بـسم الله الرحمن الرحيم
أعزائي ابناء فـلسطين الحبيبة في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد سمحت لنفسي بأن استعير مقتطفات من (كتاب فـلسطين) لأبن ألوطن
السيد. محمود عبد الحفيظ الزيتاوي جزاه الله كل خير وثواب على مجهوده وغيرتة
وحبه لهذا الوطن.
وهو كتاب غني بالمعلومات القيمة التي توثق الكثير من عادات وتقاليد اهل قرى فلسطين وبالأخص قرية زيتا جماعين. وشكراَ
أبن زيتا. رائع شفيع عبدالرحيم عبدالجبار المـشني
[email protected]
--------------------------------------------------------------------------
الـجزء الـثامن عشر.
أثر الدين في الأمثال الشعبية:-
الفلسطينيون شعب مؤمن هذه حقيقة تؤكدها الوقائع اليومية وتؤكدها عشرات الأمثال الشعبية التي بين أيدينا وهي حقيقة يجاهر بها الفلسطينيون ولا يتعمدون إخفائها أبدا فالله سبحانه وتعالى هو القيمة العليا وهو المرجعية الدائمة له كلما شعر بهم أو ضيق أو ضعف أو قوة أحيانا لكن العلاقة مع الله ظلت علاقة غيبية متوارثة غير قابلة للنقاش والجدل منها واحدة من المسلمات التي لا جدل حولها ولم تكن العلاقة مع الله هي الحقيقة الوحيدة غير القابلة للحوار بل كلك تلك النظرة إلى كل الموروث الديني الذي أخذ حصته كاملة في حياة الفلسطيني وهي تفاصيل حركته ونشاطه اليومي ، لقد سلم الفلسطيني أموره كلها لله راضيا بهذا التلسيم وراضيا بنتيجته أيضا دون أن يكون له أثر واضح في تحديد الاشياء أو الأفعال أو الحقائق ودون أن يتدخل في صايغة أمور حياته الخاصة وما بين أيدينا من الأمثال يوكد لنا هذا لااستنتاج (العيا عيا والطبيب الله) و(الأعمار والأرزاق بيد الله) والله (يعوض عليك بالصبيان) و(الرزق على الله والعيشة على الأجاويد) و(ما بيقطع الراس إلا اللي ركبه) و(كل يوم بيومه والرزق على الله) و(ياحلال العقد حلها) و(أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد) و(الله أعطا والله هو الذي يأخذ) و(خليها ع الله) وغير ها الكثير من الأمثال التي نلمس فيها اتكالية واضحة اعتمد فيها المواطن على الله دون أن يكون له دور يؤديه خارج هذه الاتكالية في الوقت الذي نراه فيه وفي مكان أخر يكاد ينسف هذه الاتكالية عبر مثل واحد يردده المواطن على لسان رب العزة (اسعى يا عبدي وانا اسعى معك) متمثلين قوله تعالى (واسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه) الأمر الذي يقود إلى الاعتقاد بأن طائفة من الذين يريدون للعلاقات الغيبية مع أمور الدين وتعميمها والذي قاد إلى هذا الاعتقاد أن مجموعة من الأمثال هذه تلغي دور الفرد وارادته وتجعله رهينة لغيبيات لا علاقة بالجوهر الديني .
