الألعاب وحكاية حارة ...بقلم : أيمن عبد الحميد الوريدات .
كان الله قد منّ على والدي بعد النكسة بخمس سنوات لا أكثر ، أن أنشأ بيتا في حيّ من أحياء مدينة الزرقاء حيث نزح ، وكان الحيّ في طور الإنشاء ، وتبعه في ذلك أهل قريتنا ، فسمي الحي بـ ( حارة الظّاهريّة ) تيمنًا بالقرية الأصليّة ( ظاهرية الخليل ) ، وما أن انتقلنا إلى الحيّ الجديد حتّى بدأت بإنشاء صداقات طفوليّة مع أبناء الجيران ، وكان عمري حينها خمس سنوات بالتّمام والكمال ، فكانت صداقاتنا تلك آنية مزاجيّة ، وإن شئت فقل ( مصلحجيّة ) فمن أشركنا في لعبة استمرت صداقتنا معه ساعات أو أيام أكثر ، وما زلتُ اذكر عددًا من الألعاب الّتي لعبناها حتّى الشّبع ؛ فكيف لي أن أنسى ألعاب ( الطّماية ، وكمّ السّير ، ووقعت حرب ، والشرطيّ والحرامي ، والخريطة ، ومكانك قف ، والسّبع حجار )ولن أكون منصفًا إذا لم أذكر أمّ الألعاب الشّعبيّة ، حبيبة الكلّ ( القلول ) بكلّ أنواعها وطرق لعبها الّتي كنّا نتفنّن بها ، بل كنّا نحتال على أهلنا ، وعلى أنفسنا فنشتري ( القلول ) من مصروفنا المتواضع جدًّا ، الّذي لا يتجاوز قرشين في أحسن الأحوال ، كانت زقاق الحارّة مسرحنا ؛ فيها نجتمع ونخطّط ، ونوزّع الأدوار فيما بيننا ، فيها نمت شخصياتنا المتنوّعة بتنوّع البشر ، فمنّا القائد القويّ الّذي لا يردّ له طلب ، ويقوم بتحديد اللعبة الّتي سوف نلعبها ، ومنّا المعترض دائمًا ، وبعد تداخلات من هنا وهناك إمّا أن يؤخذ برأيه أو يوجّل قليلا ، ومنّا الموافق تمامًا الّذي لا يعترض ولا يُبدي رأيًا ؟ كحال معظم أمتنا الآن ؟ ومنّ الشّرس الّذي ينطبق عليه المثل القائل ( إيده والهواي ) ، وهذا يكون بيت أهله مقصد الجيران لتقديم الشّكوى ، وما أجمل تلك اللحظات الّتي كان يسمح لنا أهلنا فيها بعد أخذ وردّ بأن نبقى في الحارة فترة أطول ، وهذه اللحظات غالبا ما كانت تعقبها عطلة نهاية الأسبوع ، سأكون منصفا إلى أبعد حدّ إذا قلت بأنّ هذه الألعاب صنعت بشخصياتنا ما لم تصنعه المدارس والجامعات ، غالبا ما استحضر شريط هذه الالعاب في ذهني ، فيرقّ قلبي ، وتدمع عيني حنينا إليها ، ويزداد ذلك عندما ألتقي برفقة طفولتي الّذين ما زلت أتواصل مع الكثير منهم ، وترقّ عيني ألمًا عندما أستمع من طلابي الّذين أكنّ لهم كلّ التّقدير ، عن الألعاب الّتي يمارسونها ، حيث هم في غرفهم لا يخرجون منها ، كلّ منهم متمرّس خلف جهاز ( البلي قيمز ) أو خلف جهاز الحاسب لا يفارقه يلتصق به ليل نهار ، ولكن لا شاكٍ ولا مشكيّّ له ، هذا بودّه لو يخاطبه ،لكنّ الآخر أصمّ أبكم لا يجيب ، ويمكن القول بأن أطفالنا الآن ؟ من وجهة نظرهم - قد يستمتعون بهذه الألعاب أكثر مّما كنّا نستمتع بألعابنا ، لكنّ لعله من المناسب أن تأخذ مدارسنا على عاتقها تذكير الأطفال ببعض هذه الألعاب الّتي حرموا منها ، علما بأن الكثير منها يمكن توجيهه تربويًا ، ولي في ذلك تجربة .
شارك بتعليقك
اشكرك اخي ايمن فانك انت من يظهر اسم الظاهرية باشكل الصحيح للعالم اجمع
اخوك
منصور رباع