قامت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بعد حرب 1967م مباشرة بعملية واسعة لإحصاء السكان في قطاع غزة. وما أتذكره بالنسبة لإحصاء السكان في عبسان الكبيرة موقفا صغيرا من عشرات المواقف والذكريات في تلك الأيام العصيبة.
ففي اليوم المقرر لإحصاء السكان في عبسان لم يكن موظف الاحصاء ، الذي كان يرتدي ملابس مدنية على العكس من اللباس العسكري لبقية الجنود، بحاجة إلى أن يتأكد من دقة المعلومات التي يقوم رب الأسرة بتزويده بها، فالعدد الكبير من أفراد الأسرة كاف وحده للتأكيد على صدق هذه المعلومات. وبالمناسبة، فقد كان بعض الأهالي يتعمد إخفاء عدد من أبنائه خوفا عليهم، دون أن يعي خطورة مثل هذا التصرف الذي سوف يعني، بعد أن تستقر الأمور حرمانه من حق الحصول على "هوية" وبالتالي أن يصبح في عداد ما يعرف الآن ب "النازحين" من قطاع غزة والضفة الغربية.
حين جاء الدور على إحصاء أسرتي فوجيء موظف الإحصاء بأن عدد أفراد الأسرة كان صغيرا جدا بالمقارنة مع أعداد الأسر المجاورة، وبدت على وجهه علامات الشك في دقة المعلومات. وأتذكر أنه علق بعبارة فهمت منها "عائلة أمريكية؟!. وعندها طلب من أبي أن يحضر أبنائه لكي يراهم على غير عادته مع إحصاء بقية الأسر.
كان أبي يجيد العبرية، حيث ولد وعاش فترة من صباه في تل أبيب ويافا قبل إنشاء إسرائيل، ولذلك فقد بدأ يتكلم مع موظف الاحصاء باللغة العبرية، وفهمنا بعد ذلك أنه أخبره أن هذا العدد الصغير لم يكن باختياره، وأنه تزوج مرة ثانية بهدف إنجاب مزيد من الأبناء ولكن دون جدوى!
شارك بتعليقك