساعدة المزارعين، ولكنها لا تستطيع أن تفعل الكثير لوحدها، نظراً لقلة مواردها بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة التي تمر بها فلسطين، فهي بحاجة الى مساعدة كل من يستطيع أن يقدم يد العون لتخفيف الالم عن أهالي البلدة.
شارك بتعليقك