وفي جانب أخر أفرغ المواطن وعيه الديني في العديد من الأمثال الشعبية التي جاءت مترجمة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والآتي من الأمثال مع النصوص المقتبسة منها يؤكد هذا الاستنتاج :
يقول المثل الشعبي (زاد الاثنين يكفي ثلاثة)حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام (طعام الاثنين يكفي لثلاثة وطعام الثلاثة يكفي لأربعة ) متفق عليه ويقول المثل الشعبي (أعطيني عمر وزتني في البحر)و(ماحدا بموت إلا تتجي ساعته) و(فلان عايش من قلة الموت)ويقول الله تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)(1) ويقول ايضا (فإذا جاء اجلهم لا يستاخون ساعة ولا يستقدمون)(2) ويقول المثل (احترم أبوك ولو كان صعلوك) ويقول تعالى (وقضى ربك إلا تعبدوا الا أياه وبالوالدين احسانا أما يبلغن عندك الكبر أحداهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا نتهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارجمهما كما ربياني صغـيرا)(3) وقال أيضا (ووصينا الانسان بوالدية احسانا)(4) ويقول المثل الشعبي (أبو الصرطلي أو فلةفي القبر مندلي) و(الموت كاس داير ع كل الناس) ويقول تعالى (لكل أجل كتاب) ويقول أيضا (كل من عليها فان ويبقى وجهة ربك ذو الجلال والاكرام) (5) ويقول أيضا (كل نفس ذائقة المـوت)(6) ويقول المثل الشعبي (خطية القطعا بتنط) وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام(عذيت أمرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت النار لا هي أطعمتها ولا سقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) ويقول المثل الشعبي (خير النساء الولود الودود ) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام(تزوجوا الودود الولود فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة) ويقول المثل الشعبي (اللي بصبر بنول) والصبر مفتاح الفرج ويقول تعالى (أن الله مع الصابرين) ويقول المثل (النبي قبل الهدية) وفي هذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام(لو دعيت إلى دراع او كراع لأجبت أو لو اهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت) متفق عليه ويقول المثل (المجانين اولاد ناس) و(كلنا اولاد تسعة)ويقول تعالى (كلكم لأدم وادم من تراب) قال الرسول عليه الصلاة والسلام(الناس سواسية كاسناس المشط) ويقول المثل (الكلمة الحلوه بطلع الحية من جحرها) قال الرسول عليه الصلاة والسلام (الكلمة الطيبة صدقة) ويقول المثل الشعبي (النبي وصى ع سابع جار) و(النبي وصى من دار لأربعين دار) (الجار ولو جار) ويقول المثل (رغيف برغيف ولا يبات الجار جوعان) ويقول تعالى (وعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصحب بالجنب وأبن السبيل وما ملكت ايمانكم أن الله لا يحب كل مختار فخورا)وقال الرسول عليه الصلاة والسلام(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ضننت أنه سيورثه) متفق عليه وقال الرسول عليه الصلاة والسلام(ولا الله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يارسول الله قال الذي لا يؤمن جاره بوائقه) يقول المثل (الميت لا يجوز عليه إلا الرحمة) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام(أذكروا محاسن موتاكم) ويقول المثل (الناس مقامات) ويقول تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات)(1) وهناك العديد من الأمثال الشعبية التي تتمثل معناها وجوهرها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة مؤكدا أمر الدين في الأمثال الشعبية ومنها (ما حدا بسد جورة حدا)و(النسوان وديعة الجاويد)و(يوم لربك ويوم لقلبك) ساعة لربك وساعة لقلبك و(صلاة النبي احسن) و(خطية الولايا بتحرق الزوايا)و(الله بكسر جمل عشان عشوة واوي) وكذلك كان ايمان المواطن واضحا بالله سبحانه وتعالى وكذلك آمن بالقضاء والقدر وترجم هذا الايمان عبر مجموعة من الامثال الشعبية منها:
(اللي بنزل من السما بتتلقاه الأرض) و(اللي مكتوب ع الجبين لا زم تشوفه العين) و(المكتوب ما منه مهروب) وقد نبه المثل الشعبي إلى العقلانية والقناعة بما هو بين ايدينا فقال (الله بالعين ما شافوه بالعقل عرفوه) و(لا بارك الله في شغلة بتلهي عن الصلاة) و(لو تركض ركض الوحوش غير رزقك ما بتحوش) و(لو تجري جري الغزال غير رزقك ما بتنال) وكان للجاهلين بامور دينهم والذين يحاولون تفسير الدين بما يخدم أهوائهم ومصالحهم الشخصية الضيقة كان لهم حصتهم في هذه الأمثال الشعبية جاءت متهكمة ناقدة محذرة ومتوعده خاصة وأنهم يعمدون إلى تشوية الدين وتحميله ما ليس فيه (لما بيجي الصبي بنصلي ع النبي) و(الصوم بلا صلاة كالراعي بلا عصاه) و(من معرفته بالصحابة ترضى على عنتر) و(رايح يحج والناس راجعة) و(جاك الموت يا تارك الصلاة) وإذا كان لكل قاعدة شواذ فإن القاعدة المؤمنة شواذها أيضا هذه الشواذ عبرت عن نفسها أو وصفها المجتمع بمجموعة من الأمثال التي تعبر عن واقعهم وترسم لنا درجة أيمانهم وينقل لنا المثل الشعبي أن هناك من الخارجين على قوانين وتعاليم الدين الذين استهانوا بالمشاعر العامة وأعلنوا موقفهم الشاذ في مواجهة المجتمع فكانوا عرضة للتهكم والاستهزاء من قبل المثل الشعبي وصائغية . (قالوا للحرامي احلف قال أجا الفرج) ويقول تعالى (لا تجعلوا الله عرضا لايمانكم) وقال المثل الشعبي (فلان بيوكل ورق المصحف) و(فلان حاسب الدين خبز وزيت ) وهناك مجموعة من الأمثال الشعبية التي أعتقد انها قيلت من قبل هؤلاء الخارجين عن النظام الاجتماعي أو على لسانهم من أجل ان يجدوا لهم قانونهم الخاص الذي يسعى لخلخلة السائد من النظام الاجتماعي وتشويه المتعارف عليه في اخلاقيات المجتمع ولا يخفى على القاريء الكريم حجم التناقض الذي حملته هذه الأمثال مع النصوص الشرعية (أصرف ما في الجيب ياتي ما في الغيب) و(كل مع الكافر ولا تاكل مع طويل الأظافر) و(مثل اللي اسلم الظهر ومات العصر لا عيسى شفيع له ولا محمد دري فيه) و(المثرة غلبت الشجاعة) و(الناس على دين ملوكهم) و(الداء الخبيث ملوش إلا الدواء النجس) .
