لم يكن الشهيد خيري خضر سوى نموذج للشاب الفلسطيني الذي تفتحت عيناه ليرى غريباً يجثم على أرض وطنه، فلو لم يكن خيري شاباً فلسطينياً فإنه لربما كان له شأن آخر غير الذي انتهى إليه. ولكن قدر الفلسطيني دوماً أن يحيا ويموت مقاتلاً ليبقى حلمه حياً . كان الشهيد خيري شابا نحيف البنية ، فارع الطول، أكسبته أرضه التي أحبها لونها الحنطي حتى كأنك تظنه قطعة من ترابها تسعى. تربى في عنزة وتنسم فيها هواء المد الثوري الذي كان في أوجه. في تلك الايام يكفي أن تكون فلسطينياً كي تصبح ثائراً . لكن الشهيد لم يكتف بذلك بل التحق بالعمل الفدائي السري المنظم . غير أن دوره النضالي لم يظهر للعلن إلا بعد اشتعال نار انتفاضة الحجارة عام 1987، فبرز من خلال المسيرات والفعاليات التي كانت تخرج من مسجد القرية وتطوف أرجائها هاتفة لفلسطين والانتفاضة والشهداء.
كان الشهيد خيري يتصدر المشهد بامتياز حتى أصبح مثلاً للكبار وقدوة للصغار. يحمل علم فلسطين هو وأقرانه من شباب الانتفاضة فيما تلوّح اشعة شمس شباط جبهته الحنطية ويتلاعب الهواء بشعره الخفيف . يغطي رأسه بمنديل القماش الذي يمسح به بين الفينة والأخرى عرقه المتصبب رغم الجو المعتدل في ذلك الوقت من العام.
مع الأيام انتقلت الفعاليات من المظاهر الوطنية إلى العمل المقاوم على الأرض، فكان الشهيد من طلائع السائرين في ركب المواجهة مع المحتل، وأظهر شجاعة وإقدام في ذلك. حتى جاء ذلك اليوم 15 آذار من عام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين، لتصل المواجهة بين عنزا ومحتلها إلى ذروتها فخرجت عنزا شيبها وشبانها ، نسائها وشيوخها لتشارك في هذه المواجهة. فكان الشهيد خيري من الذين حفروا أسمائهم في سجل الشرف الخالد ذلك اليوم. لم تخطئه رصاصة الغدر، لكنه تمالك نفسه برغم الإصابة البالغة ليرفع يده بإشارة النصر وهو يصعد في واسطة النقل التي اقلته إلى المشفى، لتبقى صورة الشهيد في ذهن كل من شاهد هذه اللحظة صورة الفارس الحنطي الذي استشهد واقفاً.
ملاحظة: استشهد البطل خيري خضر فعلياً بعد الاصابة بحوالي سنتين وبالتحديد بتاريخ 28/12/1990. له الفخر والخلود
شارك بتعليقك