وحتى تكتمل الصورة فأرادوا هنا مجموعة من الأمثال التي كان للدين حيز في مدلولها وهي واضحة لا تحتاج إلى تعليق (يا رب قيمنا يارب حطنا يا رب خلينا على ما احنا) و(يارب وريني ضيقي حتي اعرف عدوي من صديقي) و(ما يعلم حالك إلا ربك وجارك) و(عمر مقسم ما دخل الجنة) و(أن عملت معروف استره وان نلت معروف انشره) و(اللي بموت يموت شهيد واللي يعيش يعيش سعيد)و(ربنا يرمي الصبر قبل البلا) و(اللي ما بحفظ النعمة النعمة ما بتحفظه) و(جايبته امه في ليلة القدر) و(البركةفي اللمة)و(ما بتطلع صدقة من دار مستحقين) و(العصاية من الجنة) .
الملح:-
أحيط الملح في الموروث الشعبي بهالة من التقدير جعلته ركنا في كثير من العادات والمعتقدات والأفكار التي ساهمت مساهمة فعالة في ترسيخ مجموعة قيم غير مكتوبة لعبت دورا هاما في تنظيم العلاقات الاجتماعية واشاعة مناخ الثقة بين الأفراد والجماعات واضفاء الطمانينية وخاصة في البيئة القروية والبدوية تقضي العادات بأن يسرع المعازيب (أفراد الاسرة التي تقوم على خدمة الضيف) في تقديم الطعام للضيف سواء كان ضيفا عابرا أو ماكثا واضعين في الحسبان جوعه دائماولهذا الاحتمال ما يسوغه في تلك الايام ويحرص المعازيب دائما على اشتمال الطعام على الملح ولا يجوز للضيف الاعراض عن الطعام إذ لابد من المشاركة ولو بلقمة واحدة استجابة لدعوتهم المشهورة (مالحنا) أي ذق ملحنا وتناول لقمة وأن كانت من طعام يخلوا من الملح كالحليب والتمر وذلك يعد ممالحة لجملة اعتبارات
1. السائد في الأطعمة هو مما يدخل فيه الملح .
2. للماعون الذي يقدم فيه الطعام تقدير خاص فهو ماعون الخير الذي يزود الانسان بمادة الحياة ومن الواجب مراعاة حقوقه .
3. بعد تقديم الطعام مهما كان بسيطا مبادرة طيبة من المعزب (راعي الأوله ما بنلحق) في العرف العربي
4. كثيرا ما يقرن الزاد بالملح في الحلف وغيره كقولهم (وحق الزاد والملح) ومن أقسى العقوبات النفسية والاجتماعية أن يشهر بأحدهم بعبارة خاين الملح والزاد .
ولهذا بعد تناول الطعام بأي مقدار ممالحة وما الممالحة في جوهرها إلا أسلوب في التوقيع على معاهدة امنية بين الضيف والمعزب تلزم الضيف بعدم خيانة المعزب في دمه وماله وعرضه أما المعزب فهو ملزم دائما بحماية من يحل في بيته ضيفا وصون حقوقه كاملة فالضيف ضيف الله والغدر به من أكبر الكبائر التي لا يهادن فيها وتبعا لهذا التوقيع أو الممالحة يحاط الضيف والمعازيب معا بجو من الطمأنينية بل يجب على الضيف أن يقوم بدور المعزب وذلك بإعداد القهوة وصبها للضيوف الجدد بناء على القانون القائل الضيف الأول يعزي الضيف الثاني أي يخدمه مما يعني أن الملح والزاد قدموا بين الضيفين من الأواصر ما يجعلهما بمنزلة الأهل وهذا ما يلزم الضيف بالدفاع عن عرض المعزب وماله وكرامته في حضوره أو غيابه وأن تطلب الموقف التعرض للخطر الجدي .
نـهاية الـجزء الـثامن عشر.
شارك بتعليقك